الوقت- رغم الدمار الهائل الذي خلفته الغارات الإسرائيلية على مطار صنعاء الدولي، ورغم التحديات المتراكمة الناتجة عن سنوات الحرب والحصار، تمكنت أول طائرة ركاب تابعة للخطوط الجوية اليمنية من الهبوط في مطار صنعاء وعلى متنها 136 مسافرًا، قادمة من العاصمة الأردنية عمان، هذه اللحظة لم تكن مجرد رحلة جوية عادية، بل حملت معها دلالات سياسية، إنسانية، واستراتيجية عميقة، تؤكد أن قدرات اليمن لا تقتصر فقط على المجال العسكري، بل تمتد إلى مجالات أخرى حيوية، أبرزها القدرة على الصمود وإعادة الإعمار حتى في أحلك الظروف.
رمزية الهبوط في زمن العدوان
العدوان الإسرائيلي الأخير على الأراضي اليمنية، والذي طال بشكل مباشر منشآت مدنية وبنى تحتية حيوية، وعلى رأسها مطار صنعاء الدولي، كان يستهدف بالدرجة الأولى شل حركة الحياة وتعميق عزلة اليمن عن العالم، وقد أدت تلك الضربات إلى تدمير أجزاء واسعة من المدرج والمنشآت التابعة للمطار، وقدرت الخسائر المادية حينها بحوالي 500 مليون دولار، لكن إعادة فتح المطار أمام الرحلات المدنية بهذه السرعة، وبعد عشرة أيام فقط من القصف، يمثل رسالة قوية على الصعيدين المحلي والدولي مفادها بأن اليمن لن يُكسر بسهولة.
قدرات تتجاوز القوة العسكرية
لطالما تم التركيز في الإعلام والدوائر السياسية على القدرات العسكرية المتنامية التي تمتلكها اليمن في مواجهة العدوان، إلا أن الهبوط الأخير للطائرة في مطار صنعاء يعيد التأكيد على أن قدرة اليمن لا تقتصر على صواريخها وطائراتها المسيّرة، بل تمتد لتشمل منظومة لوجستية، وهندسية، وبشرية قادرة على إعادة بناء ما تهدم، وترميم ما دُمّر، تحت ضغط الظروف وفي زمن قياسي.
الهندسة اليمنية المحلية تمكنت، وبإمكانات محدودة، من إعادة تأهيل مدرجات المطار، وإجراء الصيانة الضرورية لضمان استقبال الطائرات المدنية بأمان، وهو إنجاز تقني كبير في ظل الحصار الخانق ونقص المواد وقطع الغيار.
البعد الإنساني للرحلة.. الصمود كخيار استراتيجي
الرحلات الجوية إلى مطار صنعاء لا تعني فقط تحرك الطائرات، بل تعني حرية تنقل للمرضى، ولمّ شمل الأسر، وتبادل إنساني وتجاري تم حرمان ملايين اليمنيين منه لسنوات، لذلك، فإن هبوط هذه الطائرة لا يمكن النظر إليه إلا كخطوة أولى نحو كسر العزلة، وإعادة ربط اليمن بالعالم، ولو تدريجياً.
الرسالة الأكبر في هذا الحدث هي أن اليمن اختار الصمود كخيار استراتيجي، فمن بين الركام، يُعاد تشغيل المطار، وتُستأنف الرحلات، وتعود الحياة تدب في الشرايين التي حاول العدوان قطعها، وهذه ليست أول مرة يُظهر فيها اليمن هذه القدرة؛ فقد رأينا سابقًا كيف أُعيد تشغيل شبكات الكهرباء، والاتصالات، وحتى بعض المنشآت الصناعية، بعد تعرضها للقصف والتدمير.
الرسالة السياسية للحدث
إن استئناف الرحلات من وإلى مطار صنعاء بعد العدوان الإسرائيلي يحمل في طياته رسالة سياسية واضحة، فهو يشير إلى أن سيادة اليمن على قراره الجوي لم تُنتزع، وأن محاولات العدو لشطب اليمن من خارطة الحركة الدولية قد فشلت، إن هبوط الطائرة في هذه الظروف هو إعلان ضمني بأن صنعاء ما زالت حاضرة بقوة في المعادلة الإقليمية، وأن الشعب اليمني ومؤسساته يمتلكون زمام المبادرة، ولو تحت الحصار، لقد أراد العدو كسر إرادة اليمنيين، فجاء الرد على شكل طائرة مدنية تحط في مطار أعيد للحياة بأيادٍ يمنية، رافعةً شعار الحياة في وجه الموت.
لم يكن استهداف مطار صنعاء والمنشآت المدنية اليمنية من قبل الكيان الصهيوني سوى محاولة يائسة لإخضاع إرادة الشعب اليمني وكسر عزيمته في دعم القضية الفلسطينية، لكن الرد اليمني جاء حاسماً، ليس فقط بإعادة تشغيل المطار في فترة قياسية، بل أيضاً بتصعيد العمليات النوعية التي طالت عمق الأراضي المحتلة، لتثبت أن اليمن اليوم قوة إقليمية لا يمكن تجاهلها أو كسر إرادتها، لقد أظهرت الهجمات الصاروخية والطائرات المسيّرة اليمنية هشاشة أمن الكيان الصهيوني، وأصابت صورته الزائفة كدولة قادرة على حماية مستوطنيها في الصميم، حيث بات الملايين من الإسرائيليين يعيشون تحت ضغط نفسي متواصل، في ظل فشل منظومات الدفاع التي طالما تغنّى بها العدو.
اليمن، الذي يواجه حصاراً وعدواناً منذ سنوات، لم يتراجع عن موقفه المبدئي في نصرة فلسطين، بل جعل من هذا الالتزام محوراً أساسياً في سياسته الإقليمية، رافضاً كل أشكال الابتزاز أو الضغوط الدولية حيث إن تصعيد العمليات اليمنية ضد الاحتلال الصهيوني رسالة واضحة بأن أي اعتداء على اليمن لن يمر دون رد مؤلم يصل إلى عمق الأراضي المحتلة، وأن زمن استفراد العدو بالشعوب المستضعفة قد ولى لقد أذهل طوفان الشعب اليمني العالم في مواقفه المتقدمة دعماً لفلسطين، وأثبت أن وحدة القرار والإرادة الصلبة قادرة على تغيير معادلات الصراع في المنطقة، رغم كل محاولات العزل والتجويع، إن إعادة فتح مطار صنعاء رغم القصف، واستمرار العمليات العسكرية الدقيقة ضد الكيان الصهيوني، يؤكدان أن اليمن اليوم ليس مجرد ساحة صراع، بل هو لاعب فاعل يفرض معادلاته ويعيد رسم ملامح المواجهة مع العدو الصهيوني وحلفائه، وفي هذا السياق، يتجلى التحدي اليمني للكيان الصهيوني كرسالة سياسية واستراتيجية مفادها بأن إرادة الشعوب لا تُقهر، وأن اليمن سيظل سنداً لفلسطين مهما اشتدت الغارات أو طال الحصار، فكل ضربة يتلقاها العدو هي صفعة جديدة تبرهن أن زمن الهيمنة الصهيونية على المنطقة يقترب من نهايته، وأن اليمن، بإرادته الحرة، سيبقى شوكة في خاصرة الاحتلال حتى يتحقق النصر والحرية.
الأمل في عيون اليمنيين.. من رماد الحرب إلى فجر جديد
لقد حملت لحظة هبوط الطائرة في مطار صنعاء مشاعر مختلطة بين الفرح والحذر، فرحة باستعادة شريان حيوي من شرايين الحياة، وحذر من أن الطريق لا يزال محفوفاً بالمخاطر والتحديات، ومع ذلك، فإن إرادة النهوض التي أبداها اليمنيون، قيادةً وشعباً، تعكس روحاً جماعية تتحدى المستحيل هذه الروح قادرة على تحويل كل تجربة ألم إلى حافز للعمل، وكل خسارة إلى درس في الصبر والإصرار، فاليمن اليوم، رغم الجراح، يبعث برسالة أمل إلى كل شعوب المنطقة بأن النهوض ممكن، وأن إرادة الحياة أقوى من كل محاولات الإخضاع والتدمير.
في الختام، ما جرى في مطار صنعاء ليس مجرد إصلاح مدرجات أو تسيير رحلة، بل هو دليل حي على أن هذا البلد، رغم الحرب، والتجويع، والحصار، يملك من الإرادة والقدرة ما يكفي لإعادة النهوض، وهو تذكير للعالم بأن الشعوب التي تتسلح بالإيمان بقضيتها لا يمكن قهرها مهما اشتدت الغارات أو كثر الحصار.