الوقت- يشهد الكيان الصهيوني حالة غير مسبوقة من التخبط السياسي والانكشاف الاستراتيجي، بعد أن وجّه وزراء في حكومة نتنياهو هجومًا لاذعًا على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسبب اتفاق أُبرم بين الولايات المتحدة وحركة حماس لإطلاق سراح الجندي الأمريكي-الصهيوني إيدان ألكساندر، هذا الهجوم لم يأتِ من فراغ، بل هو تعبير صريح عن فشل القيادة الصهيونية في الحفاظ على هيبتها، ليس فقط أمام حماس، بل أمام أقرب حلفائها، لقد انكشف الكيان أمام العالم، وتراجعت قدرته على التحكم في خيوط اللعبة السياسية، ما يفتح الباب أمام قراءة جديدة لمكانته المتداعية في المشهد الإقليمي والدولي.
اتفاق حماس وواشنطن.. انهيار لاحتكار القرار
ما أثار حفيظة وزراء حكومة الاحتلال ليس مجرد الإفراج عن أحد جنودهم، بل الطريقة التي تم بها، اتفاق مباشر بين حركة حماس وبين الولايات المتحدة، دون إشراك حكومة نتنياهو أو التنسيق معها، في هذا الإطار، يُفهم غضب الوزراء الصهاينة كصرخة خائفة من انهيار احتكارهم لمفاتيح الملفات الأمنية والسياسية في المنطقة.
لقد اعتاد الكيان الصهيوني أن يكون "الحلقة الأولى" في كل مفاوضات تخص الفلسطينيين، لكن ما جرى هذه المرة هو انقلاب على هذا الدور، واشنطن لم تكتفِ بتجاهل الكيان، بل ذهبت للتفاوض مع خصمه المباشر، وانتزعت منه رهينة كان من المفترض أن "تحررها القوة الصهيونية"، لا الصفقة.
هذا الاتفاق أظهر حماس كطرف سياسي يمكن التفاهم معه، في حين أظهر الكيان الصهيوني ككيان عاجز عن حماية جنوده، وغير موثوق به حتى من قبل أقرب شركائه، وهنا تتجلى المعضلة: لم تعد حماس تلك الحركة المحاصَرة، بل باتت جزءًا من مشهد تفاوضي دولي يمرّ من بوابة القوة والواقعية، بينما يقف الكيان الصهيوني على الهامش.
نتنياهو في فوضى داخلية.. حكومة مأزومة أمام الرأي العام
الهجوم العلني الذي شنه وزراء نتنياهو على إدارة ترامب يعكس أيضًا حجم الأزمة الداخلية التي تعيشها حكومة الاحتلال، نتنياهو، الذي لطالما قدّم نفسه كمهندس علاقات الكيان الصهيوني مع واشنطن، وجد نفسه مُهانًا، مُقصى، بل متهمًا بالعجز من داخل حكومته، وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير لم يتردد في التشكيك بقيادة نتنياهو خلال اجتماع أمني طارئ، وقال بوضوح: "يجب أن نضمن أن أمريكا لم تقدّم أي تعهد لحماس باسمنا"، هذه التصريحات تكشف حجم التصدّع داخل الحكومة الصهيونية، التي باتت غير قادرة حتى على التنسيق فيما بينها، ناهيك عن التأثير على قرارات الدول الكبرى.
نتنياهو يحكم اليوم وسط واحدة من أكثر الحكومات تطرفًا في تاريخ الكيان الصهيوني، ومع ذلك لا يستطيع فرض رؤيته ولا حتى الدفاع عن قراراته أمام وزرائه، الارتباك في المواقف، والتصريحات المتضاربة، والتسرّع في ردود الفعل، كلّها تؤكد أن الكيان لم يعُد يمتلك قيادة متماسكة، بل يُدار بمنطق رد الفعل، والعزلة، والعجز السياسي.
حماس تربح.. والكيان الصهيوني يخسر
إذا كان ثمة رابح من هذه المعادلة الجديدة، فهي حركة حماس، لقد استطاعت –بصمت ومهارة سياسية– أن تنقل نفسها من موقع "المحاصَر" إلى "الفاعل" في ملف إقليمي معقد، صفقة الإفراج عن إيدان ألكساندر لم تكن مجرّد صفقة أسرى، بل كانت إعلانًا صامتًا بأن للمقاومة الفلسطينية كلمة مسموعة على الطاولة الدولية.
حماس، التي واجهت حصارًا مطبقًا منذ سنوات، أجبرت أمريكا على التفاوض المباشر، في تجاهل صريح للكيان الصهيوني، هذا يعني ببساطة أن الكيان الصهيوني لم يعُد الطرف الوحيد المقبول في المعادلات الدولية، بل بات جزءًا من صراع أكبر لا يملك أدواته.
من جهة أخرى، فشل الكيان الصهيوني فشلًا ذريعًا في تحقيق أي من أهدافه من عدوانه على غزة، رغم تصعيده الدموي ومحاولاته فرض الحصار والخنق، والآن، بعد أن أُجبر على القبول بالأمر الواقع، يجد نفسه في موقف المتفرج على تفاهمات تُعقد من دون حضوره، وبما يناقض روايته الإعلامية والسياسية التي روّج لها لعقود، الكيان اليوم لا يخسر جنودًا فقط، بل يخسر دوره.
في الختام، ما جرى في الأيام الأخيرة هو أكثر من صفقة تبادل أسرى. إنه تحوّل استراتيجي يُظهر هشاشة الكيان الصهيوني وضعف قيادته، وتقدّم المقاومة كقوة تفاوضية تحظى باهتمام القوى الدولية، نتنياهو الذي حاول مرارًا تصوير نفسه كحامي الأمن الصهيوني، ظهر في أضعف حالاته، عاجزًا حتى عن التفاوض على إطلاق سراح جندي في قبضة المقاومة، أما الكيان الصهيوني ككل، فقد وجد نفسه خارج دائرة التأثير، مهزومًا سياسيًا قبل أن يُهزم عسكريًا، هذه المرة، لم تكن المقاومة فقط من انتصر، بل سقطت أسطورة السيطرة الصهيونية، وانفتح الباب على واقع جديد عنوانه الكيان يتراجع... والمقاومة تتقدّم.