الوقت- مرة أخرى، يكشف رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو عن وجهه الحقيقي، حين أعلن، عبر مكتبه، رفضه لأي التزام بوقف إطلاق النار أو تبادل للأسرى في غزة، بعد إعلان حركة حماس الإفراج عن الأسير الأمريكي-الإسرائيلي عيدان ألكساندر.
هذا الموقف ليس مجرد تصريح سياسي، بل دليل إضافي على العقلية الإجرامية التي تحكم هذا الكيان، وتكشف تمسكه بمنطق القوة والإبادة على حساب أي حل إنساني أو قانوني، نتنياهو لا يسعى للأمن كما يزعم، بل لحماية سلطته المنهارة حتى ولو على أنقاض غزة وجثث الأبرياء، إنها سياسة دموية تعكس ضعفًا داخليًا وارتباكًا استراتيجيًا أكثر منها قوة.
"إسرائيل" في مأزق داخلي ومقاومة تفضح هشاشتها
الخطاب العدواني لنتنياهو لا يُفهم خارج سياقه الداخلي، فالرجل يواجه أزمات متتالية، احتجاجات شعبية، قضايا فساد، وفضائح سياسية، إلى جانب إخفاقات أمنية غير مسبوقة فضحت هشاشة جيشه أمام المقاومة الفلسطينية، لذلك، اختار الهروب إلى الأمام عبر تصعيد دموي في غزة، في محاولة يائسة لإعادة لملمة صورته المتداعية، لكن حساباته لم تكن دقيقة، فالمقاومة الفلسطينية، بقيادة حماس، قلبت المعادلة حين أجبرت الولايات المتحدة على الدخول في مفاوضات مباشرة، وأظهرت أنها قادرة على فرض شروطها حتى في ظل القصف والحصار.
ما يزيد من مأزق الكيان هو أن المقاومة باتت شريكًا فعليًا في ملفات حساسة دوليًا، هذه الحقيقة تدق ناقوس الخطر في تل أبيب، لأنها تعني أن الزمن الذي كانت فيه "إسرائيل" تتحكم بكل مفاصل المعادلة قد ولى، نتنياهو، الذي يرفع شعار "الأمن أولاً"، بات اليوم مصدرًا رئيسيًا لانعدام الأمن، لا فقط في غزة، بل داخل الكيان نفسه.
التصعيد الدموي كأداة بقاء سياسي
نتنياهو لا يُخفي أن سلاحه الوحيد للبقاء في المشهد السياسي هو الدم الفلسطيني، تصعيده المستمر ضد غزة ليس خيارًا عسكريًا بحتًا، بل إستراتيجية لفرض واقع جديد يُبعد الأنظار عن فشله، الكيان الذي يعيش على الحروب وجد في غزة ساحة لتفريغ أزماته، وكلما شعر نتنياهو أن مقعده مهدد، لجأ إلى القتل والتدمير ليصنع انتصارات وهمية أمام جمهوره الداخلي المتشدد.
الإعلان الصريح بعدم الالتزام بأي هدنة أو صفقة تبادل، حتى بعد إعلان الإفراج عن أسير يحمل الجنسية الأمريكية، يوضح للعالم أن هذا الكيان لا يحترم أي قانون، ولا يعترف بأي قيمة إنسانية، وأن نتنياهو مستعد للتضحية حتى بحلفائه وأسرى جيشه إذا اقتضت مصلحته السياسية ذلك، هنا، لا يمكننا إلا أن نُسمي الأمور بأسمائها، نحن أمام عقلية فاشية، ترى في دماء المدنيين وسيلة للتمكين السياسي.
لكن هذا الرهان أصبح خاسرًا، فالمقاومة، رغم الحصار والجراح، فرضت نفسها فاعلًا لا يمكن تجاهله، وسقوط هيبة "الجيش الذي لا يُقهر" فضح زيف الأسطورة الإسرائيلية، التصعيد لم يعد يُخيف أحدًا، بل يُسرّع العد التنازلي لنهاية كيان بُني على الاحتلال والعدوان.
مفاوضات حماس مع أمريكا ضربة قاصمة لهيبة الكيان
الإفراج عن إيدان ألكساندر لم يكن مجرد صفقة إنسانية، بل لحظة كاشفة عن تغير المعادلات، فأن تنجح حركة حماس في إجبار الولايات المتحدة على التفاوض المباشر، دون علم أو مشاركة من "إسرائيل"، هو في حد ذاته صفعة قاسية لنتنياهو ودولته المزعومة، هذا الحدث عرّى الكيان أمام العالم، وأكد أن المقاومة لم تعد مجرد فصيل محاصر، بل طرفاً يحظى بالشرعية الفعلية حين يتعلق الأمر بالأسرى والملفات الحساسة.
غضب نتنياهو من هذه المفاوضات يعكس قلقه العميق، فحتى حليفه الأمريكي لم يعُد يراه الضامن الوحيد في المنطقة، لقد تجاوزت الأحداث سلطته، وباتت واشنطن تُدرك أن التعامل مع حماس يحقق نتائج أكثر من الرهان على كيانٍ غارقٍ في أزماته الداخلية وقيادة متخبطة.
تحليلات الصحف الإسرائيلية التي وصفت ما حدث بأنه "هزيمة مدوية" ليست مبالغة، بل توصيف دقيق لحالة انهيار في صورة "إسرائيل" كقوة مسيطرة، لقد فشلت في منع التفاوض، فشلت في فرض شروطها، وفشلت في حماية هيبتها، وها هي اليوم، تُشاهد كيف تُدار الملفات الكبرى بعيدًا عنها، في حين يكتفي نتنياهو بترديد خطاب مكرر عن "الأمن" و"الردع"، دون أن يدرك أن أوراق اللعبة لم تعُد في يده.
في النهاية، ما يحدث اليوم ليس مجرد مواجهة عسكرية، بل تحوّل تاريخي في طبيعة الصراع، نتنياهو، الذي يلهث خلف سلطة على جثث الأبرياء، بات عبئًا حتى على حلفائه، والكيان الصهيوني الذي يقوم على القتل والعنصرية يكتشف أن زمن التفوق بلا منازع قد انتهى.
المقاومة، بعنادها وشجاعتها، تُعيد صياغة المشهد، وتجبر حتى القوى الكبرى على احترام وجودها، أما نتنياهو، فكلما زاد في عدوانه، اقترب أكثر من نهايته السياسية، وربما التاريخية، فالدم الفلسطيني لن يُمحى، وصوت غزة لن يُسكت، ومشروع الاحتلال مهما طغى، إلى زوال.