الوقت- تشهد الساحة الدولية تحوّلاً لافتاً في المواقف تجاه الكيان الصهيوني، مع تصاعد موجات الغضب الشعبي والرسمي على حدّ سواء، نتيجة الجرائم البشعة التي يرتكبها الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، فبعد سنوات طويلة من الدعم الأعمى، بدأت بعض الدول الغربية تتخذ مواقف أكثر جرأة ضد الاحتلال، كان آخرها قرار إسبانيا بوقف صفقة أسلحة موجهة لـ"إسرائيل"، في خطوة تعكس بداية انعطاف تاريخي في موازين التعامل الدولي مع تل أبيب.
لم تعد مشاهد الدمار في غزة ومآسي المدنيين تمر مرور الكرام على الرأي العام الغربي، المظاهرات الشعبية تجتاح شوارع لندن وباريس ومدريد وبرلين، مطالبة بوقف الدعم العسكري والدبلوماسي لهذا الكيان الذي لم يتورع يوماً عن ممارسة كل أشكال القتل والاضطهاد بحق الفلسطينيين، هذه التحركات ضغطت بشدة على الحكومات الغربية، ما اضطر بعض العواصم إلى إعادة النظر في علاقاتها مع الكيان الصهيوني.
إسبانيا في المقدمة
كانت إسبانيا أول المبادرين إلى ترجمة الغضب الشعبي إلى قرار رسمي، عندما أعلنت وزارة دفاعها وقف صفقة أسلحة متطورة كانت مخصصة لجيش الكيان الصهيوني، وجاء في بيان الوزارة أن "استمرار العدوان على المدنيين الفلسطينيين يتناقض مع المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني"، مؤكدة أن مدريد لن تكون شريكة في دعم آلة القتل الصهيونية.
هذا الموقف الإسباني يُعد خطوة غير مسبوقة لدولة أوروبية كبرى، ورسالة قوية موجهة إلى باقي العواصم الغربية بضرورة التحرك الجاد لوقف الجرائم الإسرائيلية، كما يعكس التحول في المزاج السياسي الغربي، إذ باتت الحكومات تخشى من تكلفة دعم الكيان الصهيوني على استقرارها الداخلي وعلى صورتها أمام شعوبها.
تحركات لعزل الكيان الصهيوني دولياً
إلى جانب إسبانيا، تتصاعد الأصوات داخل الاتحاد الأوروبي للمطالبة بفرض عقوبات على الكيان الصهيوني، بما في ذلك تجميد اتفاقيات الشراكة التجارية وتعليق التعاون العسكري والتكنولوجي، عدد من البرلمانات الأوروبية شهد نقاشات حادة حول ضرورة اتخاذ خطوات أكثر جرأة، منها طرد السفراء الإسرائيليين أو تقليص العلاقات الدبلوماسية.
في السياق ذاته، تُطرح مبادرات داخل الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان تدعو إلى تعليق عضوية الكيان الصهيوني، على خلفية الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي، ورغم المعارضة المتوقعة من الولايات المتحدة وبعض حلفائها التقليديين، إلا أن الزخم الدولي يتزايد لمصلحة فرض عزلة سياسية متصاعدة على الكيان الصهيوني.
انتهاكات ممنهجة تكشف الطبيعة العدوانية للكيان الصهيوني
ما كشفته جرائم الكيان الصهيوني الأخيرة، وخاصة في قطاع غزة والضفة الغربية، تجاوز كل الحدود الأخلاقية والقانونية، فالقصف العشوائي للمدارس والمستشفيات واستهداف قوافل الإغاثة، يثبت أن الكيان الصهيوني يعتمد سياسة الأرض المحروقة لإخضاع الفلسطينيين، ضارباً عرض الحائط بكل القوانين والأعراف الدولي.
الصور القادمة من فلسطين لنساء وأطفال تحت الأنقاض، ومشاهد التهجير القسري من الأحياء، أعادت إلى الأذهان أبشع الفصول الاستعمارية في التاريخ الحديث، إن استمرار الكيان الصهيوني في هذه الجرائم، وعدم خضوعه لأي مساءلة جدية حتى الآن، يمثل فضيحة أخلاقية للمجتمع الدولي، الذي طالما تغنى بمبادئ حقوق الإنسان.
تفكك درع الحماية الغربية للكيان الصهيوني
على مدار عقود، تمتع الكيان الصهيوني بحماية غير مشروطة من الغرب، الذي وفر له غطاءً دبلوماسياً وعسكرياً مكنه من الإفلات من المحاسبة الدولية رغم سجله الحافل بالانتهاكات، كانت العواصم الغربية تتسابق لدعم الاحتلال، إما من منطلق مصالح جيوسياسية، أو تحت وطأة جماعات الضغط الصهيوني التي تغلغلت في مراكز صنع القرار، إلا أن المشهد الدولي اليوم يتغير بشكل جذري، إذ بدأت تتفكك حلقات هذا الدرع التقليدي الواحدة تلو الأخرى.
التحولات الشعبية العميقة، المدفوعة بانتشار وسائل الإعلام البديلة ومواقع التواصل الاجتماعي، أسقطت الرواية الصهيونية التي كانت تهيمن على الرأي العام الغربي لعقود، لم تعد حملات التزييف قادرة على إخفاء حقيقة المجازر والاضطهاد، ونتيجة لذلك، باتت الحكومات الغربية تجد نفسها مضطرة لإعادة النظر في علاقتها بالكيان الصهيوني، خشية أن تخسر دعم شعوبها أو تتهم بالتواطؤ في جرائم الحرب.
وللمرة الأولى منذ نشأة الكيان الصهيوني، أصبح الحديث عن فرض عقوبات وعزلة دبلوماسية مسموعاً بوضوح في أروقة السياسة الغربية، فالضغوط الشعبية تتزايد، والحركات الحقوقية تتسع، ما جعل دعم الكيان الصهيوني عبئاً سياسياً وأخلاقياً لا يمكن تحمله بسهولة كما كان في الماضي.
إن تفكك درع الحماية الغربية لا يعني فقط تآكل الدعم السياسي، بل يشير إلى بداية تغير عميق في هيكل النظام الدولي تجاه الكيان الصهيوني، وإذا استمر هذا المسار التصاعدي من الغضب والمقاطعة، فإن مستقبل الاحتلال سيكون أكثر عزلة وتعرّضاً للمساءلة الدولية، وقد يجد نفسه أخيراً في مواجهة عدالة طال انتظارها.
في النهاية، ما نشهده من تفكك لدرع الحماية الغربية عن الكيان الصهيوني ليس ظاهرة سطحية، بل نتيجة حتمية لتحول عميق في ميزان الوعي العالمي، لم يعد مقبولاً غض الطرف عن الجرائم المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني، ولم تعد الشعارات الزائفة قادرة على تبرير هذا الظلم المستمر، ومع كل خطوة جديدة تتخذها الحكومات الغربية، من تعليق صفقات السلاح إلى تصعيد الأصوات المطالبة بالعقوبات، يقترب الاحتلال الصهيوني أكثر من فقدان شرعيته الدولية، والانزلاق نحو عزلة خانقة، تمثل بداية النهاية لكيان استند منذ نشأته إلى القمع والدعم الخارجي.