الوقت- مع استئناف الحرب على غزة بأوامر من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اندلعت موجة من الاحتجاجات ضد هذه الحرب داخل الأراضي المحتلة وخارجها، وفي الوقت الذي يطالب فيه معارضو الحرب في دول العالم بالضغط الدولي على النظام لوقف قتل المدنيين وإزالة العوائق أمام إرسال المساعدات الإنسانية إلى غزة، خرج سكان الأراضي المحتلة إلى الشوارع أيضاً لإدانة تصرفات الحكومة في تعريض حياة السجناء الصهاينة للخطر وإعادة شبح إرهاب الأزمة الأمنية والضغط الاقتصادي على المجتمع.
وفي هذه الأثناء، انضمت فروع مختلفة من الجيش والمؤسسة العسكرية في الأيام الأخيرة إلى موجة المعارضة ضد حكومة نتنياهو، ووقع الجيش على عرائض شديدة اللهجة تطالب الحكومة بوقف الحرب غير المثمرة في غزة، وعلى مدى العامين الماضيين، توترت العلاقات بين نتنياهو وكبار القادة العسكريين في البلاد بشكل كبير، وتعود جذور هذه التوترات إلى خلافات استراتيجية وسياسية وشخصية، وفي بعض الحالات تصاعدت إلى مواجهة مفتوحة، يتناول هذا التقرير أهم نقاط الخلاف وأسباب عدم ثقة الجيش بنتنياهو.
إن إرسال رسائل انتقاد مفتوحة من قبل الجيش ضد سياسات وأداء حكومة نتنياهو في الحرب على مدى عامين يشكل سابقة، في فبراير/شباط من العام الماضي، كتب أكثر من 550 من القادة والضباط السابقين في الجيش الإسرائيلي رسالة إلى نتنياهو يحذرونه فيها من استئناف الحرب على غزة دون تحديد هدف استراتيجي واضح ومحدد، رسائل لم تجد آذاناً صاغية في الحكومة بطبيعة الحال، وهو ما أدى الآن إلى تزايد الخلافات بين الجيش والحكومة، وفي واحدة من أحدث الرسائل، كتب نحو ألف جندي من القوات الجوية والطيارين الاحتياطيين الذين شاركوا في عمليات القصف في غزة رسالة مفتوحة إلى كبار المسؤولين العسكريين والسياسيين الإسرائيليين، منتقدين استمرار الحرب وشجعوا الصهاينة على تنظيم الاحتجاجات.
وبعد ذلك، وقع أكثر من 150 ضابطا سابقا في البحرية الإسرائيلية على عريضة تطالب بإنهاء الحرب على غزة، وكتبوا في العريضة أن استئناف الحرب على غزة من شأنه أن يضعف معنويات الجيش ويضر بالمدنيين، وأعرب الأطباء والممرضون العاملون في جيش الدفاع الإسرائيلي أيضا عن قلقهم إزاء الوضع الصحي الكارثي في غزة، وأشاروا إلى أن الحصار الكامل على غزة ونقص الأدوية والمعدات الطبية أدى إلى مقتل المدنيين، وخاصة الأطفال والنساء.
الخلافات بين الحكومة والجيش
وقد أدى طول أمد الحرب وفشل الجيش في تحقيق الأهداف الأولية التي أعلن عنها في العملية العسكرية في غزة إلى تزايد الخلافات تدريجيا بين الجيش وأعضاء مجلس الحرب، وخاصة نتنياهو، ويعتقد المسؤولون العسكريون الآن أن دوافع الحكومة في بدء جولة جديدة من الحرب تتمثل في إعطاء الأولوية للمصالح السياسية على الأمن القومي، ويسعى الجيش إلى وضع استراتيجية واضحة للأمن على المدى الطويل، لكن نتنياهو يسعى إلى الحفاظ على السلطة وتجنب الأزمات السياسية والقضائية.
ويعتقد كثير من العسكريين أن نتنياهو يطيل أمد الحرب من أجل الهروب من المحاكمات القانونية (قضايا الفساد) والحفاظ على السلطة، وأن استراتيجيات الحكومة في الحرب لم تؤد إلا إلى زيادة الخسائر البشرية وتقليص مصداقية الجيش بين المجتمع، وخاصة أن نتنياهو، بعد هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بدلاً من تحمل المسؤولية، ألقى اللوم على الجيش، لقد أدى هذا السلوك إلى تدمير ثقة القادة في قيادته، ويقولون إنه مهتم ببقائه السياسي أكثر من اهتمامه بأمن "إسرائيل".
إن عدم الثقة هذا بين المؤسسة العسكرية وحكومة نتنياهو لا يرتبط فقط بفترة ما بعد عاصفة الأقصى والإخفاقات العسكرية للجيش في غزة، خلال جهود الحكومة لإقرار قانون الإصلاح القضائي، حذر الجيش الإسرائيلي وأجهزة الاستخبارات (الشاباك والموساد) من أن هذه الإصلاحات تهدد استقرار المؤسسات الأمنية، ورفض آلاف الضباط الاحتياطيين، بما في ذلك الطيارون والقوات الخاصة، الخدمة احتجاجاً على الخطة.
من ناحية أخرى، أدت حرب نتنياهو العشوائية والاستنزافية في غزة إلى زيادة الخسائر العسكرية وإضعاف الروح المعنوية للجيش، بحيث يشعر عدد متزايد من الجنود كل يوم بأنهم منخرطون في حرب سياسية بدلاً من "الدفاع عن البلاد".
العسكريون في ظل الخوف من الملاحقة الدولية
في هذه الأثناء، فإن أحد أهم العوامل في تصاعد انعدام الثقة والخلاف بين الجيش وحكومة نتنياهو هو الخوف المتزايد من الملاحقة الدولية بين الطيارين والجنود والأطباء العسكريين، يشعر العديد من العسكريين بالقلق بشأن محاكمتهم في المحاكم الدولية، ويعتقدون أن نتنياهو عرضهم لاتهامات بارتكاب جرائم حرب بمواصلة الحرب.
وقد أدت الأمثلة التاريخية مثل محاكمة أفراد عسكريين ومسؤولين من بلدان مختلفة بتهمة ارتكاب "جرائم حرب" (مثل القضايا المتعلقة بيوغوسلافيا السابقة، ورواندا، وصربيا، وبعض القادة الأميركيين في العراق وأفغانستان) إلى إثارة قلق متزايد بين القوات الإسرائيلية، وكانت الشرارة الأولى التي يمكن أن تثير مثل هذه العاصفة هي شكوى تقدمت بها محكمة برازيلية ضد جندي إسرائيلي في يناير/كانون الثاني من العام الماضي، لتأتي بعدها شبكة CNN الأمريكية لتشير إلى أن الخوف من الاعتقال في بلدان أخرى هز قلوب الجنود الإسرائيليين، وقد يكون هذا أحد الأسباب الرئيسية وراء دعوتهم لوقف الحرب.
وقد حاكمت المحاكم الدولية في لاهاي والآليات القضائية التابعة للأمم المتحدة حتى الآن العشرات من العسكريين والسياسيين بتهمة انتهاك القانون الإنساني الدولي، وتظهر هذه الحالات أنه حتى بعد مرور عقود من الزمن، من الممكن محاكمة أفراد الجيش على أفعالهم في الحرب، وتحقق محكمة لاهاي حاليا في تهم ارتكاب جرائم حرب ضد مسؤولين وجنود إسرائيليين، وإذا صدرت مذكرة اعتقال، فقد يتم القبض على أي من هؤلاء الأفراد إذا سافروا إلى الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية (مثل معظم الدول الأوروبية).
أزمة الحكومة مع تزايد الاحتجاجات
وفي أعقاب تصاعد الاحتجاجات العسكرية ضد استمرار الحرب، اتبعت الحكومة سياسة القبضة الحديدية ضدهم، حيث أفادت مصادر إسرائيلية الخميس بأن رئيس أركان الجيش وقائد سلاح الجو الإسرائيلي قررا طرد جنود الاحتياط الذين وقعوا على العريضة.
وفي هذا الصدد، قيل إنه تم تسريح 60 طيارًا حتى الآن، وشن نتنياهو أيضا هجوما مباشرا على الموقعين على الرسالة، متهما إياهم بالكذب، وكتب في الرسالة: "التصريحات نفسها مرة أخرى، مرة باسم الطيارين، ومرة باسم قدامى المحاربين في البحرية، ومرة باسم آخرين، لكن المجتمع لا يصدق أكاذيبكم".
وواصل نتنياهو هجومه واصفا الجيش الإسرائيلي بأنه مجموعة من الفوضويين الذين لا يعرفون شيئا عن الوضع، وكثيرون منهم تقاعدوا، في حين أن الأغلبية لم تكن في الجيش منذ سنوات، وكان قد وصف الاحتجاجات في وقت سابق بأنها "انتفاضة عسكرية" ووصفهم بأنهم "أقلية ضئيلة".
وفي هذا الصدد، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية عماد أبو عواد في حديث لوكالة شهاب الفلسطينية للأنباء: "إن الوضع يشير إلى تصاعد الانقسامات داخل النظام الصهيوني، وحكومته تسعى إلى قمع أي صوت معارض".
ويرى الخبراء أن هذا الموقف من شأنه أن يعمق انعدام الثقة بين الجيش والحكومة، انقسام قد يؤدي إلى تكثيف الاحتجاجات داخل الجيش أو حتى استقالات جماعية، وقد تؤدي هذه القضية إلى تحويل الخلافات إلى أزمة حكم وإجبار الحكومة على تعديل مواقفها أو قبول وقف إطلاق النار.