الوقت- في تصعيد عسكري بدا وكأنه رد استعراضي على ضربات أنصار الله ضد الملاحة الدولية، شنت الولايات المتحدة سلسلة من الضربات على أهداف في اليمن، لكن بعد أسابيع من القصف المكثف، بدأت الحقائق تظهر، العملية لم تحقق أهدافها المعلنة، بل فتحت الباب لأسئلة محرجة داخل المؤسسة العسكرية الأمريكية حول الفاعلية، والجدوى، وتكلفة الاستنزاف في صراع يبدو بعيدًا عن الحسم.
فعالية محدودة رغم القوة التدميرية
رغم استخدام واشنطن لترسانة من أكثر الأسلحة تقدمًا -مثل صواريخ "توماهوك" وقنابل "AGM-158" الشبحية- إلا أن مسؤولين في البنتاغون أقروا سرًّا بفشل كبير في تدمير ترسانة الحوثيين من الصواريخ والطائرات المسيّرة.
مصادر في الكونغرس الأمريكي كشفت أن البنتاغون أبلغ مشرّعين بأن "النجاحات كانت محدودة"، ما يعكس وجود فجوة بين القوة العسكرية والنتائج الميدانية.
نزيف مالي واستنزاف استراتيجي
منذ بداية العمليات، أنفقت واشنطن ما يزيد على 200 مليون دولار في الأسابيع الثلاثة الأولى فقط، فيما تجاوزت التكاليف الكلية -بما فيها العمليات والدعم اللوجستي- مليار دولار، هذه التكلفة أثارت مخاوف حقيقية داخل المؤسسة الدفاعية، وخاصة أن المخزون العسكري يتراجع بوتيرة تثير القلق في ظل التوتر المتصاعد مع الصين في المحيطين الهندي والهادئ.
قلق متصاعد من تآكل الجاهزية ضد الصين
المفاجئ في هذا السياق أن القلق الأمريكي لم يعد يقتصر على الساحة اليمنية، بل اتّسع ليشمل الاستعداد لمواجهة الصين، وفقًا لمصادر نيويورك تايمز، حذر قادة عسكريون، بينهم ضباط في البحرية وقيادة المحيطين الهندي والهادئ، من أن الاستهلاك المتسارع للمخزون العسكري في اليمن قد يعطّل قدرة واشنطن على الرد في حال نشوب أزمة في آسيا، أحد كبار مسؤولي البنتاغون أبلغ الكونغرس أن الجيش سيواجه "مشاكل عملياتية حقيقية" في حال نشوب نزاع مع الصين.
فشل استخباراتي وتكتيكي؟
الاعتراف الضمني بالفشل في استهداف مواقع أنصار الله يطرح تساؤلات حول دقة المعلومات الاستخباراتية، وجدوى التكتيك المتبع، فكيف يمكن لصواريخ بملايين الدولارات ألا تحقق نتائج واضحة على الأرض؟ هذا يوحي بأن لدى أنصار الله قدرة على المناورة، وإخفاء ترساناتهم، وربما التمويه بأساليب لا تزال تقاوم التكنولوجيا الأمريكية.
رهانات خاسرة وتحالفات متآكلة
في خضم هذا المشهد، يبدو أن واشنطن تراهن على تحالف هش مع أطراف إقليمية لا تملك فعليًا القدرة على حسم المعركة أو حتى التأثير فيها، الضربات لم تحد من قدرات أنصار الله، ولم توقف هجماتهم على الملاحة، ما يشير إلى خلل في الرؤية الاستراتيجية الأمريكية، بل ربما في فهم طبيعة الخصم نفسه.
دروس من حرب طويلة
ما يحدث في اليمن اليوم يذكّر بسيناريوهات الفشل التي واجهتها واشنطن في أفغانستان والعراق، إنفاق ضخم، وعمليات واسعة، ثم اعتراف متأخر بعدم الفعالية، الفرق هنا أن الخطر لم يعد بعيدًا، بل بات يؤثر على خطوط التجارة الدولية، ويشكّل تهديدًا مباشرًا على مصالح أمريكا وحلفائها في البحر الأحمر.
في النهاية، في ظل غياب نتائج ملموسة، وتزايد القلق داخل البنتاغون والكونغرس، تبدو العملية العسكرية في اليمن أقرب إلى مأزق مفتوح، الاستمرار فيها يهدد بتآكل القدرة العسكرية، والانسحاب منها يُعد تراجعًا سياسيًا، وبين هذين الخيارين، يُتوقع أن تضطر واشنطن إلى إعادة تقييم استراتيجيتها بالكامل، وربما التفكير في مسارات تفاوضية أكثر واقعية وأقل تكلفة.