الوقت- شهر رمضان له عاداته وأحواله التي تميزه عن غيره من أشهر السنة، مع حلول شهر رمضان المبارك، يصبح المسلمون في جميع أنحاء العالم وحدة واحدة، ويمارسون أعمال العبادة والطاعة معًا، إن الصيام عند المسلمين في كل أنحاء العالم هو فترة روحية لتطهير الروح تحمل معها تقاليد ثقافية متنوعة ورائعة، ويمارسه الناس في كل أنحاء العالم بعاداتهم وتقاليدهم الخاصة.
خلال هذا الشهر، يصوم المسلمون من شروق الشمس إلى غروبها، ويزيدون من وحدتهم من خلال أداء طقوس واحتفالات خاصة بهذا الشهر. يعتبر شهر رمضان فرصة للتأمل، وطلب المغفرة، وتعزيز الروابط الاجتماعية، ويؤدي الصائمون خلال هذا الشهر طقوساً مختلفة تعكس التنوع الثقافي وثراء المجتمعات الإسلامية.
يتمتع شهر رمضان في فلسطين بنكهة خاصة ربما تكون فريدة من نوعها في العديد من أنحاء العالم، رغم المشقة والمعاناة والجروح والألم، يزيد الناس من ارتباطهم وحبهم ورحمتهم، وتمتد الأيادي الطيبة لتمسح الدموع، وتعتبر زيارة الأيتام ورعاية عائلات الشهداء والأسرى من أبرز مظاهر شهر رمضان لدى الفلسطينيين، ومن السمات المهمة الأخرى لشهر رمضان في فلسطين زيارة المرضى في المستشفيات وتقديم الهدايا لهم، وتقوية الروابط العائلية، وتوسيع نطاق الولائم والإفطارات الجماعية في المساجد.
لقد اكتسب شهر رمضان في فلسطين في السنوات الأخيرة طابعاً أكثر مقاومة، وقد ساهمت أحداث سيف القدس والاعتكافات في المسجد الأقصى لمنع الجماعات الصهيونية المتطرفة من اقتحام المسجد الأقصى في تنويع ألوان ونكهات رمضان في فلسطين.
غسل المسجد الأقصى ترحيبا بشهر رمضان
للشعب الفلسطيني عاداته وتقاليده الخاصة خلال شهر رمضان المبارك، عندما يتم رؤية هلال أول أيام شهر رمضان المبارك، يملأ صوت الله أكبر من مآذن المساجد كافة أرض فلسطين، وتزين جميع الشوارع، ويمكنك أن ترى فرحة وسعادة قلوب أهل هذه الأرض في عيونهم، ومن التقاليد التاريخية للفلسطينيين خلال شهر رمضان هو الترحيب الخاص بهذا الشهر الفضيل، في الماضي، كان هذا الترحيب مصحوبًا بإطلاق نيران المدافع، واليوم يستقبل الناس قمر الله بطرق أبوابهم، والاحتفال، وإضاءة المدن.
ومن أجمل عادات وتقاليد الشعب الفلسطيني خلال شهر رمضان المبارك، أن يدعو رب الأسرة أبناءه وعائلاتهم إلى مائدة السحور في اليوم الأول من شهر رمضان المبارك، ويزور أقاربه، ويقدم لهم الهدايا.
لا يزال من الممكن سماع صوت الطبول وترانيم الفجر، التي توقظ الناس للعيش في الفجر وتناول وجبة الإفطار، وتنادي: "استيقظوا، لقد حان وقت الفجر"، كما أن غسل وتزيين المسجد الأقصى والأسواق عند مدخل المسجد الأقصى من العادات الفلسطينية التقليدية الأخرى، كما يرددون في بداية رمضان شعارات وقصائد تجاه المسجد الأقصى منها: "نصوم ونصوم فرحين"، ويتبعونها بهتافات "جاء روح قلبك، جاء رمضان"، و"هلال نبينا".
تعليق الفوانيس في المساجد.. رمز الشوق إلى قدوم شهر الله
يستقبل الفلسطينيون شهر رمضان بزينة وأضواء خاصة في المدن والمساجد، ومن الزينة المميزة لدى الفلسطينيين الفانوس الذي يضفي على شهر رمضان جمالاً خاصاً، انتشر فانوس رمضان لأول مرة في عهد المعز الدين الله الفاطمي، الخليفة الفاطمي الرابع. وكان ذلك عندما دخل المعز الدين القاهرة ليلاً في اليوم الخامس من شهر رمضان سنة 358هـ، فاستقبله الناس بالشموع في شمعدانات من خشب.
وقد دهش الخليفة الفاطمي أيضاً من رؤية مثل هذه الفوانيس، وأمر شيوخ المدينة بتعليق الفوانيس مع الشموع المضاءة بداخلها في المساجد، ومنذ ذلك الحين أصبح إضاءة الفوانيس خلال شهر رمضان عادة شائعة ورمزاً للشوق إلى قدوم شهر الله في مصر ثم في الدول العربية وخاصة في دمشق وحلب والقدس وغزة.
وتزدهر أيضاً صناعة فوانيس رمضان في قطاع غزة، ومع حلول الشهر الفضيل يبدأ المواطنون الذين تكون أعمالهم الرئيسية خفيفة أو لا يمارسون أي عمل آخر بسبب حصار غزة، هذه المهنة قبل أشهر من بدء شهر رمضان المبارك بشراء المواد الخام لصناعة فوانيس رمضان في منازلهم، وبالطبع أصبحت تجارة عائلية لدى البعض.
المقلوبة.. طعام سياسي ورمز للنصر في فلسطين
رائحة الخبز الدافئ العطر والحلويات الفلسطينية المميزة في أيدي الصائمين عشية الإفطار لا مثيل لها في أي مكان آخر، ومن الأكلات الفلسطينية الشهيرة في هذا الشهر "المقلوبة، الفريكة، المنسف" والمشروبات المتنوعة كعصير الرمان وعصير العنب وعصير البرتقال، التي باركت موائد إفطار الصائمين الفلسطينيين، لقد كان الاستهلاك الكبير للمخللات والسلطات والتوابل دائمًا عنصرًا أساسيًا في السحور والإفطار الفلسطيني.
اليوم أصبحت المقلوبة طعاماً سياسياً ورمزاً للنصر في فلسطين، ومن خلال صنع المقلوبة وقلب القدر ترسل المرأة الفلسطينية رسالة مفادها بأن الصهاينة سيتم طردهم من القدس قريباً.
عندما نجح صلاح الدين الأيوبي في تحرير القدس من الصليبيين، أحضروا له طبق طعام على شكل أفخاذ دجاج احتفالاً بالنصر، ويسأل: ما اسم هذا الطبق؟ يقولون مازحين: "رأسًا على عقب يعني مقلوبًا"، في إشارة إلى أنه كما تم قلب هذا الطعام، تم طرد الصليبيين من القدس بنفس الطريقة، الطبق لا يعطي طعم الطعام فقط، بل أكثر من الطعام، فهو يعطي للآخرين طعم النضال والدفاع عن الوطن، لقد ازداد طبخ هذا الطبق في السنوات الأخيرة، وتقوم النساء الفلسطينيات بتحضيره بجدية أكبر كل عام، والآن أصبح الطعام الذي كان في السابق مجرد طبق عادي أحد وسائل محاربة الاحتلال الصهيوني.
زيارة عائلات الشهداء.. نحن جميعا أبناؤك يا أم الشهيد
وتعد إقامة صلاة التراويح وإقامة موائد الإفطار في ساحات المسجد الأقصى المبارك من أبرز مظاهر شهر رمضان في مدينة القدس، ومن العادات والتقاليد المنتشرة لدى الفلسطينيين خلال شهر رمضان، الزيارة والإفطار الجماعي، زيارات تأخذ في بعض الأحيان لون ورائحة الاستشهاد، في شهر رمضان يزور الفلسطينيون منازل أمهات الشهداء حتى لا ينسى الشعب الفلسطيني دورهن، زيارة مصحوبة بعبارة: "كلنا أبناؤك يا أم الشهيدة".
الفلسطينيون يحتفلون بعيد الفطر وسط الدماء والموت
يحتفل الفلسطينيون بعيد الفطر وسط الدماء والموت، لكن الأمهات لا يزلن يخبزن الحلويات في المنزل، وفي عيد الأضحى يزور اللاجئون الفلسطينيون قبور موتاهم وشهدائهم ويتلون عليهم القرآن الكريم.
يسعى الفلسطينيون لإقامة صلاة العيد في المسجد الأقصى، رغم قيود الاحتلال على أداء الشعائر الدينية داخل المسجد، وتخبز العائلات في فلسطين الحلويات العربية مثل البرازق والنقوع، تقوم النساء بإعداد الحلويات المحلية مثل المعمول والهلي والسنونك واليهمي، يغني الأطفال الأغاني في آخر أيام شهر رمضان المبارك وعيد الفطر، كما يقوم العديد من المواطنين بعد الخروج من المساجد بتلاوة القرآن الكريم على شهدائهم في المقابر وتوزيع الكعك.