الوقت- في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، تتكشف يوماً بعد يوم ممارسات مروعة تنتهك القانون الدولي الإنساني. من بين هذه الجرائم، يتصدر استخدام الفلسطينيين كدروع بشرية قائمة الفظائع التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي. وفقًا لشهادات ضباط وجنود إسرائيليين وتقارير إعلامية موثوقة، فإن هذه الممارسة أصبحت روتينية ومنظمة، ما يثير تساؤلات حول المحاسبة الدولية لإسرائيل.
شهادات من الداخل..الاعتراف بالجريمة
في تقرير نشرته صحيفة هآرتس العبرية، كشف ضابط في الجيش الإسرائيلي أن قوات الاحتلال تستخدم الفلسطينيين دروعًا بشرية ست مرات على الأقل يوميًا خلال العمليات العسكرية في غزة. وأعرب الضابط عن صدمته عندما علم أن الشرطة العسكرية فتحت فقط ستة تحقيقات في هذا الشأن، رغم انتشار هذه الممارسة بشكل واسع النطاق.
وأضاف الضابط أنه خلال خدمته في غزة لمدة تسعة أشهر، شاهد عمليات إجبار الفلسطينيين على دخول منازل وأنفاق تحت الأرض، للتأكد من خلوها من مقاتلي حماس أو الألغام. وأشار إلى أن الجنود أطلقوا على الفلسطينيين المستخدمين كدروع بشرية مصطلح "شاويش"، وهو ما يعكس استهتارهم بحياة المدنيين الفلسطينيين.
إجبار الفلسطينيين على المخاطرة بحياتهم
من بين أسوأ الممارسات التي كشف عنها الضابط، ما أطلق عليه الجيش الإسرائيلي اسم "إجراء البعوض"، حيث يتم إجبار الفلسطينيين على الدخول إلى أماكن يحتمل أن تكون خطرة، مثل المنازل أو الأنفاق، للتحقق من وجود مقاتلين أو متفجرات. ووفقًا لشهادات من جنود إسرائيليين، فإن هذه الممارسة أصبحت منهجية ومستمرة منذ بداية الهجوم البري على غزة.
دروع بشرية بغطاء قانوني مزيف
محاولات السلطات الإسرائيلية للتهرب من المسؤولية تبدو واضحة من خلال فتح تحقيقات شكلية فقط. يقول الضابط في هآرتس: "نحاول أن نخبر أنفسنا والعالم بأننا نحقق، ولكن في الواقع، لا يتم اتخاذ أي إجراءات لوقف هذه الممارسات."
من جهتها، أكدت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن الجيش الإسرائيلي استخدم المدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية في خمس مدن في غزة، حيث أجبرهم على استكشاف الأنفاق والمباني المشبوهة بدلاً من تعريض الجنود الإسرائيليين للخطر. وكشف التقرير أن ما لا يقل عن 11 فريقًا من جنود وعناصر استخبارات إسرائيليين شاركوا في هذه العمليات.
شهادات جنود الاحتلال.. الممارسة أصبحت طبيعية
أجرت نيويورك تايمز مقابلات مع سبعة جنود إسرائيليين أكدوا أنهم شاهدوا أو شاركوا في هذه الممارسات. كما تحدثت الصحيفة مع ثمانية مسؤولين عسكريين إسرائيليين آخرين أكدوا أن استخدام الفلسطينيين كدروع بشرية أصبح ممارسة عادية ومقبولة في الجيش الإسرائيلي.
وقال أحد الجنود: "بدأنا في استخدام الفلسطينيين دروعًا بشرية بسبب رغبتنا في تقليل الخسائر بين جنود المشاة. قادتنا كانوا على علم بهذه الممارسة، ولم يعترض أحد عليها." هذه الشهادات تسلط الضوء على أن ما يجري ليس مجرد تجاوزات فردية، بل هو سياسة ممنهجة ومتبعة بقرار من مستويات قيادية عليا.
العدالة الدولية على المحك
في 21 نوفمبر 2024، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير حربه السابق يوآف غالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. كما تنظر محكمة العدل الدولية في دعوى قدمتها جنوب أفريقيا تتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في غزة.
هذه التحركات القانونية تعد خطوة أولى نحو محاسبة إسرائيل، لكنها لا تزال بعيدة عن تحقيق العدالة الحقيقية للفلسطينيين الذين يتعرضون لهذه الجرائم يوميًا.
الدعم الأمريكي والصمت الدولي
رغم الأدلة المتزايدة على جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل، لا تزال الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون يقدمون دعمًا غير مشروط لإسرائيل، سواء عسكريًا أو سياسيًا. هذا الدعم يشجع الاحتلال على مواصلة انتهاكاته، دون خوف من عواقب حقيقية.
في المقابل، يطالب ناشطون ومنظمات حقوقية بفرض عقوبات دولية على إسرائيل، ووقف تصدير الأسلحة لها، والضغط عليها لإنهاء الاحتلال والعدوان على الفلسطينيين. ولكن حتى الآن، لا يزال المجتمع الدولي عاجزًا عن اتخاذ خطوات جادة لردع إسرائيل.
مسؤولية المجتمع الدولي ودور الإعلام
تتحمل الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان مسؤولية كبرى في توثيق هذه الجرائم والضغط من أجل محاسبة مرتكبيها. ومع ذلك، فإن الاستجابة الدولية ما زالت خجولة مقارنة بحجم الفظائع التي يتعرض لها الفلسطينيون. تشير تقارير عدة إلى أن إسرائيل لم تكتفِ باستخدام المدنيين دروعًا بشرية، بل قامت أيضًا باعتقالات تعسفية، وتعذيب الأسرى الفلسطينيين، وفرض حصار خانق أدى إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة.
يبرز هنا دور الإعلام العالمي في تسليط الضوء على هذه الجرائم، ولكن تبقى التغطية غير متوازنة، حيث تعمل جهات ضغط مؤيدة لإسرائيل على تبرير هذه الممارسات أو التقليل من شأنها. ومع ذلك، فإن بعض الصحف الكبرى مثل نيويورك تايمز وهآرتس بدأت في كشف الحقائق بناءً على شهادات من داخل الجيش الإسرائيلي نفسه، مما يعزز مصداقية التقارير الحقوقية
الكيان الصهيوني..نظام فصل عنصري بوجه ديمقراطي مزيف
الكيان الصهيوني، الذي يُقدم نفسه للعالم كدولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان، يخفي وراء هذه الصورة واجهة قبيحة من الفصل العنصري والقمع الممنهج. منذ تأسيسه على أنقاض الشعب الفلسطيني، اعتمد هذا الكيان على سياسات التهجير القسري، مصادرة الأراضي، وبناء المستوطنات غير القانونية، مما أدى إلى تشريد مئات الآلاف من الفلسطينيين وتدمير حياتهم.
اليوم، يُمارس الكيان الصهيوني أبشع أشكال التمييز العنصري ضد الفلسطينيين، سواء داخل الأراضي المحتلة أو في الداخل. نظام الفصل العنصري يظهر جليًا في الطرق المخصصة للمستوطنين، والمناطق المحرمة على الفلسطينيين، والقوانين التي تمنح اليهود حقوقًا تفوق تلك الممنوحة للفلسطينيين. هذا النظام لا يختلف عن أنظمة الفصل العنصري التي شهدها التاريخ، مثل نظام الأبارتايد في جنوب أفريقيا، والذي أدانته البشرية جمعاء.
العدوان المتكرر على غزة، وحصارها المستمر منذ سنوات، هو مثال صارخ على سياسات العقاب الجماعي التي يتبعها الكيان الصهيوني. أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون في سجن مفتوح، محرومين من أبسط حقوقهم الإنسانية، مثل الحصول على المياه النظيفة، الكهرباء، والرعاية الصحية. هذه السياسات لا تهدف فقط إلى إخضاع الفلسطينيين، بل إلى تدمير أي أمل لديهم في العيش بكرامة.
الدعم الدولي، وخاصة من الولايات المتحدة، يمنح الكيان الصهيوني غطاءً للاستمرار في انتهاكاته. الفيتو الأمريكي المتكرر في مجلس الأمن يحمي هذا الكيان من المحاسبة الدولية، بينما تستمر الأسلحة الأمريكية في تمويل آلة الحرب الإسرائيلية.
لكن التاريخ يعلمنا أن الأنظمة القائمة على الظلم والفصل العنصري مصيرها الانهيار. الشعب الفلسطيني، برغم كل المعاناة، ما زال يقاوم بكل السبل المشروعة، مؤمنًا بحقه في الحرية والعدالة. وعلى المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته في دعم هذا الحق، ووقف الدعم عن نظام فصل عنصري يهدد السلام العالمي
في النهاية، ما كشفته التحقيقات الصحفية والتقارير الحقوقية حول استخدام الفلسطينيين كدروع بشرية يعكس الوجه الحقيقي للاحتلال الإسرائيلي، الذي لا يتورع عن ارتكاب أبشع الجرائم لضمان تفوقه العسكري. إن استمرار هذه الممارسات دون محاسبة، يشجع إسرائيل على المضي قدمًا في نهجها العدواني.
المجتمع الدولي مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بالتحرك العاجل، ليس فقط لمحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم، بل أيضًا لحماية الفلسطينيين من الإبادة الجماعية والانتهاكات المستمرة. فبدون ضغط حقيقي وعقوبات فعالة، ستظل إسرائيل تواصل ارتكاب جرائمها بلا رادع، بينما يدفع الأبرياء الثمن من حياتهم ومستقبلهم.