الوقت- يواجه جيش الاحتلال الإسرائيلي أزمة غير مسبوقة في تجنيد قوات الاحتياط، وفقًا لما كشفته صحيفة هآرتس العبرية، فقد تراجعت بشكل حاد رغبة الإسرائيليين في الالتحاق بالخدمة العسكرية، وسط مؤشرات تنذر بانخفاض أعداد المجندين إلى النصف، ما يضعف قدرة الجيش على تنفيذ عملياته العسكرية، وخصوصًا في قطاع غزة وجبهات أخرى.
هذه الأزمة لا تقتصر على نقص الأفراد فحسب، بل تعكس تحولًا عميقًا في المجتمع الإسرائيلي، حيث يتآكل الدافع للانضمام إلى المؤسسة العسكرية التي لطالما كانت تعتبر حجر الزاوية في العقيدة الأمنية لـ"إسرائيل"، فما الذي أدى إلى هذا الانخفاض الحاد في أعداد المجندين؟ وهل باتت هذه الأزمة البنيوية غير قابلة للإصلاح؟
تراجع الاستجابة للتعبئة العسكرية
تشير التقارير الصادرة عن جيش الاحتلال إلى أن نصف قوات الاحتياط في بعض الوحدات لم تستجب لاستدعاءات الخدمة، وهي ظاهرة غير مسبوقة تعكس تغيرًا في المزاج العام داخل "إسرائيل"، ورغم محاولات القيادة العسكرية التقليل من شأن هذه المشكلة، فإنها باتت تمثل تحديًا حقيقيًا أمام استمرار العمليات القتالية، وخاصة في غزة، حيث يعتمد الجيش بشكل أساسي على قوات الاحتياط لتعويض الخسائر في الخطوط الأمامية.
المراسل العسكري لصحيفة هآرتس، عاموس هرئيل، أكد أن هذه الأزمة قد تُضعف قدرة "إسرائيل" على شن أي عمليات عسكرية مستقبلية، وخصوصًا إذا فشلت المفاوضات الجارية مع حماس، ما قد يؤدي إلى اندلاع جولة جديدة من المواجهات في غزة، في وقت يعاني فيه الجيش من تآكل قدراته البشرية.
حملات التجنيد الإلكترونية... هل تنجح في إنقاذ الموقف؟
أمام هذا التراجع الحاد، لجأ جيش الاحتلال إلى وسائل غير تقليدية لتعويض النقص في أعداد المجندين، حيث بدأ في استخدام منصات التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك، لنشر إعلانات التجنيد، وخصوصًا في الوحدات العاملة في غزة ولبنان، كما حاول الجيش تقديم حوافز مالية لجذب المتطوعين، في محاولة يائسة لاستقطاب الشباب الإسرائيلي للخدمة العسكرية.
لكن هذه الاستراتيجيات لم تؤتِ ثمارها كما كان متوقعًا، فالانخفاض الحاد في أعداد المجندين لا يرتبط فقط بعدم توافر الحوافز، بل يعود إلى تحول أعمق في وعي الإسرائيليين أنفسهم تجاه الجيش والخدمة العسكرية، حتى مع الإغراءات المالية، يبدو أن الشباب الإسرائيلي أصبح أقل استعدادًا للمخاطرة بحياته في سبيل حرب مستمرة لا تبدو لها نهاية واضحة.
تآكل الروح القتالية... أزمة وجودية للجيش الصهيوني
يبدو أن جيش الاحتلال يواجه أزمة بنيوية لا يمكن إصلاحها بسهولة، حيث باتت الرغبة في الانضمام إليه تتلاشى بشكل متسارع، لم تعد الخدمة العسكرية في "إسرائيل" امتيازًا أو مصدر فخر كما كانت في السابق، بل أصبحت عبئًا يهرب منه الكثيرون.
هذا التراجع يعكس تآكل الروح القتالية لدى الإسرائيليين، وهو ما يؤكد عمق أزمة التجنيد التي لن تُحل بمجرد إطلاق حملات دعائية أو تقديم مكافآت مالية، بل إن المشكلة تتجاوز الأرقام والإحصاءات لتصل إلى مستوى الأزمة الوجودية التي تهدد فعالية الجيش الإسرائيلي على المدى الطويل.
انعكاسات الأزمة على مستقبل "إسرائيل" العسكري
أحد أكبر المخاطر التي تواجه "إسرائيل" اليوم هو أن استمرار أزمة التجنيد قد يؤدي إلى ضعف كبير في قدرة الجيش على إدارة العمليات العسكرية، وخصوصًا في حال اندلاع حرب واسعة النطاق على عدة جبهات، مثل غزة ولبنان والضفة الغربية.
في حال استمر عزوف الشباب الإسرائيلي عن التجنيد، فقد يجد الجيش نفسه مضطرًا إلى تقليص عملياته أو حتى التراجع عن بعض الجبهات، وهو سيناريو لم يكن يُتصور حدوثه قبل سنوات، بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي انخفاض أعداد المجندين إلى زيادة الاعتماد على التكنولوجيا والطائرات المسيرة كبديل للقوات البشرية، لكن هذا لن يكون كافيًا لسد الفجوة المتزايدة في القدرات القتالية.
هل الكيان الصهيوني أمام تحول استراتيجي؟
تعكس أزمة التجنيد الحالية تحولات جوهرية في بنية المجتمع الإسرائيلي، حيث بدأت عقيدة "الدولة المحاربة" تفقد بريقها، وأصبحت الأولويات الاقتصادية والاجتماعية تطغى على النزعة العسكرية التي كانت تهيمن على الفكر الإسرائيلي لعقود، الأسئلة المطروحة الآن هي هل يمكن للجيش الإسرائيلي الاستمرار بالاعتماد على قوات قليلة العدد في ظل هذه الأزمة؟ وهل يؤدي تراجع الروح القتالية إلى تغيير في الاستراتيجية العسكرية لـ"إسرائيل"؟
في ظل هذه المعطيات، يبدو أن "إسرائيل" تواجه تحديًا غير مسبوق قد يُعيد رسم خريطة القوة العسكرية في المنطقة، وبينما تحاول القيادة العسكرية الإسرائيلية التقليل من حجم الأزمة، فإن الحقائق على الأرض تشير إلى أن جيش الاحتلال لم يعد كما كان، وأن زمن الهيمنة العسكرية المطلقة قد يكون قد بدأ في التلاشي.
تأثير الأزمة على الردع الإسرائيلي
إن التراجع الواضح في رغبة الإسرائيليين بالالتحاق بالخدمة العسكرية لا يمثل فقط أزمة داخلية، بل يؤثر بشكل مباشر على سياسة الردع التي طالما اعتمدت عليها "إسرائيل"، جيش الاحتلال كان يدعي أنه قوة لا تُقهر في المنطقة، إلا أن أزمة التجنيد تكشف عن ضعف داخلي يُضعف هذه الصورة ويمنح خصوم "إسرائيل" فرصة لاستغلال الوضع الراهن.
حركات المقاومة، سواء في غزة أو لبنان أو حتى اليمن، تدرك جيدًا أن تراجع الروح القتالية وتآكل قدرات الجيش البشرية يعزز من قدرتها على الضغط والمناورة، في الوقت الذي كانت "إسرائيل" تعتمد فيه على استدعاء الاحتياط كقوة ضاربة إضافية عند اشتداد المواجهات، فإن هذه الورقة أصبحت اليوم أقل فعالية بسبب عزوف الجنود عن الاستجابة لنداءات التعبئة.
التأثير يمتد أيضًا إلى قدرة "إسرائيل" على إدارة عدة جبهات في وقت واحد، إذا اندلعت مواجهة واسعة النطاق في غزة، فإن ذلك قد يدفع الجيش إلى تقليص قدراته على الجبهات الأخرى، مثل لبنان أو حتى الضفة الغربية، ما يمنح خصومها ميزة استراتيجية لا يُستهان بها.
أزمة الثقة بين الجيش والمجتمع الإسرائيلي
أزمة التجنيد في جيش الاحتلال ليست مجرد نتيجة لرفض الخدمة العسكرية، بل تُعد مؤشرًا على أزمة ثقة أعمق بين المجتمع الإسرائيلي والمؤسسة العسكرية، لفترة طويلة، كان الجيش يُعتبر عمود ما تسمى الدولة الرئيسي، لكن تغير أولويات المجتمع، وزيادة التوترات الداخلية، وارتفاع عدد الخسائر في الحروب التي لا تحقق نتائج ملموسة، أدت إلى زعزعة هذه العلاقة.
التقارير الأخيرة عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتجنيد، مثل فيسبوك، والإعلانات التي تعكس يأس الجيش من إيجاد مجندين، تُظهر أن هذه المؤسسة العسكرية لم تعد تملك الجاذبية التي كانت تتمتع بها سابقًا، بل إن استخدام عبارات ساخرة في بعض الإعلانات، مثل الحاجة إلى شخص لتشغيل محمصة خبز، يعكس حالة من الإحباط العميق داخل الجيش نفسه، كل ذلك يطرح تساؤلات حول مدى قدرة الجيش الإسرائيلي على الاستمرار بوظيفته الأساسية كمؤسسة أمنية في ظل هذه التحولات، وإذا استمرت هذه الأزمة دون حلول جذرية، فإنها قد تؤدي إلى انهيار النموذج التقليدي للجيش الإسرائيلي، الذي يعتمد على تجنيد واسع وإدارة عمليات عسكرية مكثفة في أكثر من جبهة.
في الختام ، أزمة التجنيد الحالية ليست مجرد ظاهرة مؤقتة يمكن تجاوزها بحملات دعائية أو حوافز مالية، إنها انعكاس لتحولات أعمق في المجتمع الإسرائيلي، حيث أصبح الاستعداد للتضحية في سبيل الدولة محل تساؤل كبير، في ظل هذه الظروف، يبدو أن جيش الاحتلال أمام خيارين: إما إيجاد حلول جذرية لإعادة بناء ثقافة الخدمة العسكرية، أو مواجهة تداعيات قد تكون كارثية على قدراته الاستراتيجية، وبينما تحاول القيادة الإسرائيلية التعتيم على حجم الأزمة، فإن الواقع يفرض نفسه بوضوح، "إسرائيل" تواجه تحديًا غير مسبوق قد يُعيد تشكيل خريطتها العسكرية والسياسية في المنطقة.