الوقت- في خطوة تعكس حجم المأزق السياسي والأخلاقي الذي يعيشه الكيان الإسرائيلي، وجه الأسرى الإسرائيليون الذين أفرجت عنهم "كتائب القسام" من قطاع غزة رسالة شديدة اللهجة إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يطالبونه فيها بتنفيذ صفقة تبادل الأسرى دون مماطلة أو تسويف، الرسالة التي وقع عليها 56 أسيرًا سابقًا لم تأتِ من فراغ، بل تعكس إدراكًا متزايدًا بأن تعنت نتنياهو وعدم وفائه بالتزاماته يهدد حياة العشرات من الأسرى الذين ما زالوا في قبضة المقاومة الفلسطينية.
الأسرى في مواجهة نتنياهو: صرخة استغاثة
"نفذها دون مماطلة أو تأخير، كل دقيقة في غزة هي جحيم لمن لا يزالون محتجزين هناك"بهذه الكلمات الموجزة والمؤثرة، عبر الأسرى عن غضبهم من مماطلة حكومة الكيان الإسرائيلي في تنفيذ المرحلة الثانية من صفقة التبادل، لقد بات واضحًا أن نتنياهو يستخدم ملف الأسرى كورقة سياسية لخدمة أجندته الشخصية، بدلاً من السعي الجاد لإنقاذ حياة المحتجزين.
إن التأخير المتعمد في تنفيذ الصفقة، رغم الاتفاق الذي تم التوصل إليه بوساطة مصرية وقطرية، يؤكد أن نتنياهو يضع مصالحه السياسية فوق حياة مواطنيه، فهو يعلم أن أي تقدم في ملف التبادل سيُنظر إليه على أنه انتصار للمقاومة الفلسطينية، وهو أمر لا يخدم صورته السياسية بين أوساط اليمين المتطرف الذي يعتمد عليه في بقائه في السلطة.
القسام تكشف الحقيقة: الأسرى ليسوا أولوية لدى حكومتهم
نشرت "كتائب القسام"، الجناح العسكري لحركة حماس، مقطعًا مصورًا للأسير الإسرائيلي المحتجز متان أنجرست، وهو يناشد رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بقبول الصفقة، ويؤكد أن الطريق الوحيد لعودتهم هو من خلال الالتزام بالاتفاقات المبرمة، اللافت أن أنجرست توجه في تسجيله إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في محاولة يائسة للضغط على نتنياهو، الذي يصر على عرقلة أي تقدم في هذا الملف.
في المقابل، يواصل جيش الاحتلال استعداداته لاستئناف الحرب على غزة، بناءً على تعليمات مباشرة من القيادة السياسية، هذا التوجه يؤكد أن نتنياهو يفضل استمرار العمليات العسكرية على الدخول في تسوية حقيقية، ما يجعل الأسرى الحاليين رهائن لسياسات رجل مستعد للمغامرة بمصيرهم من أجل بقائه السياسي.
نتنياهو يقتل الأسرى ببطء
منذ بداية الحرب، لم يُخفِ نتنياهو رغبته في القضاء على المقاومة الفلسطينية بأي ثمن، حتى لو كان ذلك على حساب حياة الأسرى الإسرائيليين أنفسهم، فحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن التقديرات تشير إلى أن 22 أسيرًا من أصل 24 لا يزالون أحياء، بينما قُتل 35 آخرون، هذه الأرقام تكشف أن حكومة الكيان الإسرائيلي، رغم علمها بمصير هؤلاء الأسرى، لم تتحرك بجدية لضمان عودتهم، بل على العكس، استمرت في التصعيد العسكري، ما عرض حياتهم للخطر.
إن المسؤول الأول عن مقتل الأسرى الإسرائيليين ليس المقاومة الفلسطينية، بل حكومة الكيان الإسرائيلي التي تركتهم يواجهون مصيرهم المحتوم، فبينما تتمسك حماس بالتنفيذ الكامل لشروط الصفقة، ترفض حكومة الاحتلال الالتزام بمرحلة الانسحاب ووقف العدوان، ما يؤدي إلى استمرار المعاناة وتعريض المحتجزين للمزيد من المخاطر.
التظاهرات الإسرائيلية: غضب داخلي يهدد حكومة نتنياهو
في الأشهر الأخيرة، تصاعدت الاحتجاجات في الشارع الإسرائيلي، حيث خرج آلاف المتظاهرين مطالبين بإتمام صفقة الأسرى، متهمين الحكومة بالمماطلة والتلاعب بمصير ذويهم، عائلات الأسرى المحتجزين في غزة نظمت عدة مسيرات أمام مقر الكنيست، ورفعت شعارات مثل "أعيدوا أبناءنا الآن" و"نتنياهو يقتل أسرانا".
تاريخيًا، شهد الكيان الإسرائيلي عدة احتجاجات مماثلة عند تعنت حكوماته في التعامل مع ملف الأسرى، ففي عام 2011، اضطر رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو نفسه للموافقة على صفقة "وفاء الأحرار" التي تم بموجبها إطلاق سراح الجندي جلعاد شاليط بعد خمس سنوات من الأسر، مقابل الإفراج عن أكثر من ألف أسير فلسطيني، ولكن يبدو أن نتنياهو اليوم، مع ازدياد الضغوط السياسية، يراوغ بدلًا من إيجاد حل حقيقي.
سجل الكيان الإسرائيلي الأسود في التخلي عن الأسرى
لدى الكيان الإسرائيلي تاريخ طويل من التخلي عن جنوده الأسرى عندما تتعارض قضيتهم مع مصالحه السياسية، في حرب لبنان 1982، تركت حكومة الاحتلال بعض جنودها في الأسر لسنوات قبل أن تضطر إلى إجراء تبادل غير متكافئ مع حزب الله عام 2008، كما كشفت وثائق عديدة أن الكيان الإسرائيلي يرفض في بعض الأحيان استعادة جثث جنوده، مفضلاً إبقاء القضية طي النسيان لتجنب تقديم تنازلات سياسية.
هذا التاريخ يثير قلق عائلات الأسرى الحاليين، الذين يدركون أن حكومتهم قد تكرر السيناريو نفسه، ما يجعل حياة أبنائهم في خطر حقيقي، من الواضح أن نتنياهو، الذي يواجه ضغوطًا داخلية وخارجية، يفضل اللعب على الوقت بدلاً من تقديم حلول، حتى لو كان ذلك يعني ترك الأسرى يواجهون مصيرًا مجهولًا.
نتنياهو... عدو الأسرى الإسرائيليين
أصبح واضحًا أن بنيامين نتنياهو لا يولي أي أهمية حقيقية لحياة الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة، بل يستخدمهم كورقة سياسية للمساومة وكأداة للبقاء في الحكم، إن سياسة المماطلة التي ينتهجها لا تعني سوى شيء واحد: موت الأسرى ببطء تحت وطأة التعنت السياسي.
لقد حان الوقت لكي يواجه المجتمع الإسرائيلي حقيقة أن زعيمه ليس فقط فشل في حمايتهم، بل هو من يقتلهم بقراراته المتعمدة، فكل يوم يمر دون تنفيذ الصفقة، هو بمثابة حكم بالإعدام على من تبقى من المحتجزين، في وقت لا تزال آلة الحرب الصهيونية تواصل حصد الأرواح بلا تمييز، سواء داخل السجون أو في ساحات المعركة.
إن تأخير نتنياهو لصفقة التبادل هو جريمة مكتملة الأركان، يتحمل مسؤوليتها أمام الأسرى، وعائلاتهم، والتاريخ، فهل سيدرك المجتمع الإسرائيلي ذلك قبل فوات الأوان؟