الوقت- بعد معارضة المجتمع الدولي لخطة ترامب لتهجير سكان غزة، سحبت الدول العربية سيوفها في وجه هذه الخطة الاحتلالية، وقدمت مبادرة جديدة لإعادة إعمار غزة من خلال عقد اجتماع استثنائي للجامعة العربية.
وأعلن القادة العرب في الاجتماع الذي عقد في القاهرة الثلاثاء دعمهم للخطة التي اقترحتها مصر لإعادة إعمار غزة، وحسب التقارير المنشورة فإن الخطة تتكون من ثلاث مراحل، تستغرق في المجمل خمس سنوات.
المرحلة الأولى (ستة أشهر): ستقوم لجنة من التكنوقراط الفلسطينيين تحت إدارة السلطة الفلسطينية بإزالة الأنقاض من شارع صلاح الدين والطريق السريع الشمالي الجنوبي في غزة.
المرحلة الثانية: بناء 200 ألف وحدة سكنية مؤقتة لإيواء 1.2 مليون شخص وإعادة بناء 60 ألف مبنى متضرر.
المرحلة الثالثة: إعادة بناء 400 ألف منزل دائم، وإعادة بناء ميناء غزة ومطارها الدولي، وتحسين البنية التحتية الحيوية بما في ذلك المياه والصرف الصحي والاتصالات والكهرباء.
وفيما يتعلق بمزيد من تفاصيل المبادرة المصرية، أكد رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى، في تصريح للصحفيين حول كيفية تمويل الخطة البالغة قيمتها 53 مليار دولار، أن إدارة إعادة الإعمار ستوكل إلى جهة مستقلة تحت إشراف دولي، وسيتم أيضًا إيداع كل الموارد المالية في صندوق دولي، ربما يديره البنك الدولي، لضمان الشفافية في توفير الموارد المالية وإنفاقها.
وفي إشارته إلى التحدي الكبير المتمثل في تأمين الموارد المالية، أعلن عن خطط لعقد مؤتمرات دولية لجذب المساعدات المالية اللازمة لإعادة إعمار غزة وتنميتها على المدى الطويل.
مقاومة الدول العربية لبلطجة ترامب
وتتماشى الخطة العربية الخاصة بغزة مع خطط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي كان يعتزم نقل سكان غزة إلى الأردن ومصر تحت ذريعة إعادة الإعمار.
وفي هذا الصدد، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في البيان الختامي للاجتماع، أن هذه الخطة قدمت كبديل للخطط الأمريكية مثل خطة ترامب الأخيرة للتطهير العرقي في غزة.
وأكد أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية أن اجتماع القاهرة كان له هدفان رئيسيان، أولاهما المعارضة الجماعية للدول العربية لأي محاولة لتهجير الفلسطينيين من غزة بالقوة، وثانيهما تقديم حلول عملية وواقعية بدلا من المقترحات المتعلقة بإخلاء غزة.
ومن النقاط الأساسية في الخطة العربية لغزة أن يتفق العرب جميعا على أن إعادة إعمار غزة ممكنة بوجود مليوني فلسطيني، وأنه لا توجد حاجة إلى ترحيلهم إلى مصر والأردن، لكن قرارات الجامعة العربية لم ترق للولايات المتحدة، حيث قال المتحدث باسم الأمن القومي الأمريكي رداً على خطة الدول العربية لإعادة إعمار غزة: "هذه الخطة لا تعالج حقيقة أن غزة غير صالحة للسكن وأن سكان غزة لا يستطيعون العيش بشكل إنساني في منطقة مليئة بالأنقاض والذخائر غير المنفجرة". وعلى النقيض من الولايات المتحدة، فإن وجهة النظر العربية هي أن خطة إعادة إعمار غزة يمكن تنفيذها على عدة مراحل، منطقة تلو الأخرى، دون أي تحديات.
وأظهر إقرار الخطة المصرية أن كل العرب أدركوا الأبعاد الخطيرة والأحادية لخطة ترامب، ويعلم العرب أن هجرة سكان غزة تعني قطع طريق عودتهم إلى وطنهم عمليا، ولكن إذا بقوا في غزة فإن كل شيء سينتهي قريبا، وربما يساعد سكان غزة أنفسهم أيضاً في عملية البناء، وسيكون ذلك فعالاً أيضاً في خفض التكاليف.
وعادة ما يجب أن تكون المساعدات الخارجية بما يرضي الطرف المتلقي لها، ولهذا السبب فإن بناء الوحدات السكنية والبنية التحتية في غزة يجب أن يكون وفقاً لرغبات وتطلعات سكان هذا القطاع أيضاً، والقادة العرب أيضاً يدركون هذه المسألة.
قرار عربي بأموال عربية
ورغم وضوح بيان جامعة الدول العربية بشأن إعادة إعمار غزة، إلا أنه يشوبه بعض الغموض أيضاً، بما في ذلك من أين سيأتي المبلغ المخصص لإعادة الإعمار والذي يبلغ 53 مليار دولار، ومن المؤكد أن الولايات المتحدة و"إسرائيل" لن تقدما أي مساعدة في هذا الصدد، وأن الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان لن تقدم إلا الحد الأدنى من المساعدة. ولذلك، وكما أعلن أبو الغيط، فإن الخطة المصرية أصبحت الآن معترفاً بها كخطة عربية رسمية، وتحظى بدعم كامل من كل الدول العربية، وبالتالي فإن العرب أنفسهم يجب أن يتولوا تنفيذ هذه العملية أيضاً.
وقد أثبتت التجربة أن مجرد عقد هذه الاجتماعات دون تنفيذ الالتزامات المالية والدبلوماسية لن يكون له تأثير كبير على تحسين الوضع، ولذلك يجب على الدول العربية توفير آلية عملية وشفافة لتنفيذ التزاماتها المالية وممارسة المزيد من الضغوط على النظام المحتل لرفع الحصار عن غزة، لأنه إذا استمر الحصار فإن إعادة إعمار غزة ستكون صعبة للغاية.
53 مليار دولار ليس مبلغاً كبيراً بالنسبة للعرب، وخاصة لأمراء الخليج الأثرياء على مدى خمس سنوات، ويمكنهم بسهولة جمع هذا المبلغ، ومن غير الضروري أن نقول إن ترامب، رغم ادعائه أنه يريد إعادة بناء غزة، إلا أنه في الواقع أراد تغطية تكاليف هذا البناء من جيوب العرب، ولذلك فإن الدول العربية مضطرة للمشاركة في إعادة إعمار غزة في الحالتين، وكان من الأفضل أن تتحمل عبء إعادة الإعمار وحدها، ولا تترك ترامب يدعي نجاح هذا المشروع باسمه.
في حادثة أوكرانيا، أظهر ترامب أنه غير مستعد لإنفاق دولار واحد من جيوب الأمريكيين على الآخرين، ولو أنه أكمل إعادة إعمار غزة بأموال البترودولارات العربية، لكان قد امتلك غزة فعليا دون أي تكلفة، وعلى هذا الأساس، فإذا قام العرب بمفردهم بإعادة إعمار غزة، فإنهم بذلك منعوا تسليم هذا القطاع للولايات المتحدة، ومن خلال إبقاء الفلسطينيين في أرضهم فإنهم بذلك أحبطوا الخطة العبرية الغربية لتوسيع الاحتلال.
التخريب بحجة طرد حماس
إن الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، اللذان يعتبران وجود حماس في غزة عقبة خطيرة أمام تنفيذ مخططاتهما الشريرة، لا يرغبان بأي حال من الأحوال في إشراك هذه الحركة في الهياكل الأمنية والسياسية في غزة، ورغم أن العرب أدرجوا حماس بشكل غير مباشر في خطتهم كجزء من إعادة الإعمار والمستقبل السياسي في غزة، فإن واشنطن وتل أبيب غاضبتان من هذه القضية.
وزعم المتحدث باسم الأمن القومي الأمريكي في هذا الصدد: "أن دونالد ترامب أكد بوضوح أن حماس لا يمكن أن تستمر في حكم غزة"، كما هاجمت "إسرائيل" بشدة نتائج القمة العربية، زاعمة أن البيان تجاهل "الحقائق الجديدة بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول" ولم يتضمن أي إدانة ضد حماس.
خلال المرحلة الأولى من تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، توصلت الولايات المتحدة و"إسرائيل" إلى استنتاج مفاده بأنه من غير الممكن إبعاد حماس عن إدارة غزة في المستقبل وأن السبيل الوحيد الممكن هو هجرة سكان القطاع بالكامل، وبالتالي فإن عدم رغبة الدول العربية في تحمل التحدي الكبير المتمثل في إبعاد حماس عن غزة كشرط مسبق لمرحلة إعادة الإعمار هو عكس خطط ترامب وتل أبيب عمليًا.
ويمكن فهم هذا التحدي بشكل أفضل عندما ننظر إلى الموقف المتناقض لقادة واشنطن وتل أبيب في التعامل مع قضية وجود حماس، حيث إن الكيان الصهيوني والولايات المتحدة أثناء الحرب والمجازر التي ارتكبت بحق كل أهل غزة اعتبروا حتى العاملين في المجال الطبي وقوات الإغاثة التابعة للصليب الأحمر والأطفال والنساء أعضاء في حماس، أما الآن فهم يعتقدون أن قوات حماس يمكن تمييزها عن بقية المواطنين.
لقد أثبتت تجربة حروب المقاومة مع الكيان المحتل أن غزة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمقاومة، وحسب اعترافات المسؤولين الصهاينة فإن حماس ليست حركة سياسية وعسكرية فحسب، بل هي أبعد من ذلك أيديولوجية ترسخت بين الفلسطينيين ولا يمكن تدميرها بسهولة.
كما أظهر الاستقبال الواسع الذي حظي به مقاتلو القسام من قبل سكان غزة خلال صفقة تبادل الأسرى، أن المقاومة تحظى بشعبية كبيرة بين الفلسطينيين، ولذلك فإن الإصرار الأمريكي والصهيوني مستحيل، ولا يمكن فصل حماس عن البنية السياسية والأمنية في غزة.
إرسال قوات دولية.. حماية للسلام أم مزعزع له؟
وردا على المطالب الطموحة للولايات المتحدة والنظام الصهيوني، وضعت جامعة الدول العربية أيضا تدابير لمنع ترامب ونتنياهو من تقديم الأعذار، ولهذا السبب، دعت جامعة الدول العربية مجلس الأمن الدولي إلى نشر قوات دولية لحفظ السلام في الضفة الغربية وغزة.
لكن وجود قوات أجنبية في غزة بحجة توفير الأمن يعد قضية حساسة يعارضها قادة حماس بشدة. ورغم ترحيب حماس بخطة الجامعة العربية، إلا أنها قالت إنها تعارض بشدة أي وجود لقوات أجنبية في قطاع غزة أو إدارة غير فلسطينية للقطاع. ولذلك، ففي هذه الحالة أيضاً، إذا كان لابد من عمل شيء لمصلحة الفلسطينيين، فمن الأفضل أن تتمركز قوات عربية في غزة، ولو مؤقتاً، لمنع أي ذريعة من تل أبيب والبيت الأبيض.
إن موافقة جامعة الدول العربية على الخطة المصرية دليل على وحدة الدول العربية في دعم الحقوق الفلسطينية ومعارضة أي تهجير قسري لشعب غزة، وتعتبر هذه الخطوة محاولة لمواجهة مخططات خارجية قد تؤدي إلى تغيير التركيبة السكانية وهوية الفلسطينيين.