الوقت- لطالما كانت الزيارات الدبلوماسية، وخاصة في منطقة غرب آسيا، انعكاساً للجهود الرامية إلى تعزيز العلاقات الثنائية ومعالجة القضايا الإقليمية المعقدة، وفي هذا الصدد، تعتبر زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الأحد، إلى العراق، واحدة من أهم الخطوات لإيجاد التوازن في العلاقات بين البلدين وبحث التحديات الإقليمية.
وتأتي زيارة وزير الخارجية التركي للعراق في ظل سياقات محلية وإقليمية معقدة للغاية، وتتصدر قضية حزب العمال الكردستاني اهتمامات الجانب التركي في كل حوار، فيما تعتبر قضية المياه أولوية بالنسبة للعراق.
وفي هذا الصدد، أكد وكيل وزير الخارجية العراقي هشام علوي أن زيارة حقان فيدان إلى بغداد تأتي في إطار متابعة القضايا الثنائية ذات الأولوية للبلدين وتفعيل مذكرات التفاهم، وخاصة في مجالات الأمن والمياه والاقتصاد ومسار التنمية، والطاقة والطرق، كما تمت إعادة تشغيل خط أنابيب تصدير النفط.
التركيز على القضايا الأمنية: من قضية حزب العمال الكردستاني إلى قضية "داعش"
وكان التعاون الأمني أحد المجالات الرئيسية للمفاوضات بين البلدين، تحاول تركيا الحصول على دعم بغداد للقيام بعمل عسكري ضد قوات حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، وفي هذا الصدد، أكد فيدان، خلال لقاء مع مسؤولين عراقيين كبار، استعداد أنقرة لتوسيع التعاون الأمني لتحييد قدرات حزب العمال الكردستاني.
وتعتقد تركيا أن الاتفاق الأمني بين البلدين، الذي تم توقيعه في وقت سابق من العام الجاري، يسمح للقوات التركية بالتغلغل في الأراضي العراقية لملاحقة مسلحي حزب العمال الكردستاني، وتتهم أنقرة أيضاً بعض المجموعات العراقية ضمن قوات الحشد الشعبي بالتعاون مع حزب العمال الكردستاني في مهاجمة القواعد العسكرية للجيش التركي في شمال العراق، لكن الحكومة العراقية رفضت هذا التفسير واتهمت القوات التركية بالاحتلال لأن بغداد أعلنت حزب العمال الكردستاني ليس جماعة إرهابية بل "منظمة محظورة".
يسعى الجانب التركي إلى الحصول على الشرعية الدولية لوجوده العسكري في شمال العراق ولقد قام ببناء العديد من القواعد العسكرية بصورة غير قانونية في هذه المناطق بعد إقناع بغداد بتصنيف حزب العمال الكردستاني كجماعة إرهابية.
وفي هذا الصدد، لم تكن بغداد هي الوجهة الوحيدة لفيدان للمفاوضات، بل التقى أيضاً مسؤولين من إقليم كردستان العراق في أربيل، وبحث إلى جانب المفاوضات الاقتصادية القضايا الأمنية، والأسبوع الماضي، استضاف مسعود بارزاني، مظلوم عبدي، زعيم قوات حماية الشعب الكردية السورية، للتوسط في حل القضايا والخلافات بين دمشق والأكراد السوريين، ويبدو أن تركيا، وسط المعارضة الغربية لمهاجمة الأكراد بالقرب من نهر الفرات، تأمل في استخدام هذا الدور لإجبار حزب العمال الكردستاني على الانسحاب من سوريا.
وفي هذا الصدد، هناك أيضًا حركة ضعيفة داخل حزب العمال الكردستاني، لأنه في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2024، رفض عبد الله أوجلان، الأب الروحي لحزب العمال الكردستاني، والذي قضى سنوات طويلة في السجن، اقتراح زعيم الحزب القومي التركي دولت أوجلان، وبدأ بهجلي المفاوضات مع الحكومة بنزع سلاح حزب العمال الكردستاني، على الرغم من رفض جميل، القائد العسكري لحزب العمال الكردستاني في جبال قنديل، هذا الاقتراح.
من ناحية أخرى، تأتي جولة تركيا في إطار التنافس الإقليمي على توسيع النفوذ، ومن خلال دعم الشرعية الدولية للنظام السوري الجديد وحضور دمشق الأكثر نشاطا في التطورات الإقليمية، تسعى تركيا إلى تعزيز موقفها ضد المنافسين الإقليميين لأن سوريا الجديدة تعتبر معقلا للنفوذ التركي بعد الإطاحة بالأسد.
وفي الوقت نفسه، يشعر العراق أيضاً بالقلق إزاء عواقب التغييرات المحتملة في سوريا وأثرها على أمنه واستقراره الداخلي، ولذلك، حملت هذه الرحلة رسالة مطمئنة لتبديد شكوك بغداد، ويقال إن الأتراك حملوا معهم إلى بغداد مقترحا لتشكيل تحالف أمني يتكون من العراق وتركيا وسوريا وقطر.
الاقتصاد: من النفط والغاز إلى مشروع الطريق التنموي الاستراتيجي
وكانت العلاقات الاقتصادية أيضًا محورًا رئيسيًا لهذه الرحلة، مع ارتفاع حجم التجارة بين البلدين إلى نحو 20 مليار دولار بحلول نهاية عام 2024، يسعى العراق وتركيا إلى تطوير علاقاتهما الاقتصادية، ومن بين المشاريع المهمة مشروع "طريق التنمية" الذي يسعى إلى إنشاء ممر بري وسككي قصير بطول 1200 كيلومتر من البصرة إلى الحدود التركية، سعياً إلى ربط بري بين دول الخليج الفارسي وأوروبا عبر العراق وتركيا.
وأكد هاكان فيدان خلال هذه الزيارة عزم بلاده مواصلة دعم مشروع تطوير الطرق، وتؤكد تركيا أيضاً على أهمية إعادة إعمار الموصل وتوسيع حضور الشركات التركية في هذه المشاريع، وفي الـ 22 من أبريل/نيسان من العام الماضي، زار الرئيس التركي أردوغان بغداد، ومع زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى أنقرة، تم توقيع اتفاقية إطار الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وهي خارطة طريق لشراكة اقتصادية شاملة.
النفط مقابل الماء
وبقدر ما يتمتع العراق بموارد نفطية وفيرة، تعمل تركيا على إعادة فتح خط أنابيب نفط كركوك إلى ميناء جيهان، في مواجهة نقص المياه في السنوات الأخيرة في العراق، والذي يعد أحد الأسباب المهمة وراء سياسة تركيا في بناء السدود العشوائية على ضفتيه، دجلة والفرات، ما وضع يد بغداد تحت سيطرة أنقرة.
وفي مارس/آذار 2023، حكمت غرفة التجارة الدولية لمصلحة بغداد في شكوى العراق ضد تركيا، وحُكم على تركيا بدفع غرامة قدرها 1.5 مليار دولار لبيعها بشكل غير قانوني 450 ألف برميل يوميًا من النفط من إقليم كردستان العراق دون إذن من بغداد.
توجه مؤخراً وفد برئاسة حيان عبد الغني السواد نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة وزير النفط العراقي إلى تركيا لمناقشة قضايا الطاقة مع حكومة أنقرة، وفي وقت سابق، في أبريل/نيسان 2024، وقع الجانبان اتفاقية مياه مدتها عشر سنوات لتقليل النزاعات على المياه.
وتعكس هذه التطورات الجهود المتواصلة التي يبذلها الجانبان لحل القضايا المتعلقة بالموارد الطبيعية وتعزيز التعاون الاقتصادي، على الرغم من أن احتمالات التوصل إلى حل جذري للخلافات في مجالات الأمن والقضايا الإقليمية لا تزال غير واضحة.