الوقت- مع سقوط حكومة الأسد في سوريا، انتقلت السلطة إلى أيدي المعارضة في البلاد، المكونة من هيئة تحرير الشام الإسلامية المتطرفة والقوات المدعومة من تركيا والمعروفة باسم الجيش الحر.
ورغم أن هذا الحدث يُنظر إليه باعتباره انتصاراً عظيماً لتركيا، بل يذهب البعض إلى أبعد من ذلك ويصفه بأنه تغيير في التوازن في المنطقة، فإن هذه القضية قد تجلب أيضاً تحديات لتركيا.
وتخضع حالياً أجزاء مختلفة من سوريا للاحتلال من قبل الولايات المتحدة وتركيا والكيان الصهيوني، من ناحية أخرى، تحاول قوات سوريا الديمقراطية أو قسد في شمال البلاد الحفاظ على المناطق التي تسيطر عليها، بما في ذلك عين العرب (كوباني)، وقامشلو، والحسكة، حتى تتمكن في المستقبل من إعلانها منطقة تتمتع بالحكم الذاتي كما هو الحال في كردستان العراق.
احتمال نشوب صراعات داخلية بين مجموعات المعارضة السورية السابقة التي كان هدفها المشترك الوحيد هو الإطاحة بحكومة الأسد، احتلال المناطق الغنية بالنفط في سوريا من قبل الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية الكردية، واحتلال جزء آخر من الأراضي السورية من قبل النظام الصهيوني، والقلق الذي تشعر به الدول العربية من الهيمنة التركية على سوريا، هو أحد الأمور التي ستجعل الأمور صعبة على أنقرة في سوريا.
وللتغلب على هذه المشاكل، وضعت السلطات في أنقرة إجراءين على جدول الأعمال:
تضييق مجال اللعب أمام قوات سوريا الديمقراطية: منذ الأيام الأولى لتغيير النظام في سوريا، ذهب المسؤولون السياسيون والأمنيون والعسكريون الأتراك إلى سوريا، وفي حين دعموا العملية الجديدة في سوريا والحكومة في السلطة، فقد دعموا أيضًا قوات سوريا الديمقراطية، وأثارت مسألة الضغط على القوى الديمقراطية، حيث تسعى سوريا إلى إقناع دمشق بنزع سلاح هذه القوى أو دمجها في الجيش السوري الجديد.
وفي هذا الصدد أكد أحمد الشرع أن الأكراد جزء لا يتجزأ من سوريا، وأن البلاد لن تكون مقسمة، كما أنها تتفاوض مع وحدات حماية الشعب لحل الأزمة في شمال شرق سوريا وانضمام المجموعة إلى القوات المسلحة السورية.
قال مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، الثلاثاء، في إشارة إلى لقائه مع أحمد الشرع والنقاشات حول مستقبل هذه القوات: إننا توصلنا إلى اتفاق بشأن دمج قوات سوريا الديمقراطية مع الجيش السوري، لكن المناقشات لا تزال مستمرة حول آلية ذلك.
وبالتوازي مع هذه التحركات السياسية، يخوض الجيش الحر، الذي يعتبر الذراع العسكري لتركيا في سوريا، صراعاً مع قوات سوريا الديمقراطية في مناطق مختلفة من شمال سوريا، ويحاول إخراجها من المزيد من المناطق.
كما تسبب النهج الأمريكي تجاه سوريا في عهد ترامب في إثارة قلق متزايد بين الأكراد، لأن اعتقاد ترامب السابق كان أن القوات الأمريكية يجب أن تنسحب من سوريا، ولكنها لم تتخذ بعد موقفاً جديداً بصدد ذلك.
ومن ناحية أخرى، بادرت الحكومة التركية الحاكمة، بموازاة هذه الإجراءات في الخارج، إلى إجراء مفاوضات كردية تركية داخل تركيا أيضاً، وتجري هذه المفاوضات مع زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون (عبد الله أوجلان) في سجن إيمرالي ومن خلال حزب المساواة والديمقراطية للشعب الكردي (DEM) وهذا يسمح لأنقرة بعزل أو إضعاف حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب داخل البلاد.
وقد أدت مجموعة العوامل المذكورة أعلاه إلى دفع أنقرة إلى ممارسة ضغوط متزايدة على القوات العسكرية الكردية بطرق مختلفة، بحيث يتم نزع سلاحها أو دمجها في الجيش السوري، وهو ما من شأنه، إذا تحقق، أن يحل واحدة من أهم القضايا الأمنية التي تواجه تركيا خارج حدودها.
الحوار مع الدول العربية لطمأنتها: فور تغيير النظام في سوريا تحركت الدول العربية وعقدت اجتماعا لجيران سوريا واجتماعا لداعمي سوريا في ميناء العقبة في الأردن وأيضا في الرياض في المملكة العربية السعودية، وتعتبر الإمارات والسعودية ومصر الأكثر قلقاً بشأن هذا الوضع الجديد.
كما شاركت تركيا في الاجتماعات المتعلقة بسوريا على مستوى وزراء الخارجية وبكل جدية، بالإضافة إلى ذلك، كان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الذي كان رئيساً لجهاز الاستخبارات في البلاد ويعتبر الآن المسؤول عن الملف السوري في تركيا، يسافر إلى الدول العربية واحدة تلو الأخرى لطمأنتها بشأن الوجود التركي في سوريا.
وتستند لقاءات فيدان المستمرة مع مسؤولين من الإمارات والعراق والمملكة العربية السعودية إلى هذه السياسة، وخاصة أن وزير الخارجية التركي صرح مراراً وتكراراً أن بلاده لا تسعى للهيمنة على سوريا، ويدعو إلى مشاركة كل التيارات الداخلية في الحكومة السورية الجديدة وكل الدول المجاورة والداعمة خارج حدود سوريا من أجل نجاح الحكومة الجديدة في البلاد.
ويبقى أن نرى مدى نجاح سياسة تركيا ذات الركيزتين تجاه سوريا، وخاصة أن نتائج هذه السياسة سيكون لها آثار مهمة وعميقة على الاقتصاد والسياسة والمجتمع التركي.