الوقت - تشهد الساحة السياسية الإسرائيلية توترات حادة تهدد استقرار حكومة بنيامين نتنياهو، وذلك على خلفية الخلاف حول قانون التجنيد الإجباري لليهود المتدينين (الحريديم).
ففي تطور لافت، هدد رئيس حزب "شاس" الديني أرييه درعي بالانسحاب من الحكومة والدعوة إلى انتخابات مبكرة إذا لم يتم حل الأزمة خلال شهرين، هذا التصريح يسلط الضوء على هشاشة الائتلاف الحاكم الذي يعتمد بشكل أساسي على دعم الأحزاب الدينية المتشددة.
درعي أكد في مقابلة إذاعية أن نتنياهو وحلفاءه في الائتلاف ملتزمون بإيجاد حل يضمن إعفاء طلاب المدارس الدينية من الخدمة العسكرية، وهي قضية تثير جدلاً واسعاً في "إسرائيل" بين الأحزاب الدينية والعلمانية. وأضاف: إن حزبه لن يتنازل عن هذه المسألة، ما يضع نتنياهو أمام اختبار حاسم في الأسابيع القادمة.
الائتلاف الحاكم، الذي يضم 68 مقعدًا في الكنيست، بحاجة إلى 61 مقعدًا فقط للبقاء في السلطة، إلا أن حزبي "شاس" و"يهدوت هتوراه"، اللذين يملكان معًا 18 مقعدًا، قد يشكلان عامل الحسم في إسقاط الحكومة إذا قررا الانسحاب، هذا السيناريو سيؤدي إلى تفكك الائتلاف والذهاب إلى انتخابات مبكرة، وهو ما يحاول نتنياهو تجنبه في ظل الأوضاع الأمنية والسياسية المعقدة.
في المقابل، هناك معارضة قوية داخل الحكومة لفكرة إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، وزير المالية وزعيم حزب "الصهيونية الدينية"، بتسلئيل سموتريتش، أكد أن الجيش بحاجة إلى جميع المواطنين، بمن فيهم الحريديم، وأنه لا يمكن الاستمرار في منح إعفاءات جماعية، موقف سموتريتش يعكس الانقسامات داخل اليمين الإسرائيلي، حيث يرى البعض أن استمرار استثناء الحريديم من الخدمة العسكرية يهدد مبدأ المساواة ويفاقم الخلافات الداخلية.
المحكمة العليا الإسرائيلية أصدرت في يونيو/حزيران الماضي قرارًا يُلزم الحكومة بتجنيد الجميع، بمن فيهم المتدينون، ومنع تقديم مساعدات مالية للمعاهد الدينية التي يرفض طلابها الالتحاق بالخدمة العسكرية، ومع ذلك، تحاول الحكومة تمرير قانون يضمن استثناء الحريديم، ما أثار غضب المعارضة التي تطلق على هذا المشروع اسم "قانون التهرب".
الأحزاب المعارضة ترى في هذه الخطوة تكريسًا للتمييز، حيث يطالبون بمساواة جميع المواطنين في واجب الخدمة العسكرية، وخاصة في ظل التحديات الأمنية التي تواجهها "إسرائيل"، هذه الضغوط دفعت نتنياهو إلى محاولة التوفيق بين مطالب الحريديم من جهة، وبين الضغوط الداخلية والخارجية من جهة أخرى.
في الشارع، اشتعلت الأزمة بمظاهرات نظمها الحريديم رفضًا لقانون التجنيد، حيث أغلق مئات المتظاهرين شوارع القدس ورددوا هتافات ضد الشرطة الإسرائيلية، وصلت إلى حد وصفهم بـ"النازيين"، قوات الأمن تدخلت لتفريق المحتجين باستخدام خراطيم المياه والهراوات، ما أدى إلى وقوع إصابات واعتقالات في صفوف المتظاهرين، هذه المواجهات تؤكد أن القضية تجاوزت الإطار السياسي ووصلت إلى صراع مجتمعي بين المتدينين والعلمانيين.
نتنياهو في سباق مع الزمن
أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي خياران أحلاهما مر: إما تمرير قانون يعفي الحريديم من التجنيد، ما قد يؤدي إلى غضب المعارضة والمجتمع العلماني، أو الإصرار على تطبيق قرار المحكمة، وهو ما قد يفقده دعم الأحزاب الدينية ويدفع حكومته نحو الانهيار.
الكنيست أمام مهلة حتى نهاية مارس/آذار المقبل لإقرار الميزانية العامة، وإذا لم يتم تمريرها، فإن الحكومة ستسقط تلقائيًا وسيتم الدعوة إلى انتخابات جديدة، في ظل هذه المعادلة، يبدو أن نتنياهو يسير على حبل مشدود، محاولًا الحفاظ على توازن دقيق بين شركائه في الحكومة والمتطلبات القانونية والسياسية.
الأزمة الحالية لا تهدد فقط استقرار الحكومة، بل تعكس انقسامًا عميقًا داخل المجتمع الإسرائيلي حول هوية الدولة ومستقبل العلاقة بين الدين والدولة. الأحزاب الدينية ترى في إعفاء الحريديم من التجنيد حقًا مكتسبًا للحفاظ على نسيجها الديني، بينما تعتبره المعارضة تمييزًا غير مبرر يهدد وحدة المجتمع.
الأيام القادمة ستكون حاسمة في تحديد مصير حكومة نتنياهو، فإما أن ينجح في التوصل إلى تسوية تحفظ ماء الوجه لجميع الأطراف، أو أن يجد نفسه مضطرًا لخوض انتخابات مبكرة قد تغير موازين القوى داخل المشهد السياسي الإسرائيلي.