الوقت- انتهت أطول وأوسع حرب في تاريخ الكيان الصهيوني بقبول اتفاق وقف إطلاق النار مع غزة.
الآن، ومع انتهاء الحرب في الأراضي المحتلة، من المتوقع أن يتجه الاهتمام مرة أخرى إلى التحقيق في قضايا المسؤولين عن أحداث السابع من أكتوبر، كما قال الجنرال هرتسي هليفي في استقالته من منصبه، إن تصريحات رئيس هيئة الأركان المشتركة، والتي تحدث فيها عن قبول المسؤولية عن فشل السابع من أكتوبر، تظهر أنه بعد مرور 16 شهرًا، لا يزال الرأي العام ينتظر تحديد دور مختلف الأفراد والمؤسسات السياسية والأمنية والعسكرية والاستخباراتية في الفشل الكبير في السابع من أكتوبر.
ومن ناحية أخرى، وعلى الرغم من مرور أكثر من 15 شهراً على الحرب، فشلت الحكومة والجيش الصهيونيان في تحقيق الأهداف الرئيسية المعلنة والمخفية للحرب، وهي تدمير حماس، وإطلاق سراح أسرى الحرب، والتهجير الدائم للسكان، واحتلال الجزء الشمالي من غزة على الأقل بناءً على خطة الجنرالات لغزة.
لكن كثيرين قارنوا بين عواقب الهزيمة الأخيرة في غزة والوضع بعد الحرب التي استمرت 33 يوماً وعواقبها، ومن ناحية أخرى، كان من أهم نتائج حرب الـ33 يوماً تشكيل لجنة فينوغراد للتحقيق لتحديد العوامل التي أدت إلى الهزيمة في الحرب، وكان لهذه اللجنة آثار عميقة على السياسات الداخلية والعسكرية الإسرائيلية، والآن، في ضوء الحرب الأخيرة على غزة، يطرح السؤال حول ما إذا كانت هناك إمكانية لتشكيل لجنة تحقيق مماثلة، وخاصة أن الأوضاع الداخلية والعلاقات الخارجية للكيان الصهيوني أصبحت الآن أسوأ وأكثر خطورة مما كانت عليه في عام 2006.
ويتناول هذا التقرير العوامل التي يمكن أن تؤثر على قرار تشكيل مثل هذه اللجنة.
لماذا تم تشكيل لجنة فينوغراد؟
بعد حرب الـ33 يوماً، شكلت "إسرائيل" لجنة تحقيقية للتحقيق في أسباب الهزيمة أمام حزب الله.
وبعد استجواب سبعين شخصية سياسية وعسكرية إسرائيلية رفيعة المستوى، بما في ذلك رئيس الوزراء إيهود أولمرت، قدمت اللجنة تقريرها الأولي المكون من 15 صفحة إلى مجلس الوزراء الإسرائيلي في 30 مارس/آذار 2007.
وبناء على نتائج التحقيق الذي أجرته هذه اللجنة، تم تحديد إيهود أولمرت (رئيس الوزراء)، وعمير بيريتس (وزير الدفاع)، ودان حالوتس (رئيس أركان قوات الدفاع) باعتبارهم الأشخاص الرئيسيين المسؤولين عن الهزيمة العسكرية لحزب الله.
وحمّلت فينوغراد أولمرت مسؤولية اتخاذ قرارات خاطئة، واعترف بأن "إسرائيل" شنت الحرب على لبنان من دون أي إعداد أو خطة واضحة لها.
لكن عواقب هذه الهزيمة لم تقتصر على رئيس الوزراء، حيث اختفى حزبه (كاديما)، الذي فاز بالأغلبية في الكنيست عام 2006، تدريجيا من الساحة السياسية، كما اعترف وزير الدفاع بمسؤوليته وقدّم استقالته.
صورة حرب غزة في مرآة فينوغراد
إن معظم العوامل والسياقات والأسباب التي اجتمعت لخلق الحاجة إلى تشكيل لجنة تحقيق في حرب الـ33 يوماً في الأراضي المحتلة كانت واضحة أيضاً في الحرب الأخيرة في غزة، بل أكثر بروزا.
1- السخط العام والضغط السياسي
تشكل ردود الفعل العامة والسياسية تجاه طريقة إدارة الحروب أحد أهم العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى تشكيل لجنة تحقيق، وعلى مدى تاريخ الكيان الصهيوني، لعبت ردود الفعل الشعبية والسياسية على طريقة إدارة الحروب وتوضيح مسؤوليات السلطات في حالة الهزيمة دوراً مهماً في تشكيل لجان التحقيق.
بعد حرب لبنان الثانية والأداء الضعيف للجيش الإسرائيلي ضد حزب الله، زادت الانتقادات العامة والإعلامية بشكل حاد، ودعا العديد من الإسرائيليين والمسؤولين السياسيين إلى إجراء تحقيق في أسباب الفشل واعتماد الإصلاحات، وأدى الضغط العام والاحتجاجات الشعبية إلى إنشاء لجنة فينوغراد.
خلال حرب غزة عام 2021، أظهرت ردود الفعل الشعبية والإعلامية أن العديد من سكان الأراضي المحتلة كانوا غير راضين عن طريقة إدارة الحرب، والقرارات المتخذة بشأن الأهداف العسكرية، وعجز الكيان عن مواجهة هجمات حماس الصاروخية على المستوطنات الإسرائيلية، ولكن في النهاية لم يتم تشكيل لجنة التحقيق.
ولكن في حرب غزة الأخيرة، كان مستوى عدم الرضا عن أداء حكومة نتنياهو والجيش في الحرب أسوأ بكثير، في أعقاب حادثة الـ 7 من أكتوبر/تشرين الأول 2024، صدرت دعوات لتشكيل لجنة تحقيق في "إسرائيل"، وذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن عدة أعضاء في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) من أحزاب مختلفة طالبوا بتشكيل لجنة حكومية للتحقيق في الحادثة وتحديد الجناة المحتملين، وذكرت صحيفة تايمز أوف إسرائيل أن منظمات حقوق الإنسان وعائلات الضحايا انضمت أيضًا إلى هذه الدعوات، مؤكدة على ضرورة الشفافية والمساءلة.
بعد السابع من أكتوبر، وخلال فترة الحرب، كانت الأراضي المحتلة مسرحًا مستمرًا للاحتجاجات العامة واحتجاجات عائلات أسرى الحرب ضد الطريقة التي تمت بها إدارة الأزمة وعدم التزام الحكومة بإعادة أسرى الحرب، وبعد اتفاق وقف إطلاق النار، تزايدت هذه الانتقادات لأن مثل هذا الاتفاق كان من الممكن التوصل إليه قبل أشهر، وهذا على الرغم من فرض المزيد من الخسائر والتكاليف الاقتصادية على المجتمع الصهيوني، إلا أن مزاعم نتنياهو حول تدمير حماس والفوز بالحرب لم تتحقق، ومن الطبيعي أن يطالب الرأي العام بالمساءلة.
في المقابل، عارض بعض المسؤولين الحكوميين والعسكريين تشكيل مثل هذه اللجنة، معتبرين أن هذا الإجراء قد يؤدي إلى إضعاف الروح المعنوية لقوات الأمن، ومع ذلك، لا تزال الضغوط العامة والسياسية لإجراء تحقيق مستقل مستمرة.
2- المشاكل والنواقص في إدارة العمليات
إن فحص أداء المسؤولين العسكريين والحكوميين أثناء أوقات الأزمات وتحديد الإخفاقات المحتملة في عملية صنع القرار العسكري يمكن أن يكون حافزًا لتشكيل لجنة تحقيق.
كان أحد الأسباب الرئيسية لتشكيل لجنة فينوغراد بعد حرب لبنان الثانية هو تحديد المشاكل الخطيرة في طريقة تخطيط العمليات العسكرية وتنسيقها وتنفيذها، وأكد تقرير اللجنة وجود نقاط ضعف كبيرة في عملية اتخاذ القرار وطريقة إدارة الحرب على المستويين السياسي والعسكري، وخاصة في مجال التخطيط الاستراتيجي وجاهزية القوات والاستخدام المناسب للقوة العسكرية.
وأكدت الفقرة 20 من التقرير أن الجيش الإسرائيلي، بسبب الضعف في اتخاذ القرارات على مختلف مستويات إدارة الحرب والأداء الضعيف للقائد الأعلى والقوات البرية، لم يتمكن من تقديم رد عسكري فعال على التحدي الذي واجهه، لقد خلقت "إسرائيل" لنفسها فشلاً ذريعاً في حرب لبنان، ونتيجة لذلك لم تتمكن من تحقيق نجاح عسكري.
والآن نرى نفس الأحداث والتقديرات التي تتحدث عنها وسائل الإعلام والخبراء الصهاينة بشأن نتائج حرب غزة، في حرب غزة الأخيرة، بالإضافة إلى الخلافات الأولية الخطيرة داخل الحكومة الائتلافية، أولاً بين غانتس ونتنياهو بشأن المفاوضات والإفراج عن الأسرى، ثم الخلافات بين نتنياهو وغالانت بشأن الدخول في حرب لبنان وقبول انسحاب القوات الإسرائيلية من منطقة الحدود الجنوبية لقطاع غزة ثمناً لوقف إطلاق النار قبل أشهر من الاتفاق الأخير، فضلاً عن الخلافات بين القادة العسكريين والقادة السياسيين، التي تصدرت عناوين الأخبار عدة مرات.
وأكد غالبية الخبراء والقادة العسكريين الإسرائيليين أن السبب الرئيسي في إرباك الجيش الصهيوني في قطاع غزة هو الأهداف الغامضة وغير الواقعية التي حددها بنيامين نتنياهو لهذه الحرب، ما أجبر الجيش على الدخول في حرب استنزاف دون رؤية واضحة.
وأثبتت نتائج اتفاق وقف إطلاق النار في نهاية المطاف أن الجيش الصهيوني فشل بشكل كامل في تحقيق أهداف العملية العسكرية في غزة، وأنه هُزم بسبب إدارة المقاومة لساحة المعركة، ولم يفشل في تدمير حماس فحسب، بل وافق نتنياهو على التفاوض والتوصل إلى اتفاق معها، وبقبول الانسحاب الكامل من غزة، سيتم تبادل الأسرى الصهاينة بعدد كبير من الأسرى الفلسطينيين.
3- الفشل المتكرر للاستراتيجية العسكرية للكيان في الحرب
كان أحد أهداف تشكيل لجنة فينوغراد البحثية هو التحقيق في أسباب فشل استراتيجيات الحرب واقتراح الحلول، وفي هذا الصدد، وصفت اللجنة القادة العسكريين بأنهم مصابون بالوهم في اعتبار التفوق الجوي الإسرائيلي حاسماً في الحرب، وتحدثت عن الحاجة إلى إنهاء الاعتماد على القوة الجوية في استراتيجية الحرب المستقبلية.
وقد برزت نفس القضية وقضايا أخرى تتعلق بفشل استراتيجيات القتال لدى الجيش في حرب غزة الأخيرة، وخاصة حقيقة أن الجيش فشل فشلاً ذريعاً في تحديد البنية التحتية العسكرية لحماس وتدميرها، بما في ذلك شبكة الأنفاق المعقدة، ورد مقاتلو حماس بالهجوم في كل مرة يزعم الجيش أنه طهر المناطق الشمالية من غزة، ومن نفس المنطقة ينفذ عمليات صاروخية ناجحة ضد المستوطنات ويدمر الدبابات.