الوقت- حسب وسائل الإعلام العبرية، فإن "إسرائيل" تحتل المزيد والمزيد من الأراضي السورية دون أي هدف استراتيجي واضح ودون أفق طويل المدى، والأهم من ذلك، دون إعلام المجتمع الإسرائيلي، ولقد نشر موقع News One الإعلامي مذكرة تنتقد بشدة طريقة تفاعل الهيكل الحاكم في "إسرائيل" مع التطورات الأخيرة في سوريا.
وحسب المذكرة، فإن الحجم الكبير للتقارير الواردة من سوريا، والتي لا يأتي أي منها من مصادر إعلامية إسرائيلية، يجب أن يثير قدرًا كبيرًا من القلق لدى الجمهور الإسرائيلي ويجعله على دراية بمغامرات حكومة نتنياهو على الجبهة الشمالية التي تم الحفاظ عليها في حالة تأهب.
وحسب كاتب هذه المذكرة فإن هذا الإجراء لا يشكل فقط انتهاكاً متعمداً لاتفاق وقف إطلاق النار من خلال التقدم البري داخل الأراضي السورية، بل أيضاً محاولة غامضة لتعميق احتلال المدن والقرى السورية وإنشاء نقاط استيطان في الريف وخلف المناطق غير المتجددة في الشرق الأقصى لسوريا.
ولف الكاتب إلى أن الإجراءات التي اتخذت من خلال نشر صور مثيرة للاشمئزاز لنتنياهو وكاتس على ارتفاع 2800 متر فوق سطح البحر مع تلك السترات الواقية من الرصاص الغريبة، لكن من الواضح أن "إسرائيل" غير قادرة على حماية هذه المناطق في ظل البرد القارس الذي تعيشه هذه المناطق، هذا على الرغم من أن القوى البشرية المستخدمة في هذه المناطق كان من الممكن استخدامها في مناطق أكثر أهمية مثل لبنان وغزة ويهودا والسامرة (الضفة الغربية)، ولا يخفى على أحد أن هذا التقدم في سوريا ليس له أي جدوى، ولن يؤثر على وجه "إسرائيل" (المهتز) في العالم أيضاً.
واضاف الكاتب إن هذه المعطيات كلها دليل آخر على أننا بدلا من التحرك نحو السلام أو النظام الإقليمي، نتجه نحو الحروب الدائمة والاحتلال المستمر للأراضي على جميع الجبهات، وهو ما لا يتماشى إلا مع مصالح بنيامين نتنياهو، الرجل الذي يطلق على نفسه اسم السلطان ويسميها الأمن، لكن مطالبته انهارت بعد الـ 7 من أكتوبر وما زال يكافح من أجل استعادتها.
إن التقارير التي نشرت في الأيام القليلة الماضية بشأن تقدم الجيش الإسرائيلي في المزيد من المدن السورية يجب أن تهمنا جميعا، لا يهم إذا كان أطفالنا أو إخوتنا أو أصدقاؤنا موجودين في هذه الأجزاء من الجولان أو أننا بدأنا بالصلاة فقط، ومن أجل انتهاء هذه الحرب وعودة الأسرى، يجب أن نصلي من أجل إصلاح البنية التحتية التي دمرها الجيش الإسرائيلي.
وفي النهاية، يؤكد الكاتب أن المزيد والمزيد من أجزاء سوريا من أرض وسكان وبنية تحتية تقع تحت الحكم الإسرائيلي، لكن من دون أن يكون لدينا هدف استراتيجي واضح، ومن دون رسم أفق بعيد المدى له، والأهم من ذلك أن المجتمع الإسرائيلي لا يعرف على الإطلاق ما يحدث في أقصى الشمال والشرق، وهذا ليس مجرد خطأ بل صرخة من المحتمل أن تثيرها أجيال مختلفة.
فرصة "إسرائيل" وقلقها من سوريا
بعد سقوط النظام السوري وسيطرة هيئة تحرير الشام على مقاليد الحكم في دمشق، شعرت "إسرائيل" بأن في ذلك أهم تعويض لها عما جرى لمكانتها في أثناء حرب طوفان الأقصى، واعتبرت أن سقوط النظام وصَمْت المدافع في لبنان وفّر لها فرصة تاريخية ليس فقط لاحتلال مناطق حيوية في سوريا، ولا تدمير كل قدرات سوريا الإستراتيجية، وإنما لا يقل أهمية في نظرها عن سقوط محور المقاومة وطوق النار الإيراني. ورأت في ذلك رفعا كبيرا لمكانتها الإستراتيجية في المنطقة، حيث صارت لاعبا مهما في السياسة الداخلية السورية ضمن توازنات ليست إقليمية وحسب، وإنما كلاعب في تحالف الأقليات الذي عملت على مدى عقود، دون نجاح، لبلورته.
وضمن هذه الرؤية اندفعت، في مخالفة صريحة لاتفاق فصل القوات الأممي المبرم منذ عام 1974، لاحتلال، ليس فقط جبل الشيخ السوري الإستراتيجي، وإنما احتلت كذلك شريطا عازلا بطول 80 كيلو مترا وعرض يصل إلى 20 كيلو مترا في بعض المقاطع.
ومن المؤكد أن الشريط الذي يمتد من هضبة الجولان إلى ريف درعا قرب الحدود الأردنية يضم عشرات القرى ويحوي مئات آلاف السكان، وإذا كان الحكم الجديد في دمشق منشغلا حتى الآن بترتيبات الاستقرار الداخلي فإن الحياة تحت حكم الاحتلال تخلق واقعا جديدا في نظر المواطنين السوريين هناك الذين باتوا على صدام مباشر مع القوات الإسرائيلية، وهذا ما حذر منه قادة إسرائيليون طالبوا بعدم الاستخفاف بالروح الوطنية السورية وعدم الركون إلى الهدوء القائم حاليا، وبالفعل بدأت في الأسبوع الأخير تظاهرات لمواطنين سوريين احتجاجا على احتلال الجيش لأراضيهم ومطالبته لهم بتسليم ما لديهم من أسلحة شخصية، وتتزايد التقديرات بأنها مسألة وقت قبل أن يتغير الواقع في المناطق المحتلة هذه من الهدوء إلى المقاومة.
وأيا يكن الحال، ثمة في "إسرائيل" من يحذرون من فتح جبهة جديدة ضد القوات الإسرائيلية قريبا في الأراضي السورية المحتلة، وبين هؤلاء طبعا ساسة وعسكريون يرون النّهَم اليميني نحو إدامة الحرب وعدم التطلع نحو تحقيق السلام في أي اتجاه، صحيح أنه حتى الآن ليست هناك مشاهد مقاومة عنيفة ولكن بوادر هذه المقاومة لن يطول غيابها وبعض القرى السورية رفضت جمع السلاح وتسليمه رغم إنذارات الجيش الإسرائيلي المتكررة لهم بتسليمه خلال 48 ساعة والتهديد باقتحام هذه القرى.