الوقت - في خطوة متوقعة، أعلنت "إسرائيل" أن جزءًا من المعتقلين الفلسطينيين الذين سيتم الإفراج عنهم ضمن صفقة التبادل ووقف إطلاق النار، سيتم إبعادهم إلى خارج البلاد، بزعم تقليل المخاطر الأمنية.
هذا القرار أثار جدلاً واسعًا، ليس فقط بين الأوساط السياسية الفلسطينية، بل أيضًا داخل "إسرائيل"، حيث يسعى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى تحقيق توازن بين تنفيذ الصفقة واسترضاء الداخل الإسرائيلي.
تستند السياسة الإسرائيلية في إبعاد الأسرى الفلسطينيين إلى عدة اعتبارات، أولها الاعتبارات الأمنية التي تبررها تل أبيب بأن هؤلاء المعتقلين يشكلون تهديدًا مستقبليًا إذا ما أُعيدوا إلى الضفة الغربية، وقد صرح نتنياهو بأن "القتلة"، في إشارة إلى المعتقلين الفلسطينيين المتهمين بالقتل أو التسبب في مقتل إسرائيليين، لن يعودوا إلى الضفة بل سيتم إبعادهم إلى غزة أو خارج البلاد.
القائمة التي نشرتها وزارة العدل الإسرائيلية تضم 735 معتقلًا فلسطينيًا، سيتم الإفراج عنهم ضمن الصفقة، وتشير إلى أن أكثر من 180 منهم سيتم إبعادهم، ومع أن الاتفاق لم يحدد الوجهات التي سيتم نقل هؤلاء المعتقلين إليها، إلا أن تقارير إعلامية إسرائيلية تحدثت عن دول أخرى ستستقبلهم.
الاعتبارات الأمنية
تسعى "إسرائيل" إلى تقليل احتمالية عودة الأسرى إلى ممارسة أنشطة معادية، وخاصة أن العديد من الأسرى المحررين في صفقات سابقة عادوا للانخراط في المقاومة ضد "إسرائيل"، حيث تعتبر "إسرائيل" أن الإبعاد وسيلة لمنع هؤلاء الأفراد من إعادة تنظيم أنفسهم ضمن الحركات الفلسطينية المسلحة.
إضعاف البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية
يهدف الإبعاد إلى تفكيك شبكات المقاومة الفلسطينية عبر عزل قياداتها عن البيئة المحلية، الأسرى المحررون غالبًا ما يكون لهم تأثير كبير في تحريك المشهد السياسي والعسكري الفلسطيني، وبالتالي فإن إخراجهم من الأراضي الفلسطينية يقلل من تأثيرهم المباشر.
تقليل الحاضنة الشعبية للمقاومة
تسعى "إسرائيل" من خلال الإبعاد إلى تفتيت الروابط الاجتماعية والسياسية للأسرى، ما قد يؤدي إلى تراجع الدعم الشعبي لهم وللحركات التي ينتمون إليها، كما أن فصلهم عن عائلاتهم ومجتمعهم يُنظر إليه كأداة ضغط نفسي قد تحدّ من تأثيرهم المستقبلي.
إرضاء الشارع الإسرائيلي والعائلات المتضررة
تواجه الحكومة الإسرائيلية ضغوطًا داخلية من قبل العائلات الإسرائيلية التي فقدت أقاربها جراء العمليات التي نُسبت إلى بعض الأسرى، بالتالي، فإن الإبعاد يشكل وسيلة لامتصاص غضب الشارع الإسرائيلي عبر التأكيد على أن هؤلاء لن يكونوا قادرين على العودة إلى النشاطات التي شكلت تهديدًا في السابق.
يستخدم نتنياهو وحكومته سياسة الإبعاد كأداة سياسية لتعزيز موقفهم أمام الرأي العام الإسرائيلي، وكنوع من الاستجابة لمطالب الأحزاب اليمينية المتطرفة التي ترفض الإفراج عن الأسرى دون إجراءات صارمة تحدّ من عودتهم للنشاط المقاوم.
لم يكن هذا النهج الإسرائيلي جديدًا، فقد سبق أن لجأت "إسرائيل" إلى سياسة الإبعاد في صفقات تبادل سابقة، أبرزها صفقة "وفاء الأحرار" عام 2011، حيث تم إبعاد العشرات إلى غزة أو إلى دول أخرى، ويؤكد محللون أن هذه السياسة تهدف إلى تفكيك أي بنية تنظيمية قد يشكلها الأسرى المحررون في حال عودتهم إلى بيئتهم الأصلية.
من بين الأسماء البارزة التي سيتم الإفراج عنها:
نائل البرغوثي: عميد الأسرى الفلسطينيين، الذي قضى أكثر من 45 عامًا في السجون الإسرائيلية.
عثمان بلال: أحد قادة كتائب "القسام"، الذي أمضى أكثر من 31 عامًا في الأسر.
بلال غانم: منفذ عملية إطلاق النار في القدس عام 2015.
عبد الناصر عيسى: قيادي في حركة "حماس"، قبع في السجون لأكثر من 30 عامًا.
خالدة جرار وزكريا الزبيدي: شخصيات فلسطينية معروفة، إلا أنهما لن يتم إبعادهما.
تثير هذه الأسماء قلق "إسرائيل"، حيث تخشى أن يؤثر هؤلاء الأسرى المحررون على الواقع السياسي والأمني في الضفة الغربية وقطاع غزة، ما دفعها إلى تبني سياسة الإبعاد.
ردود الفعل الفلسطينية والدولية
من الجانب الفلسطيني، اعتبرت هيئة شؤون الأسرى أن الإبعاد يأتي في إطار تقويض دور الأسرى المحررين في النضال الوطني، وقال رئيس الهيئة قدورة فارس إن "السلطات الإسرائيلية قلقة من الدور الذي يمكن أن يلعبه الأسرى المحررون، لذلك تحرص على إبعادهم للتنغيص عليهم وعلى عائلاتهم".
أما على المستوى الدولي، فلم يصدر رد فعل قوي حتى الآن، إلا أن بعض التقارير الإعلامية تشير إلى أن بعض الدول العربية والغربية قد تكون مستعدة لاستقبال بعض الأسرى المبعدين، في إطار التفاهمات السياسية غير المعلنة.
الصفقة الحالية تُعيد ترتيب الأوراق على الساحة الفلسطينية، حيث يمكن أن تساهم في تعزيز قوة "حماس" على حساب السلطة الفلسطينية، وخاصة إذا تم الإفراج عن شخصيات قيادية مثل مروان البرغوثي وأحمد سعدات في المرحلة الثانية، هذا التطور قد يزيد من تعقيد المشهد الفلسطيني الداخلي، في ظل استمرار الانقسام بين الضفة وغزة.
من جهة أخرى، تسعى "إسرائيل" إلى استخدام الصفقة لتحقيق مكاسب داخلية، إذ تهدف إلى استرضاء الشارع الإسرائيلي الذي يضغط من أجل استعادة المحتجزين الإسرائيليين، لكن هذا القرار قد يفتح الباب أمام انتقادات واسعة، وخاصة أن بعض الأوساط الأمنية ترى أن إبعاد الأسرى قد لا يكون كافيًا لمنع عودتهم للنشاط، وخاصة في ظل إمكانية التنسيق مع الخارج.
بينما تستمر عملية التبادل على مراحل، يظل قرار "إسرائيل" بإبعاد الأسرى الفلسطينيين محل جدل واسع، سواء على المستوى الفلسطيني أو داخل "إسرائيل" نفسها، ورغم أن هذه السياسة قد تقلل من المخاطر الأمنية على المدى القصير، إلا أنها لا تضمن عدم عودة الأسرى المبعدين إلى ممارسة أدوارهم في المشهد السياسي والعسكري الفلسطيني، ما يجعل هذه القضية مرشحة للبقاء في صدارة الاهتمام السياسي والإعلامي خلال الفترة المقبلة.