الوقت- لم يلق وقف إطلاق النار في غزة ترحيبا من الفلسطينيين وأنصارهم الآخرين فحسب، بل إن العديد من الصهاينة في الأراضي المحتلة أيدوا أيضا إعلان وقف إطلاق النار في حرب غزة، في واقع الأمر، فإن العديد من سكان الأراضي المحتلة سئموا من استمرار الحرب في غزة، ويسعون إلى التوصل إلى اتفاق مع قوات حماس.
نشرت القناة 13 الإسرائيلية تقريرا إحصائيا عن نتائج استطلاع رأي في "إسرائيل" حول وقف إطلاق النار، وتشير نتائج هذا التقرير الإحصائي إلى أن 61.5% على الأقل من الإسرائيليين أيدوا اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، بينما عارض 23.9% فقط وقف إطلاق النار في حرب غزة.
كما دعا 58.8% من الإسرائيليين إلى تغييرات سياسية واسعة النطاق بعد وقف إطلاق النار وإجراء انتخابات جديدة، ويعتبر هذا التقرير أفضل دليل وحجة على أن الحرب في غزة فرضت تكاليف باهظة على المحتلين، إلى درجة أن العديد منهم يسعى الآن إلى وقف الحرب.
وذكر تقرير الجزيرة نقلا عن مصادر عبرية أن 88% من الإسرائيليين يريدون وقفا كاملا للحرب والتوصل إلى اتفاق مع حركة حماس لإنهاء الحرب وضمان أمنهم الشخصي، في هذه الأثناء، السؤال الرئيسي هو: لماذا سئم الإسرائيليون من الحرب في غزة؟
انخفاض مفاجئ في البيانات الاقتصادية
يكشف تقرير أصدره مركز الأبحاث الأمريكي "المجلس الأطلسي" حول تأثير حرب غزة على الاقتصاد الإسرائيلي، عن معطيات بالغة الأهمية حول الأزمة الاقتصادية التي تعيشها "إسرائيل" في نفس وقت الحرب على غزة:
انخفاض مفاجئ في الناتج المحلي الإجمالي: كان قطاع التكنولوجيا الفائقة في "إسرائيل"، بصادراته الواسعة، قادرًا على التأثير بشكل إيجابي على 32% من النمو الاقتصادي في "إسرائيل" بين عامي 2017 و2022 قبل حرب غزة.
وبلغ نمو الناتج الاقتصادي الإسرائيلي 6.5% في عام 2022، أي قبل عام من بدء الحرب على غزة، وكان صندوق النقد الدولي قد توقع معدل نمو اقتصادي يزيد على 9% في الأراضي المحتلة بحلول عام 2023، لقد قلبت الحرب في غزة كل الحسابات في "إسرائيل"، وانخفض النمو الاقتصادي للكيان إلى مستوى غير مسبوق بلغ 2%، أي أقل بنحو 7% من توقعات صندوق النقد الدولي.
اضطراب العرض والطلب: تسبب اندلاع الحرب في غزة في صدمة في العرض والطلب في "إسرائيل"، حيث انخفض النشاط الاقتصادي في الأراضي المحتلة بنسبة 21% وانخفض الاستثمار بنسبة 26%، كما توقف استغلال جزء كبير من الأراضي الزراعية للإنتاج الزراعي، ما أثر على إنتاج الغذاء في الأسواق بسبب نقصه، لدرجة أن قطاع الغذاء في "إسرائيل" سجل تضخماً مزدوج الرقم خلال حرب غزة.
توقف قطاع الإسكان: بالتزامن مع حرب غزة، توقف قطاع الإسكان في "إسرائيل" عمليًا وظل البناء راكدًا. يعتمد قطاع البناء في "إسرائيل" بشكل كبير على العمال الفلسطينيين، وعندما مُنع العمال الفلسطينيون من الضفة الغربية وغزة من دخول "إسرائيل"، توقف ربع قطاع البناء في "إسرائيل" فعليًا، حيث إن ربع عمال البناء في "إسرائيل"، هم من الفلسطينيين، وقد انخفضت القوى العاملة في قطاع البناء في "إسرائيل" بشكل كبير نتيجة لحرب غزة.
وتشير إحصائيات وكالة الأناضول إلى أن نحو 700 إلى 750 شركة إنشاءات وبنى تحتية أغلقت أبوابها العام الماضي تزامنا مع الحرب على غزة، وهو ما يزيد بنسبة 10% عن العام 2023.
إفلاس السياحة: أدت حرب غزة أيضاً إلى تدهور الوضع السياحي في الأراضي المحتلة، ما أدى إلى إغلاق 60 ألف شركة ومشروع صغير ومتوسط، ومع اندلاع حرب غزة، أوقفت معظم شركات الطيران العالمية رحلاتها من وإلى تل أبيب، وسجل قطاع السياحة الوافدة إلى "إسرائيل" انخفاضاً كبيراً في عام 2024 مقارنة بعام 2023، حيث انخفض بنسبة تزيد على 80%، وحسب بيانات مكتب الإحصاء الإسرائيلي، فإن السياحة الوافدة انخفضت إلى 885 ألف سائح ومسافر في أول 11 شهراً من عام 2024، بينما بلغ عدد الزائرين لـ"إسرائيل" في أول 11 شهراً من عام 2023 نحو 2.95 مليون سائح.
الإنفاق العسكري في "إسرائيل"
إن الحرب في غزة لم تؤد إلى التدهور الاقتصادي لـ"إسرائيل" فحسب، بل فرضت أيضاً تكاليف عسكرية باهظة على المحتلين، وحسب التقارير فإن العسكرة السريعة والإنفاق العسكري المتزايد في حرب غزة قد كلف الاقتصاد الإسرائيلي ما يقرب من 600 مليون دولار حتى قبل ستة أشهر.
ومن المرجح أن تتضاعف هذه التكلفة بحلول نهاية عام 2024، وهو ما يعادل نحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي لـ"إسرائيل"، ويقدر المجلس الأطلسي أنه تم استدعاء نحو 360 ألف جندي احتياطي خلال الحرب في غزة، ما يجعلها ثاني أكبر عملية استدعاء لجنود احتياطيين في تاريخ "إسرائيل"، ويمثل هذا العدد حوالي 4% من السكان و8% من القوة العاملة في "إسرائيل".
وبالإضافة إلى ذلك، أدى إخلاء السكان الإسرائيليين بالقرب من حدود غزة والضفة الغربية، وكذلك بالقرب من الحدود اللبنانية في الشمال، إلى إغلاق المدارس والشركات، وتشير بعض التقديرات إلى أن تكلفة الأفراد العسكريين الإسرائيليين تصل إلى 41 مليون دولار يوميا، وقد أدت هذه التكاليف المتزايدة، بدورها، إلى تقليص الخدمات العامة التي تقدمها "إسرائيل" لسكان الأراضي المحتلة، وأدت إلى عدم الرضا عن استمرار الحرب المكلفة في غزة.
وأدى الإنفاق العسكري المتزايد لـ"إسرائيل" إلى عجز في الميزانية بلغ 6,6%، وبدأت السلطات الصهيونية في رفع الضرائب، وقد أدت هذه الزيادة الضريبية في "إسرائيل"، والتي تزامنت مع حرب غزة، إلى تكثيف السخط العام.
تفاقم المشاكل النفسية في المجتمع الصهيوني
قبل أشهر قليلة أعلنت القناة 12 الإسرائيلية أن الصحة النفسية لنحو نصف الإسرائيليين تدهورت بعد الحرب في غزة، وبناء على ذلك، فقد ارتفع استخدام مضادات الاكتئاب بين الصهاينة بشكل ملحوظ في الفترة التي أعقبت بدء حرب غزة (من الـ 7 من أكتوبر/تشرين الأول حتى الآن).
وأعلنت مصادر عبرية مؤخراً أن تصاعد الاضطرابات النفسية والعقلية في المجتمع الصهيوني نتيجة حرب غزة وهجرة الأطباء النفسيين جعل الصهاينة يواجهون نقصاً حاداً في الأطباء المتخصصين في الاضطرابات النفسية والعقلية.
وذكرت صحيفة هآرتس أن النظام النفسي في الأراضي المحتلة يواجه خطر الانهيار، ما دفع العشرات من الأطباء النفسيين إلى مغادرة الأراضي المحتلة والتوجه إلى إنجلترا لتحقيق ظروف مستقرة والتمتع بالأمان في حياتهم.
وذكر التقرير أن هذه الهجرات تأتي في وقت تزايد فيه الطلب على الخدمات النفسية في الأراضي المحتلة نتيجة للحرب في غزة.
وأدت حرب غزة أيضًا إلى ظهور مشاكل نفسية بين العسكريين الصهيونيين، وأكد موقع "والا" الإخباري العبري مؤخرا أن 1600 جندي إسرائيلي يعانون من مشاكل عقلية ونفسية نتيجة الحرب في غزة، وذكر المصدر أن الجيش اضطر إلى إعادة 250 جندياً من غزة إلى الأراضي المحتلة وإنهاء خدمتهم بسبب إصابات نفسية وجسدية.
وأضافت والا أن نحو ألف من هؤلاء الجنود ما زالوا بحاجة إلى تلقي العلاج، وفي وقت سابق، كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية، أن أكثر من 2800 جندي إسرائيلي، منذ بدء معركة عاصفة الأقصى، دخلوا قسم التأهيل التابع لوزارة الحرب، ويتلقون العلاج، وتابعت الصحيفة إن 18% من الجنود الإسرائيليين المصابين يعانون من مشاكل نفسية.