الوقت - تسعى مصر إلى الحفاظ على توازنها في التعاطي مع الأزمة في سوريا، متخذة موقفًا يراوح بين الحذر والانفتاح المشروط، تأتي هذه السياسة في إطار الرؤية المصرية التي تركز على ضرورة الحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها الوطنية، مع التأكيد على تجنب تحولها إلى مصدر تهديد للاستقرار الإقليمي، يعكس هذا الموقف رغبة القاهرة في ضمان ألا تصبح الأراضي السورية ملاذًا للعناصر الإرهابية أو مرتعًا للجماعات المتطرفة.
وخلال لقاء جمع وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي بنظيره التركي هاكان فيدان في الرياض، أعادت مصر التأكيد على موقفها الداعم لوحدة الأراضي السورية وضرورة الدفع بعملية سياسية شاملة تضمن مشاركة جميع الأطياف السورية.
ويستند هذا الموقف إلى قرار مجلس الأمن 2254 الذي يدعو إلى عملية سياسية بملكية سورية، وفي السياق ذاته، شدد عبد العاطي على أهمية تكثيف الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب، مشيرًا إلى خطورة إيواء العناصر المتطرفة داخل سوريا.
فيما يبدو أن هذا الموقف يشكل امتدادًا لرؤية مصرية قائمة على رفض أي تهديد لعناصر الشرعية الإقليمية والدولية، ويعكس وصف وزير الخارجية المصري للإدارة السورية الجديدة بـ"سلطة الأمر الواقع" اعترافًا ضمنيًا بالوضع الانتقالي الذي تمر به سوريا، مع الحذر من أي اندماج محتمل بين السلطة السورية والتنظيمات الإسلامية المتشددة.
عقدة العلاقة مع التنظيمات المتطرفة
يشكل ارتباط الإدارة السورية الحالية بجماعات متطرفة مثل "هيئة تحرير الشام" عقبة رئيسية أمام تطبيع العلاقات المصرية-السورية، فمصر، التي تعتبر أولى الدول التي وجهت ضربات قاصمة لجماعة الإخوان المسلمين، لا ترغب في الانفتاح على نظام قد يُعطي شرعية ضمنية لتيارات الإسلام السياسي، وتزداد هذه الحساسيات تعقيدًا في ظل التباينات العقائدية بين النظامين المصري والسوري.
ورغم إشارات التطمين التي قدمتها الإدارة السورية الجديدة، تبقى القاهرة متشككة بشأن جدية هذه الوعود، فمصر تعتبر أن الخطاب الحالي للإدارة السورية لا يرقى إلى مستوى التغيير المطلوب، وخاصة فيما يتعلق بفك الارتباط مع التنظيمات المتطرفة، وترى القاهرة أن أي انفتاح على دمشق يتطلب إدخال تعديلات جوهرية على تركيبة النظام السوري، بما يشمل إشراك قوى سياسية متنوعة تمثل مختلف مكونات الشعب السوري.
وبينما تسارع بعض الدول الإقليمية إلى الانفتاح على دمشق، مثل تركيا وقطر، تفضل مصر البقاء في منطقة رمادية بانتظار مؤشرات ملموسة على تغير حقيقي في النهج السوري، فبالنسبة إلى القاهرة، أي تقارب مع دمشق يتطلب قطيعة واضحة بين الإدارة السورية والتنظيمات المتشددة، وفي الوقت ذاته، تتجنب مصر المواجهة العلنية مع النظام السوري، متمسكة بقنوات اتصال مفتوحة تتيح متابعة التطورات دون تقديم تنازلات سياسية.
تحديات وتداعيات محتملة
إن التحولات في المشهد السوري تحمل تداعيات معقدة على السياسة الخارجية المصرية، فإذا تمكنت دمشق من تعزيز قبضتها على السلطة مع الحفاظ على نهجها الإسلامي، فقد تضطر القاهرة إلى إعادة النظر في سياستها تجاه الإخوان المسلمين أو مراجعة حساباتها الإقليمية بشكل عام، وعلى النقيض، إذا نجحت دمشق في تقديم تنازلات ملموسة، فقد يفتح ذلك الباب أمام علاقات أكثر دفئًا بين البلدين.
في الختام يمكن القول، تعكس السياسة المصرية تجاه سوريا رؤية براغماتية تأخذ في الاعتبار تعقيدات المشهد الإقليمي وتشابكات المصالح، وبينما تظل القاهرة حذرة من التورط في انفتاح غير محسوب، تُبقي الباب مواربًا أمام فرص التعاون، شريطة أن تتبنى الإدارة السورية تغييرات جوهرية تؤكد جديتها في الانخراط ضمن نظام إقليمي يرفض التطرف والعنف.