الوقت- كشفت مصادر سورية عن تسريب مكالمات بين قادة تنظيم هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا) تفضح ممارسات التعذيب والإعدام الميداني التي تنتهجها هذه الجماعة الإرهابية في سوريا، وأفادت التقارير بأن مقاطع فيديو نُشرت مؤخرًا تُظهر عمليات إعدام، تعذيب وحرق منازل تحت ذرائع واهية، ما أثار غضبًا شعبيًا واسعًا داخل سوريا وعلى مستوى الرأي العام العالمي.
تُعدّ "هيئة تحرير الشام"، المعروفة سابقًا بـ"جبهة النصرة"، من أبرز الفصائل المسلحة في سوريا، وقد وُجّهت إليها اتهامات بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وجرائم حرب، تشمل هذه الانتهاكات عمليات إعدام ميدانية، تعذيب، اضطهاد للأقليات، وقمع للمعارضين.
الانتهاكات ضد الأقليات:
استهدفت "هيئة تحرير الشام" الأقليات الدينية والعرقية في سوريا بطرق متعددة، منها:
- استهداف المسيحيين: أفادت تقارير بأن الجماعة قامت بتهجير قسري للمسيحيين، وتدمير كنائس وأديرة تاريخية، ما أدى إلى تقليص الوجود المسيحي في بعض المناطق.
- اضطهاد الشيعة والعلويين والدروز: وثّق "المرصد السوري لحقوق الإنسان" إعدامات ميدانية واعتقالات تعسفية بحق أفراد من الطوائف الشيعية والعلوية والدرزية، ما أثار قلقًا دوليًا ودعوات للتدخل لحمايتهم.
قمع المعارضين:
تُتهم "هيئة تحرير الشام" بقمع الأصوات المعارضة لسياساتها داخل المناطق التي تسيطر عليها، من خلال:
- الاعتقالات التعسفية: اعتقال نشطاء وصحفيين ومدنيين يعبرون عن آرائهم المعارضة، واحتجازهم في ظروف قاسية.
- التعذيب: استخدام أساليب تعذيب وحشية لانتزاع الاعترافات أو لترهيب المعارضين، ما أدى إلى وفيات تحت التعذيب في بعض الحالات.
نظرًا لهذه الانتهاكات، صنّفت الولايات المتحدة ودول أخرى "هيئة تحرير الشام" كمنظمة إرهابية، وفرضت عقوبات على قادتها، في ديسمبر 2024، دعا المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسن، إلى "إنهاء سريع للعقوبات"، ما أثار جدلاً حول ما إذا كان ذلك يشمل الجماعات المصنفة كإرهابية مثل "هيئة تحرير الشام".
محاولات تغيير الصورة:
في محاولة لتغيير صورتها، سعى زعيم "هيئة تحرير الشام"، أبو محمد الجولاني، إلى تقديم نفسه كسياسي معارض بدلاً من قائد جهادي، في مقابلة مع "بي بي سي" في ديسمبر 2024، استخدم اسمه الحقيقي، أحمد الشرع، ونفى ارتكاب جماعته لأي جرائم تبرر تصنيفها كمنظمة إرهابية، كما دعا إلى رفع العقوبات الدولية، مؤكدًا أن سوريا لا تشكل تهديدًا للعالم.
على الرغم من هذه المحاولات لتغيير الصورة، تستمر التقارير في توثيق انتهاكات "هيئة تحرير الشام"، ففي ديسمبر 2024، أعلن الجولاني عن مكافآت مالية لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقال أو تصفية "كبار المتورطين بتعذيب الشعب السوري"، ما أثار تساؤلات حول نوايا الجماعة الحقيقية.
وفقًا للمصادر، فإن التسريبات الجديدة تتضمن مكالمات تُظهر وعي القادة الإرهابيين بعواقب نشر هذه المقاطع على منصات التواصل الاجتماعي، حيث يدركون أن هذه المشاهد ستشعل غضب الشعب السوري والمجتمع الدولي، ونتيجة لذلك، أصدر قادة التنظيم تعليمات صارمة لعناصرهم بعدم تصوير أو نشر أي عمليات إعدام أو تعذيب أو اعتقالات.
أشارت المصادر إلى أن العبارة الأكثر تكرارًا في التسريبات كانت: "التعذيب سرًا"، ما يكشف عن توجيهات مباشرة من القادة بضرورة تنفيذ هذه الجرائم بعيدًا عن الأنظار.
الأهداف من التسريبات
تظهر التسريبات أن ممارسات الإعدام والتعذيب ليست تصرفات فردية، بل هي استراتيجية معتمدة من قيادة التنظيم الإرهابي، وتهدف هذه الإجراءات إلى:
- إرهاب السكان المحليين: تهدف عمليات الإعدام والتعذيب إلى ترهيب السوريين وإخضاعهم لسيطرة التنظيم.
- قمع المعارضة الداخلية: تُستخدم أساليب العنف الممنهجة لإسكات أي أصوات معارضة أو منتقدة لسياسات التنظيم.
- تحقيق مكاسب سياسية وعسكرية: يتم استغلال هذه الممارسات لفرض هيمنة التنظيم في المناطق التي يسيطر عليها.
أثارت هذه التسريبات والمقاطع المصورة غضبًا شعبيًا كبيرًا داخل سوريا، حيث شهدت عدة مناطق احتجاجات منددة بممارسات التنظيم، وعبّر العديد من النشطاء السوريين عن استيائهم من غياب تحرك دولي حازم لمحاسبة هذه الجماعات على انتهاكاتها المستمرة.
دوليًا، لاقت التسريبات تنديدًا واسعًا من منظمات حقوق الإنسان، التي دعت إلى فتح تحقيق دولي مستقل في الجرائم التي ترتكبها هيئة تحرير الشام، واعتبرت هذه المنظمات أن هذه الممارسات ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
بالإضافة إلى ذلك، أشارت منظمات دولية إلى أن استهداف الأقليات يشكّل انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية التي تكفل حماية حقوق جميع المواطنين دون تمييز.
التداعيات المستقبلية
- على المستوى المحلي: من المتوقع أن تؤدي هذه التسريبات إلى تصاعد حالة الغضب الشعبي، ما قد يُضعف قبضة هيئة تحرير الشام على المناطق التي تسيطر عليها.
- على المستوى الدولي: قد تؤدي التسريبات إلى زيادة الضغط الدولي على الدول الداعمة للتنظيم، وإلى تحرك أكبر لمحاسبة مرتكبي الجرائم.
- داخل التنظيم: من المرجح أن تسبب هذه التسريبات حالة من التوتر والانقسامات الداخلية بين قادة التنظيم، وخاصة في ظل انعدام الثقة المتزايد بين الأفراد.
- تأثير طويل الأمد: قد تُساهم هذه التسريبات في تسليط الضوء على معاناة الأقليات، ما يُعزز الجهود المحلية والدولية لدعم هذه الفئات وضمان حقوقها.
مع انتشار هذه التسريبات، تتزايد الدعوات للتحرك الدولي لمحاسبة هيئة تحرير الشام، ويطالب الناشطون السوريون والمجتمع المدني بتفعيل آليات العدالة الدولية لتوثيق الجرائم وتقديم مرتكبيها إلى المحاكم.
من جهة أخرى، يدعو الحقوقيون إلى التركيز على حماية الأقليات وتعزيز حقوقهم، وخاصة في المناطق التي تتعرض لهجمات ممنهجة من قبل التنظيم، يُشدد هؤلاء على أهمية الضغط الدولي على الحكومات والمؤسسات لضمان حماية الفئات المستضعفة.
تعكس التسريبات الأخيرة مدى الوحشية والانتهاكات الممنهجة التي تمارسها هيئة تحرير الشام بحق الشعب السوري، وبالأخص الأقليات الدينية والعرقية التي تتعرض لجرائم بشعة تحت سمع وبصر العالم، وبينما يُعاني السوريون من هذه الجرائم، يبقى المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي لإثبات جديته في حماية حقوق الإنسان ومحاسبة مرتكبي الجرائم، تظل العدالة الدولية أملًا للسوريين، وللأقليات بشكل خاص، لوضع حد لهذا الفصل المأساوي من معاناتهم، وضمان مستقبل أكثر أمنًا وعدلًا لجميع سكان البلاد.