الوقت - شهدت العاصمة المصرية القاهرة مؤخرًا حدثًا استثنائيًا أثار جدلًا واسعًا، حيث رفعت السفارة السورية علم الثورة السورية الجديد بدلًا من العلم السابق الذي كان يمثل النظام السوري.
هذه الخطوة المفاجئة، التي جاءت بعد سنوات من الصراع السوري والتوترات الإقليمية، حملت رسائل سياسية معقدة وأثارت تباينًا كبيرًا في ردود الأفعال بين مختلف الأطراف، سواء المؤيدة أو المعارضة.
أثار رفع العلم الجديد على مبنى السفارة في القاهرة ردود أفعال متباينة بين السياسيين والمفكرين، ووصف الكاتب الصحفي كارم يحيى هذه الخطوة بالمنطقية، رغم تأخرها، مؤكدًا أنها ضرورة واقعية يجب التعامل معها بما يخدم المصالح المصرية.
وأشار إلى قضايا عالقة، منها مصير المعتقلين المصريين الذين يُعتقد أنهم اختفوا خلال الحرب الأهلية السورية، معتبرًا أن التعاون مع الحكومة السورية الحالية بات لا مفر منه لتجاوز هذه الملفات الحساسة.
من جانبه، أبدى د. محمد الشرقاوي، أستاذ الفلسفة الإسلامية، ترحيبه بهذه الخطوة، مشددًا على أهمية التعاون الإقليمي بين مصر وسوريا.
أما الكاتب تامر شيرين شوقي، فعلق على الحدث بانتقاد لاذع للإعلام المصري، واصفًا إياه بالعاجز عن إيصال الرسائل السياسية بفعالية، ودعا إلى تعيين وزير إعلام محترف قادر على إدارة الأزمات الإعلامية وتهيئة الرأي العام لمثل هذه القرارات السياسية المهمة.
سياسة القاهرة الحذرة تجاه السلطة الجديدة في سوريا
دعمت مصر نظام بشار الأسد بشكل علني حتى سقوطه، حيث كانت ترى في الأسد حليفًا يعزز الاستقرار في مواجهة الجماعات الإسلامية المسلحة، لكن مع سقوط النظام، وجدت مصر نفسها أمام واقع جديد يتطلب إعادة ترتيب سياستها دون التخلي عن حذرها.
رغم التواصل المحدود مع السلطات السورية الجديدة، كانت مصر واضحة في شروطها لأي علاقة مستقبلية، حيث شددت على ضرورة تحقيق انتقال سياسي شامل يضمن تقاسم السلطة، لتجنب احتكار الإسلاميين للحكم، وفي بادرة إيجابية، أرسلت مصر مساعدات إنسانية إلى سوريا كإشارة على رغبتها في البقاء جزءًا من المشهد السوري، دون الاعتراف الكامل أو الدعم غير المشروط للإدارة الجديدة.
وفور سقوط الأسد، اتخذت مصر تدابير وقائية مشددة، منها اعتقال سوريين كانوا يحتفلون بسقوط النظام السابق، وتشديد القيود على منح تأشيرات الدخول للسوريين، هذه الإجراءات عكست مخاوف مصرية من تصاعد نشاط الجماعات الإسلامية داخل البلاد.
لعب الإعلام المصري دورًا محوريًا في تعزيز هذه المخاوف، من خلال تغطيات تركز على مشاهد الفوضى في سوريا، وتحذيرات من أن الجماعات المسلحة قد تشكل تهديدًا مشابهًا لمصر.
كما ظهرت تقارير إعلامية تشير إلى ارتباط قادة الإدارة السورية الجديدة بشخصيات معارضة للنظام المصري، ما زاد من تعقيد الموقف.
وبينما بادرت دول الخليج الفارسي، مثل السعودية والإمارات، بالتواصل مع الإدارة السورية الجديدة بسرعة، تبنت مصر نهجًا أكثر حذرًا يراعي حسابات الأمن الداخلي والتوازن الإقليمي.
أكدت القاهرة أن أي تقارب مع السلطات الجديدة يجب أن يكون مشروطًا بتقاسم السلطة، لضمان منع الإسلاميين من احتكار الحكم، وتحقيق شراكة سياسية مستقرة.
وأشارت ميريت مبروك، الباحثة في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، إلى أن مصر تُركز على خطوط حمراء، تشمل الأمن والإسلاميين والجهات الفاعلة غير الحكومية، معتبرة أن الوضع في سوريا يمثل تحديًا خاصًا لهذه الأولويات.
تباين وجهات النظر حول العلم الجديد
قوبل رفع العلم السوري الجديد بانتقادات حادة من أنصار النظام السوري، الذين رأوا أنه يمثل فصيلًا معينًا ولا يعكس وحدة الشعب السوري، وفي المقابل، اعتبرته المعارضة السورية رمزًا لانتصار جديد في معركتها لإسقاط النظام.
وأثارت حادثة اعتقال الناشط السوري ليث الزعبي، الذي طالب برفع علم الثورة أمام السفارة السورية، جدلًا واسعًا، ورغم الإفراج عنه لاحقًا، أدى ترحيله إلى سوريا إلى استياء النشطاء السوريين الذين اعتبروا ذلك قمعًا لحرية التعبير.
واتهمت السلطات المصرية الزعبي بالتحريض على الفوضى، بينما رأى مؤيدوه أن الحادثة تعكس محاولات مستمرة لإسكات الأصوات المعارضة للنظام السوري.
إن رفع العلم السوري الجديد فوق سفارة دمشق في القاهرة يمثل لحظة فارقة في العلاقات السورية-المصرية، حيث أثار جدلًا بين الأوساط السياسية والشعبية، وبينما يرى البعض أنها خطوة واقعية تعزز الدور المصري في الملف السوري، يعتبرها آخرون مغامرة سياسية محفوفة بالمخاطر، وفي ظل هذا الانقسام، يبقى التحدي الأكبر هو تحقيق توازن بين المصالح المصرية والأمن الإقليمي، مع تقديم دعم ملموس لحل الأزمة في سوريا بطريقة تضمن الاستقرار والعدالة للشعب السوري.