الوقت- يشكل المشهد الأمني والاقتصادي في اليمن نموذجًا بارزًا للتوترات الإقليمية التي تتداخل فيها الأبعاد العسكرية والسياسية والاقتصادية بشكل معقد، وخصوصًا في ظل الاعتداءات المتكررة من الكيان الصهيوني على البنية التحتية الحيوية لليمن.
إن هذه الهجمات المتعمدة لم تستهدف فقط الأهداف العسكرية، بل امتدت إلى ضرب الاقتصاد والخدمات الأساسية، ما يعكس استراتيجية واضحة للإضرار بمقومات الدولة وشل قدراتها في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
وفي الوقت ذاته، يكشف هذا الصراع عن هشاشة الأجهزة الاستخباراتية والتقنية لدى المعتدين، الذين فشلوا في اختراق الهياكل السياسية والعسكرية اليمنية، ما دفعهم للجوء إلى تدمير البنية التحتية الاقتصادية، كوسيلة لزعزعة الاستقرار وزرع الفتن داخل المجتمع اليمني، تستدعي هذه التطورات الوقوف بعمق عند دراسة تأثير هذه الاعتداءات على الاقتصاد اليمني وعلى طبيعة الرد والمقاومة، ومدى قدرة اليمن على تحصين نفسه ضد التداعيات الاقتصادية والسياسية المتشابكة.
استهداف البنية التحتية الاقتصادية
تمثل البنية التحتية الاقتصادية في اليمن العمود الفقري الذي تدعم عليه الدولة قدراتها المالية والخدمية، فهي ليست مجرد منشآت مادية، بل هي شبكة متكاملة تؤمن التمويل العام وتقود جهود خفض معدلات البطالة، وتعمل كدرع يحمي البلاد من تفجر الأزمات الاجتماعية الناتجة عن الحصار والعقوبات.
وفي ظل الحصار الاقتصادي المتزايد، تحولت هذه المنشآت إلى هدف استراتيجي مباشر للكيان الصهيوني، الذي يسعى من خلال ضرب الموانئ والمطارات والمرافق الحيوية إلى إضعاف قدرة الحكومة على تقديم الخدمات، وتعطيل سلاسل الإمداد الأساسية للمواطنين، وخلق أزمات متلاحقة تؤدي إلى موجات استياء شعبي قد تترجم إلى ضغوط سياسية على السلطة اليمنية للتراجع عن مواقفها الرافضة للدعم والمساندة لغزة.
إن استهداف الاقتصاد بهذا الشكل يكشف عن تخطيط مدروس يستهدف قلب النسيج الاجتماعي اليمني، من خلال إحداث خلل في التوازنات المالية والاجتماعية، في محاولة لتفتيت المقاومة من الداخل وإضعاف وحدة الشعب اليمني، ومع ذلك، فإن الشعب اليمني يظهر صمودًا متزايدًا، ويحول كل هجمة إلى فرصة لتعزيز التضامن الوطني، ما يجعل هذه الاستراتيجية عرضة للفشل في ظل الوحدة الوطنية والقدرات المقاومة المتنامية.
فشل الأجهزة الاستخباراتية للكيان الصهيوني.. واقع كشف هشاشة الاستراتيجية العدائية
تشكل الأجهزة الاستخباراتية دورًا محورياً في أي استراتيجية عسكرية، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالتغلغل في هياكل الدولة المستهدفة، إلا أن الواقع في اليمن كشف ضعفًا واضحًا لدى هذه الأجهزة في اختراق البنى السياسية والعسكرية، ما أدى إلى فشل ممنهج في تحقيق أهدافها الاستراتيجية على الأرض، يعكس هذا الفشل حجم التحديات التي تواجهها الاستخبارات العدوة، والتي أظهرت محدودية كبيرة في جمع المعلومات الدقيقة، وعدم القدرة على قراءة المشهد الميداني بدقة.
هذا الواقع دفع الكيان الصهيوني إلى التحول نحو استراتيجية بديلة تقوم على ضرب الاقتصاد والبنية التحتية، باعتبارها أضعف نقطة، مستغلاً بذلك الأوضاع الاقتصادية المتدهورة نتيجة الحصار والعقوبات، ولكن هذا التحول لا يخلو من مخاطرة؛ إذ إن تركيز الهجمات على المدنيين ومقومات حياتهم اليومية يزيد من تعميق حالة الغضب الشعبي ويوحد صفوف المقاومة اليمنية، التي تعي جيدًا أن المعركة ليست مجرد مواجهة عسكرية، بل صراعاً وجودياً على الأرض والهوية والسيادة.
بالتالي، فإن فشل أجهزة الاستخبارات العدائية وتوجهها نحو سياسة تدمير البنية الاقتصادية يشكل علامة واضحة على عدم قدرتها على تحقيق اختراق استراتيجي، ما يزيد من تعقيد المشهد ويؤكد أن المقاومة اليمنية، بمختلف ألوانها، قادرة على فرض معادلات جديدة في الصراع المستمر.
قدرة اليمن على تقويض مصالح العدو
يعيش اليمن في ظل حصار اقتصادي خانق، لكن رغم كل الظروف الصعبة، يمتلك خيارات اقتصادية واستراتيجية قادرة على خلق ردع حقيقي للكيان الصهيوني وحلفائه، فعلى الرغم من المحاولات المتكررة لشل الاقتصاد اليمني، فإن البلاد تمتلك أوراق قوة عدة، أهمها قدراتها في استهداف سلاسل التوريد والتجارة الأمريكية بقيمة تصل إلى مئات المليارات من الدولارات، والتي تشكل شريان حياة حيويًا للاقتصاد الأمريكي والعالمي.
تؤكد التقارير والمحللون أن اليمن، عبر قواته المسلحة والمقاومة الشعبية، يمتلك الحق المشروع في الرد على الاعتداءات والعقوبات الجديدة من خلال استهداف مصالح العدو التجارية والاستراتيجية، وهذا يشكل تهديدًا جدياً لسلاسل التوريد والاقتصاد العالمي، ما قد يدفع الكيان الصهيوني وحلفاءه إلى إعادة تقييم حساباتهم في تعاملهم مع اليمن.
تجاوز اليمن تحديات الحصار والعقوبات الاقتصادية ليس فقط دليلاً على صموده، بل رسالة واضحة أن الردع الاقتصادي بات عنصرًا مهمًا في معادلة الصراع، كما أن هذا الصمود والتصعيد في الرد يعكس تحولًا نوعيًا في قدرة اليمن على فرض شروطه ومواجهة الضغوط الاقتصادية والسياسية، ما يعزز من قوة موقفه في الساحة الإقليمية والدولية.
في النهاية، تُبرز التجربة اليمنية الراهنة، في مواجهة العدوان الاقتصادي والعسكري، نموذجًا فريدًا لصمود دولة وشعب يعانقان التحديات بإرادة لا تلين، فشل الكيان الصهيوني في تحقيق اختراقات استخباراتية أو عسكرية حاسمة دفعه إلى سياسة الهجوم على البنية التحتية والاقتصادية، وهو خيار يعكس ضعفًا استراتيجياً لكنه يفتح أبوابًا جديدة لمقاومة أكثر قوة وتماسكًا.
وفي المقابل، يمتلك اليمن أوراق قوة اقتصادية وعسكرية قادرة على تقويض مصالح العدو وإحداث تأثير مباشر على الاقتصاد العالمي، ما يجعل من الصراع معه معادلة لا يمكن تجاهلها أو الاستهانة بها، إن الصمود اليمني المتواصل يؤكد أن السياسات العقابية لن تثني هذا الشعب، بل تزيده إصرارًا على الدفاع عن أرضه وحقوقه، وتعيد رسم خرائط الصراع الإقليمي بما يخدم مصالحه وأمنه.
يمثل هذا المشهد دعوة عاجلة للمجتمع الدولي لإعادة النظر في مسارات التعامل مع الأزمة اليمنية، والعمل على إيجاد حلول تحقق السلام والاستقرار دون الإضرار بحقوق الشعب اليمني وكرامته.