الوقت- بعد عودة الوفد المفاوض الصهيوني من قطر دخلت المفاوضات بين حماس وتل أبيب مرحلة حرجة فيما يتعلق بتحقيق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، ورغم التقدم المزعوم في المفاوضات، يبدو أن القادة الصهاينة السابقين يقطعون الطريق أمام وقف الحرب.
وأكد "أسامة حمدان"، أحد قيادات حماس، في بيان له اليوم الجمعة: "طرحنا مبادرة تتضمن وقفًا كاملاً لإطلاق النار وتبادل الأسرى والانسحاب من غزة، إلا أن إسرائيل رفضتها"، وأشار حمدان إلى أن رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو يريد التخلص من قضية الأسرى الصهاينة بقتلهم، وأكد أن "إسرائيل" تمنع التوصل إلى اتفاق.
وتابع حمدان: "سبق أن اتفقنا على جدول زمني تدريجي للانسحاب من غزة، لكن إسرائيل لم تقبل به".
وعرقلت الكيان الصهيوني طريق محادثات وقف إطلاق النار، حيث كان الجانبان قد توصلا خلال الأسابيع الماضية إلى اتفاق لتبادل الأسرى بوساطة مصرية وأمريكية، قيل إنه سيتم الانتهاء منه قريبا، لكن في النهاية، ولأسباب شخصية، أبقى نتنياهو الاتفاق تحت الطاولة في اللحظة الأخيرة، بحيث يبقى احتمال وقف الصراعات غير واضح.
وثائق قتل السجناء
إن الحديث عن قتل السجناء الإسرائيليين في غزة، والذي أعلن عنه قادة حماس، ليس قضية جديدة، وقد تم نشر العديد من الوثائق حول هذه الإجراءات في العام الماضي.
وأكد قادة حماس مراراً وتكراراً هجوم جيش الاحتلال على المكان الذي كان يحتجز فيه الأسرى، وحسب التقارير فقد قُتل العشرات من الأسرى الصهاينة على يد الجيش نفسه.
وفي أغسطس/آب من العام الجاري، اعترف الجيش الإسرائيلي بأنه قتل عدداً من أسراه في هجماته على غزة، وعلى إثر ذلك أعلنت هيئة الإذاعة والتلفزيون الصهيونية في هذا الصدد، أنه من إجمالي 120 أسيراً ما زالوا في غزة، هناك 46 أسيراً منهم قتلوا.
وحينها قالت حماس في بيان موجه إلى أهالي الأسرى الصهاينة إن الجيش يخدعكم: "حكومة كيان الاحتلال لا تريد إلا عودة الأسرى في توابيت".
وفي شباط/فبراير من الشهر الماضي، أعلنت صحيفة هآرتس في تقرير لها أن ثلاثة أسرى إسرائيليين قتلوا بالغاز السام الذي حقنه جيش هذا الكيان في أحد الأنفاق في غزة.
كما أن ثلاثة أسرى إسرائيليين فروا من حماس قبل بضعة أشهر، ويحملون علمًا أبيض في أيديهم، طلبوا المساعدة من قوات الاحتلال، لكن الجيش قتل هؤلاء الأسرى الثلاثة على افتراض أنهم أعضاء في حماس، كما أعلنت حركة حماس الأربعاء الماضي أن ستة أسرى إسرائيليين آخرين قتلوا جراء القصف الصهيوني.
وقد حاول الجيش الصهيوني عدة مرات إنقاذ بعض أسراه، إلا أن هذه الإجراءات أتت بنتيجة عكسية وأدت إلى مقتل معظمهم.
وفي الجولة الأخيرة من إجراءات الإنقاذ هذه، حاول الجيش الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، إنقاذ ساهر باروخ، أحد الأسرى في سجن حماس، لكن هذه العملية باءت بالفشل وتبادل الجنود الإسرائيليون إطلاق النار مع مقاتلي حماس، حيث قُتل هذا الأسير الإسرائيلي أيضاً.
منذ بداية الحرب في غزة أثبت نتنياهو وأصدقاؤه أنهم لا يهتمون بحياة الأسرى، لأنهم لم يفشلوا مرات عديدة في تبادل الأسرى فحسب، بل تجاهلوا أيضاً تحذيرات حماس من تأثير هذه الخطوة الوخيمة، إضافة إلى الوضع الغذائي والصحي في غزة على صحة الأسرى.
وتشير تقديرات المخابرات الصهيونية إلى أن ما لا يقل عن 50 أسيراً ما زالوا على قيد الحياة، لكن يبدو أن الوزراء المتطرفين لا يهتمون بهؤلاء الأسرى، ومن بين الأسرى أيضًا بعض الرعايا الأجانب الذين لا أهمية لهم بالنسبة لحكومة تل أبيب المتطرفة.
التحرر من الضغوط الداخلية والخارجية
ومن الأسباب التي جعلت نتنياهو يفكر في التخلص من الأسرى، موجة الانتقادات والضغوط الداخلية والخارجية التي انطلقت ضد حكومته خلال الخمسة عشر شهرا الماضية، لكنه يحاول بعناد خوض الحرب بأي ثمن.
نتنياهو ليس مستعداً لوقف الحرب في غزة لتجنب أي اتفاق يعني انتصار حماس، والخوف من انهيار الائتلاف الوزاري، وأيضاً بسبب المسؤولية عن فشل عملية طوفان الأقصى في الـ 7 من أكتوبر، ومن ناحية أخرى، فإن تورطه في قضايا الفساد يقتله سياسيا ببطيء.
نتنياهو يعتقد أنه قطع معظم الطريق نحو النصر على حماس، ولا يفصله سوى خطوة واحدة عن تحقيق أهدافه، وهو لا يريد تفويت هذه الفرصة الاستثنائية، هذا فيما يعترف مسؤولون أمنيون ووسائل إعلام عبرية بأن حماس أعادت تنظيم نفسها وعادت مؤخرا إلى بعض المناطق التي احتلها الصهاينة.
أما تفسير نتنياهو فهو مختلف، وقال الأسبوع الماضي: "إذا أنهينا الحرب الآن، فإن حماس ستعود وتعيد بناء نفسها وتهاجمنا مرة أخرى، لكننا لا نريد العودة إلى هذا الوضع".
وقد صرح نتنياهو والوزراء المتطرفون مرارا وتكرارا أنهم لا ينوون الانسحاب من قطاع غزة، وقد أثار هذه القضية مرة أخرى وزير الحرب الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، الذي قال في خطابه الأخير أمام القادة العسكريين في جنوب غزة إن "إسرائيل" تطلب السيطرة الأمنية على قطاع غزة من خلال تدابير مثل المناطق العازلة ونقاط المراقبة، وذلك بينما تطالب حماس بوقف الحرب والانسحاب الكامل للغزاة من هذا الحاجز.
في المقابل، كانت حكومة نتنياهو تتعرض لضغوط من أهالي الأسرى يوميا طوال العام الماضي، وهذا الموضوع أخذ من نتنياهو بعض المبادرة في قطاع غزة، لذلك يفضل قتل الأسرى وربما يلوم حماس لحالات القتل هذه، واتهمت عائلات الأسرى نتنياهو مرارا وتكرارا بتقليل فرص عودة أبنائهم من خلال تعطيل عملية التفاوض مع حماس، حتى أنهم هددوا بمقاضاته في المحكمة العليا.
نتنياهو الذي يعتبر تطورات المنطقة حسب رغبته وموجة معارضة زعماء المعارضة قد هدأت إلى حد ما، لذلك ينوي استكمال عمل غزة وإعلانه إنجازا لنفسه، ولا يهم أن هناك العشرات من الأسرى الصهاينة هناك.
إثارة غضب ترامب
التفاوض تحت الطاولة الذي يجريه نتنياهو يرتبط أيضاً بالتطورات الداخلية في الولايات المتحدة، لم يسع نتنياهو قط إلى وقف الحرب في غزة، وكان النهج الجدي للتوصل إلى هدنة في الأسابيع الأخيرة يرجع إلى حقيقة أن دونالد ترامب، الرئيس المنتخب للولايات المتحدة، هدد بأنه بحلول 20 يناير/كانون الثاني، عندما يدخل البيت الأبيض، إذا لم تتوقف الحرب في غزة، فسوف تنطلق أبواب الجحيم.
وبما أن ترامب ينوي إنهاء حرب غزة من أجل تقليل نفقات واشنطن، فإن نتنياهو يحاول إزالة العائق الوحيد أمام استمرار الحرب من خلال قتل الأسرى، ومن بينهم عدد من الأمريكيين، ودون أي عوائق أمام تنفيذ مخططاته ضد الفلسطينيين.