الوقت- مع سقوط حكومة الأسد في سوريا وسيطرة المعارضة المسلحة على الوضع، فجأة رأى نتنياهو وغيره من الصهاينة العالقين في نفق طوفان الأقصى المظلم نافذة الحظ تفتح أمامهم، وبعد الإخفاقات المتوالية في تحقيق أهداف الحرب في غزة ولبنان ينبغي الاستفادة القصوى من هذه الفرصة التاريخية لتغيير المعادلات الإقليمية وكسر سياج المقاومة الأمني.
إن التدمير الكامل للمعدات العسكرية والبنية التحتية والتقدم البري السهل في عمق الأراضي السورية في طرفة عين هو أمر لم يتخيله الصهاينة في أحلامهم، وخاصة أنهم لم يواجهوا معارضة كبيرة من الدول العربية وحتى المسلحون كانوا في حالة سكر عند وصولهم إلى السلطة.
والآن، جعل هذا الانتصار غير المتوقع نتنياهو منتشياً بالتعبير مرة أخرى عن طموحاته والحديث عن تغيير النظام الإقليمي في الشرق الأوسط، في غضون ذلك، أعلنت وسائل الإعلام الصهيونية في الأيام الأخيرة أن اليمن على رأس قائمة أهداف المقاومة التي أعلنها نتنياهو، كما أعلنت الهجوم الوشيك على مناطق سيطرة أنصار الله.
منذ بداية الهجوم العسكري للجيش الصهيوني على غزة في أكتوبر من العام الماضي، ظلت اليمن إحدى الجبهات النشطة والمؤثرة لمحور المقاومة ضد الأراضي المحتلة، سواء من خلال إغلاق ممر باب المندب البحري في البحر الأحمر واستهداف التجارة البحرية الإسرائيلية وتنفيذ هجمات صاروخية وضربات الطائرات من دون طيار المتكررة ضد المناطق الحساسة والاستراتيجية للنظام قد فرضت ضغوطًا اقتصادية وأمنية شديدة على الصهاينة، لذا فإن التخلص من هذا الضغط يمثل أولوية أساسية في خطط نتنياهو للحصول على اتفاق لإنهاء الحرب.
النبض الإيجابي لمعارضي صنعاء.. تنفيذ سيناريو حلب في الحديدة
الأحداث الأخيرة في سوريا، بالإضافة إلى الصهاينة، جعلت قادة حكومة عدن الهاربة يأملون في جعل قبعة ذلك محسوسة لأنفسهم، وعندما سمعوا همسات نية نتنياهو الشريرة الجديدة ضد اليمن، أعلنوا على الفور عن أنفسهم أنهم على استعداد لمرافقة خطط الولايات المتحدة والكيان الصهيوني.
وفي أحد التصريحات التي رددها مسؤولو المجلس الرئاسي اليمني، عرض محمد الحضرمي، سفير مجلس الوزراء التابع للسعودية في الولايات المتحدة، خلال حضوره ثلاثة إجراءات "مقترحة" للاستراتيجية الأمريكية الجديدة في اليمن في مجلس الشيوخ الأمريكي، بما في ذلك: "تصنيف أنصار الله، كمنظمات إرهابية أجنبية مماثلة لحزب الله اللبناني، كانوا "يدعمون القوات الحكومية وحلفائهم لاستعادة ميناء الحديدة" و"يستهدفون قادة أنصار الله لتدمير هيكلها القيادي".
وأكد الحضرمي أن القوى المعارضة لأنصار الله تمتلك الإرادة والقوة البشرية الكافية لما قال "التصدي لتهديدات هذه الجماعة وإيران في البحر الأحمر"، لكنها غير قادرة على القيام بذلك بمفردها، وفي هذا الصدد، أشار أيضاً طارق صالح، وهو عضو آخر في المجلس الرئاسي وأحد القوى المقربة من الإمارات، وهو قائد المجموعة المعروفة بالحرس الجمهوري في الساحل الغربي لليمن، بشكل مباشر إلى ضرورة الهجوم على ميناء الحديدة وقال: "مصير عبد الملك الحوثي في صنعاء لن يختلف عن مصير الأسد في دمشق".
إن تسمية مدينة الحديدة الساحلية والتأكيد عليها ليس من قبيل الصدفة، ويمكن القول إن الموقع الاستراتيجي لهذه المدينة بالنسبة لحكومة الإنقاذ الوطني اليمنية يساوي وزن مدينة حلب باعتبارها المركز الاقتصادي لسوريا، ومنذ غزو التحالف السعودي الإماراتي لليمن عام 2015 والحصار الاقتصادي الكامل على هذا البلد من قبل الغزاة، ظل ميناء الحديدة المركز الرئيسي للحصول على المساعدات الإنسانية واستيراد المواد والوقود الذي تحتاجه المناطق الخاضعة لسيطرة أنصار الله وإيراداتها أيضاً لحكومة الإنقاذ الوطني وهي مهمة جداً للحكومة في صنعاء.
ونتيجة للأهمية الاستراتيجية للسيطرة على هذه المدينة، ظلت الحديدة دائما، منذ عام 2017 على الأقل، في قلب الصراع السعودي مع أنصار الله، وتعود ذروة هذه الحرب إلى يونيو/حزيران 2018، ما أدى إلى اتفاق وقف إطلاق النار في اليمن في ديسمبر من نفس العام.
في الأساس، كان فهم موقع الحديدة الاستراتيجي بالنسبة لأنصار الله هو الذي دفع الصهاينة إلى التخطيط لهجوم جوي واسع النطاق على اليمن في سبتمبر 2024 (مهر 1403) ردًا على العمليات الصاروخية الناجحة والمفاجئة في تل أبيب.
وفي الواقع، ليس هناك شك في أن سيطرة القوات الجنوبية على الحديدة ستوجه ضربة قاسية للوضع الاقتصادي والمعيشي لسكان المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة الإنقاذ الوطني، ويمكن أن يكون انتصاراً كبيراً لشعبها، مساوياً لاحتلال حلب من قبل القوات المسلحة السورية.
في هذه الأثناء، هناك نقطة أخرى مهمة في هذا التصميم الجديد وهي الجهود التي يتم بذلها من وراء الكواليس لتحديد شخصية جديدة كقائد للتطورات، مثل محمد الجولاني في القوات المسلحة السورية، ولهذا يمكن أن تتوصل قوى المعارضة في صنعاء إلى توافق حوله، هذا الوجه هو أحمد علي عبد الله صالح الابن البكر لدكتاتور اليمن السابق وسفير صنعاء السابق في الإمارات، والذي بدأ تحركاته في الأيام الماضية وتوجه إلى القاهرة في أول رحلة له بعد رفع العقوبات الأممية حيث استقبلته السلطات المصرية وحسب المراقبين، فإن هذا الإجراء يأتي من أجل إرسال رسائل سياسية حول الإعلان عن بداية مرحلة جديدة من التطورات في اليمن.
صنعاء ليست دمشق؛ أنصار الله جاهزون لكل السيناريوهات
وكما هو الحال مع التطورات في سوريا، بدأت الجبهة المناهضة لليمن مع افتتاح عمليات الحرب النفسية ضد صنعاء، حيث تروج وسائل الإعلام العربية والغربية في وقت واحد لخط الخوف والقلق بين مسؤولي أنصار الله بعد الإطاحة بنظام الأسد، ومع ذلك، لم يظهر أنصار الله ولا القوات المسلحة اليمنية ضعف وهشاشة الحكومة والجيش السوريين، كما أن المناخ السياسي والاجتماعي والجغرافيا في اليمن لا يشبه بشكل أساسي سوريا.
في البداية، ولإظهار عدم خوفه من تهديدات الصهاينة وعمليات الحرب النفسية التي يقوم بها أعداؤه، أعلن أنصار الله أنه مستعد لأي سيناريو، وفور سقوط دمشق، نجح في تنفيذ موجة جديدة من الهجمات، وإن الهجمات الصاروخية والطائرات من دون طيار على الأراضي المحتلة هي علامة على أنها لم تتخذ موقعًا دفاعيًا، وبالإضافة إلى مواصلة مهمة دعم غزة، لا يزال بإمكانها الرد على أي تهديد بأصعب الطرق الممكنة والمغامرة، ولن تكون النهاية سعيدة للصهاينة، ولا لجميع الأطراف الإقليمية والمحلية الأخرى.
وقد تم اختبار هذه الحقيقة بدقة في العام الماضي من قبل أكبر قوة بحرية في العالم وحلفائها، والاعترافات المتكررة للمسؤولين العسكريين الأمريكيين بفشل عملية الغطاء البحري للصهاينة في البحر الأحمر، والمعروفة باسم "حارس الرفاه" لإضعاف القوة الهجومية لليمن ووقف هجمات أنصار الله على مصالح الكيان الصهيوني.
لكن الجانب الآخر من القصة هو جبهة موحدة لم تتشكل حتى الآن بين معارضي أنصار الله، ولم تبد قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، التي تسيطر على معظم المحافظات الجنوبية، التابعة لحليفها الإقليمي الرئيسي وداعمها الإمارات، سعادتها بالتطورات في سوريا، حسب مسؤولين في المجلس الرئاسي.
ومن المؤكد أن المجلس الانتقالي الذي يسعى إلى تقسيم اليمن والسيطرة على كل المحافظات الجنوبية، لن يرضى أن يهيمن عليها زعيم أو سلطة من المناطق الشمالية، وهي الحقيقة التي تسببت في فشل اتفاقيات هذا التنظيم مع القوى المقربة من السعودية عدة مرات خلال السنوات الماضية، واضطر وزراء الحكومة إلى الفرار من عدن.
كما أن هناك قضية أخرى مهمة وهي الجانب التجاوزي اليمني والإقليمي لأي تحالف صهيوني يهاجم أنصار الله، والذي سيواجه بالتأكيد رد محور المقاومة والجمهورية الإسلامية، وسيتأثر الوضع في المنطقة بشدة بنيران الأزمة، وهي نار سيصل دخانها أولاً إلى أعين الشيوخ، وستتجه إلى الخليج الفارسي، الذي له حدود إقليمية مع اليمن ومصالح بحرية حيوية في البحر الأحمر.