الوقت- خلال أكثر من عام منذ الحرب في غزة، لم تتصرف أي دولة بالسرعة نفسها التي تصرفت بها ألمانيا في مهاجمة حركات التضامن الفلسطينية، على سبيل المثال، كما ذكرت قناة الجزيرة الإخبارية منذ فترة، أصبح من غير الممكن الآن تنظيم مظاهرة لدعم فلسطين في برلين أو في مدن ألمانية أخرى دون خوف من هجوم الشرطة وترهيب قوات الأمن ومواجهة تسميات معادية للسامية من قبل وسائل الإعلام.
وفي أبريل/نيسان، هاجم المئات من قوات الشرطة مسيرة مؤيدة للفلسطينيين في برلين، ومن ناحية أخرى، مُنع غسان أبو ستة، وهو يهودي أنجلو فلسطيني، من دخول ألمانيا للمشاركة في المسيرة، وبعد فترة وجيزة، تم منعه من دخول منطقة شنغن بأكملها، وكان من المفترض أن يتحدث أبوسيتة، الذي تطوع كطبيب في مستشفيات غزة، في المؤتمر عن الوضع الرهيب الذي نشأ نتيجة الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة.
ومن بين الأشخاص الذين مُنعوا من دخول ألمانيا، يانيس فاروفاكيس، وزير المالية اليوناني السابق، بسبب مواقفه الداعمة لفلسطين، وفي أكتوبر من العام الماضي، أدان أكثر من مئة فنان وكاتب وشخصية أكاديمية وصحفي وناشط ثقافي، الإجراءات القمعية التي تقوم بها الحكومة الألمانية ضد مؤيدي فلسطين واتهامهم بـ "معاداة السامية" في رسالة مفتوحة.
وجاء في الرسالة: "إن ما يخيفنا هو مناخ العنصرية وكراهية الأجانب السائدة في ألمانيا، المتحالفة مع نوع من الصهيونية التقييدية والأبوية، "نحن نعارض بشكل خاص مساواة معاداة السامية بأي انتقاد لإسرائيل"، والسؤال هنا هو لماذا تعمل ألمانيا بجد في دعم النظام الصهيوني ومنع رفع قضية الإبادة الجماعية لهذا النظام في محكمة العدل الدولية.
كتب توني غرينشتاين، المحلل الإنجليزي ومؤسس حملة التضامن مع فلسطين، في تحليل لقناة الجزيرة: "الإجابة تكمن في تاريخ ألمانيا - ولكن، على عكس ما يعتقده الكثيرون، ويُقرأ على أنها محاولة للتعويض عما كان في "المحرقة النازية" فإن هذه القضية لا علاقة لها بدعم ألمانيا لإسرائيل".
وتابع في كتابته: "في الواقع، لم يتم التخلص من النازية بشكل كامل في ألمانيا ولم تحاول أبدًا مواجهة السياسات التي أدت إلى صعود هتلر، وسرعان ما أوقفت الحرب الباردة هذه العملية وتم نسيانها".
وفي المقابل، اضطرت الحكومة الألمانية إلى تقديم الدعم الكامل للقاعدة العسكرية الغربية الجديدة المقامة في الأراضي الفلسطينية "إسرائيل" للتعويض عن "المحرقة" المزعومة ضد اليهود المتهمة بها.
يقول توني غرينشتاين: "إن القضاء على الهياكل السياسية التي أدت إلى صعود النازيين - أي الإمبريالية والمجمع الصناعي العسكري الألماني - يتناقض مع الحاجة إلى مواجهة الاتحاد السوفييتي في حقبة الحرب الباردة".
في السنوات الأولى بعد الحرب، كانت هناك معارضة قوية في الغرب لإعادة تسليح ألمانيا، ودعت ما تسمى خطة "مورغنثاو" عام 1944، والتي أيدها الرئيس الأمريكي آنذاك روزفلت، إلى التفكيك الكامل لصناعة الأسلحة الألمانية وجميع الصناعات الأخرى التي يمكن أن تلعب دورا في إعادة بناء ألمانيا عسكريا ولكن كان اندلاع الحرب الباردة يعني أن الغرب يحتاج إلى ألمانيا كجزء من التحالف الغربي.
وفي عام 1953، بدأت ألمانيا في دفع التعويضات، ولكن ليس للناجين المزعومين من المحرقة، بل لـ"إسرائيل" كان الغرب يركز على الاتحاد السوفييتي، ومع اندماج ألمانيا في التحالفات العسكرية الغربية، تم نسيان عملية اجتثاث النازية والتخلي عنها ببطء، وهكذا حل الدعم غير المشروط لـ"إسرائيل" محل عملية اجتثاث النازية، كما يقول جرينشتاين.