الوقت - في معرض تحليله لعملية اغتيال الأمين العام لحزب الله اللبناني من قِبَل الکيان الصهيوني، أوضح الخبير البارز في شؤون غرب آسيا الدکتور "سعد الله زارعي"، قائلاً: "شهد العامان المنصرمان تقدماً تكنولوجياً ملحوظاً للکيان الصهيوني، ما منحه تفوقاً نسبياً في رصد خصومه، وقد تجلى هذا التطور في شتى مجالات التقنيات الاتصالية، حيث تمكن الكيان الإسرائيلي، مستعيناً بالدعم الأمريكي، ومن خلال استراتيجية امتدت لعامين، من إحداث ثغراتٍ في المنظومة الاتصالية، بيد أن هذا النجاح ظل محدوداً ولم يرقَ إلى مستوى الاختراق الشامل".
وأضاف: "وخير مثالٍ على ذلك، أنه رغم التنسيق الأمريكي الحثيث، أخفق الإسرائيليون في الوصول إلى الكوادر القيادية الرئيسية لحزب الله، غير أنهم نجحوا في رصد بعض القادة العسكريين في المقاومة، ممن يتمتعون بهامشٍ أوسع من المرونة في التحركات، ويستخدمون وسائل الاتصال المحمولة بصورةٍ اعتيادية".
وفي معرض تعليقه على العملية التخريبية التي نفذها الكيان الصهيوني، والتي استهدفت أجهزة الاتصال "البيجر" في لبنان، قال: "إن محاولة الكيان الصهيوني تفجير أجهزة البيجر في لبنان، تُعدّ مناورةً استراتيجيةً تهدف إلى التغطية على الفشل الاستخباراتي والتكنولوجي الذريع، الذي مُني به في السابع من أكتوبر، ففي ذلك اليوم المفصلي، نجح مقاتلو المقاومة في اختراق المنظومة الأمنية الإسرائيلية متعددة الطبقات بكفاءة عالية، متوغلين إلى عمق 70 كيلومترًا في محيط غزة، وعليه، فإن هذه العملية التخريبية، التي تزامنت مع اقتراب الذكرى السنوية لهذا الحدث، تمثّل محاولةً يائسةً لإظهار قدرة استخباراتية مزعومة في مجال الاتصالات".
وفي سياق متصل، أشار الدکتور زارعي إلى أن اغتيال الأمين العام لحزب الله تقع خارج نطاق هذه المعادلة الاستخباراتية، موضحًا: "حينما أدرك الكيان الصهيوني استحالة الوصول المباشر إلى السيد، لجأ إلى استراتيجية القصف العشوائي، مستهدفًا منطقةً في الضاحية الجنوبية لبيروت، وكان هدفهم الأساسي هو زيادة احتمالية إصابة السيد حسن نصر الله، على افتراض وجوده في إحدى الوحدات السكنية الستين المستهدفة".
کما فنّد الرواية الإسرائيلية حول عملية الاغتيال، قائلاً: "في أعقاب استشهاد الأمين العام لحزب الله، سارع الكيان الصهيوني إلى الادعاء بامتلاكه معلومات دقيقة عن موقع السيد حسن نصر الله، بيد أن هذا الادعاء لا يعدو كونه محاولةً بائسةً لترميم صورة جهازهم الاستخباراتي المتهالك، إنها محاولة لإعادة رسم صورة القوة المفقودة، في محاولة لاسترجاع هيبتهم الاستخباراتية المتآكلة".
وفي سياق تحليله لمرامي الكيان الصهيوني من اغتيال السيد حسن نصر الله، أفاد الدکتور زارعي بأنه: "على الرغم من إدراك الصهاينة للعواقب الوخيمة التي قد تنجم عن هذا العمل الإرهابي، وما سيستتبعه من ردود فعل حاسمة من قبل محور المقاومة، إلا أنهم وجدوا أنفسهم مضطرين لتصفية السيد حسن نصر الله، ولعل المتأمل في خطاب نتنياهو أمام الكونغرس الأمريكي يلحظ قوله: "فلتتضافر جهودنا لتغيير مجرى الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، ولنعمل يداً بيد على تعديل الأوضاع التي لا تخدم مصالحنا"، هذه هي الكلمات التي نطق بها نتنياهو في الكونغرس الأمريكي حرفياً".
وأضاف: "كما أن نتنياهو، في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، قدّم خريطةً لجبهة المقاومة والمنطقة، مؤكداً أن التهديدات الصادرة عن جبهة المقاومة لا تقتصر على الكيان الصهيوني أو المنطقة فحسب، بل هي تهديدات مستمرة تطال المنطقة برمتها".
وتابع هذا الخبير المتخصص في شؤون غرب آسيا قائلاً: "إن المتمعّن في هذه التصريحات، يدرك أن الصهاينة قد استشعروا ضرورة قلب موازين القوى لضمان استمرار وجود كيانهم الغاصب، فهم يرون أن بقاء هذا الكيان مرهون بتغيير الوضع الراهن جذرياً، وأن هذا التغيير يستلزم تصفية أبرز رموز المقاومة في المنطقة، ألا وهو سماحة السيد حسن نصر الله".
وأوضح: "أن الكيان الصهيوني يراهن على أنه باستشهاد السيد حسن نصر الله وتوجيه ضربات متتالية للبنية التحتية والاستراتيجية لحزب الله اللبناني، سيتمكن من إقصاء الحزب من معادلات المنطقة أو تحييده على أقل تقدير، ومن ثم محاولة نقل هذا التحييد إلى ساحات أخرى كسوريا والعراق".
وأشار المحلل البارز إلى التصريحات الأخيرة الصادرة عن رئيس وزراء الكيان الصهيوني، وقال: تبرز هذه التصريحات سعي نتنياهو الحثيث لإعادة تشكيل المعادلات الإقليمية، متجاوزًا في طموحاته الحدود اللبنانية، بيد أن التمحيص الدقيق في تصرفات وتصريحات نتنياهو وأركان حكومته يكشف، بما لا يدع مجالاً للشك، عن حالة من الهلع العميق التي تعتريهم.
وسلّط الدکتور زارعي الضوء على الأهداف الثلاثية التي حددها نتنياهو لعملية اغتيال السيد حسن نصر الله، وقال: إن هذه الأهداف هي: أولاً: توجيه رسالة ذات مغزى عميق إلى يحيى السنوار، القائد السياسي لحركة حماس، وثانيًا: ممارسة ضغوط مكثفة بغية تحرير الأسرى الصهاينة، وثالثًا: إرسال إشارة قوية لوقف نزوح اليهود المقيمين في شمال الأراضي المحتلة.
واستطرد موضحًا أن الهدفين الأولين يتمحوران حول غزة، دون أن يكون لهما صلة مباشرة بلبنان، أما فيما يخص الساحة اللبنانية، فقد اقتصر طموح نتنياهو على مطلب وحيد، ألا وهو وقف إطلاق النار على شمال فلسطين المحتلة، وهذا، في حد ذاته، يعدّ مؤشرًا جليًا على حالة الذعر المستشرية في أوساط الصهاينة، وافتقارهم الواضح للثقة في قدرة كيانهم على تحمل التداعيات الوخيمة لاغتيال شخصية بحجم السيد حسن نصر الله.
وأشار الدکتور زارعي إلى اجتماع المجلس الوزاري الأمني للكيان الصهيوني، مصرحًا: "في هذا الاجتماع، تم التطرق إلى اقتراب ذكرى السابع من أكتوبر، وقيل إنه بإمكاننا الآن إقناع اليهود بأننا حققنا إنجازات خلال العام الماضي من خلال إظهار قوتنا في لبنان، ولكن، ألا يرتبط هذا الأمر (الهجمات الجوية واسعة النطاق على لبنان) بالفترة الممتدة من بداية أکتوبر حتى الآن، أي فترة سبعة أو ثمانية أيام سابقة؟ إنه اعتراف بالهزيمة.
وأضاف: "والسؤال الذي يطرح نفسه: هل ستتحقق مطالب الكيان الصهيوني الثلاثة أو الأربعة من خلال قصف لبنان؟ هل ستتغير التركيبة المدنية في غزة؟ هل سيتم القضاء على المقاومة في غزة؟ هل سيتم إطلاق سراح الأسرى؟ من الواضح أن الإسرائيليين يمارسون الخداع هنا، ويحاولون اختلاق إنجازات لأنفسهم، وبكل تأكيد، سيدرك الصهاينة في الأيام القادمة مدى خطورة وعدم جدوى محاولة اغتيال السيد حسن نصر الله بالنسبة لهم".