الوقت- في العقود الأخيرة، كان الشرق الأوسط مسرحًا لمجموعة من الصراعات المسلحة التي لم تقتصر آثارها على الجوانب السياسية والجغرافية فحسب، بل شملت أيضًا جوانب إنسانية كارثية.
من بين المناطق التي تأثرت بشكل كبير بالعمليات العسكرية، الضاحية الجنوبية لبيروت وقطاع غزة، واللتان تعرضتا لهجمات شديدة من قبل الكيان الإسرائيلي، هذه الهجمات، والتي غالبًا ما تُنفَّذ باستخدام أسلحة أمريكية متقدمة، تشكل جزءًا من استراتيجية الكيان لمواجهة حركات المقاومة في لبنان وفلسطين، وفي هذا المقال، سنتناول أوجه التشابه والاختلاف بين هذه الجرائم ودور الأسلحة الأمريكية في كلا النزاعين، بالإضافة إلى تأثيراتها الإنسانية والاجتماعية.
الخلفية التاريخية والسياسية للضاحية الجنوبية وغزة
الضاحية الجنوبية لبيروت هي منطقة تعتبر معقلًا أساسيًا لحزب الله، وقد تعرضت لهجمات متكررة من قبل الكيان الصهيوني، أبرزها خلال حرب تموز 2006، حيث إن هدف الكيان المعلن كان تدمير البنية التحتية لحزب الله وشلّ قدراته العسكرية، إلا أن الأضرار امتدت إلى المناطق المدنية بشكل واسع، ما أسفر عن تدمير منازل المدنيين والبنية التحتية الأساسية.
على الجانب الآخر، قطاع غزة هو منطقة فلسطينية خاضعة لسيطرة حركة المقاومة الإسلامية حماس منذ عام 2007، وقد شهد عدة جولات من العدوان الإسرائيلي، بدءًا من عملية "الرصاص المصبوب" في 2008 وحتى أحدث التصعيدات العسكرية، مثل الضاحية الجنوبية، كما تعاني غزة من هجمات عسكرية إسرائيلية تركز على البنية التحتية للحركات المقاومة، ولكنها تتسبب في المقام الأول في تدمير واسع للمدنيين والبنية التحتية الحيوية.
دور الأسلحة الأمريكية في هذه الجرائم
أحد أوجه التشابه الأكثر وضوحًا بين الهجمات على الضاحية الجنوبية وغزة هو استخدام الكيان الإسرائيلي المكثف للأسلحة المتطورة التي توفرها الولايات المتحدة، حيث تُعتبر الولايات المتحدة أكبر مورد للأسلحة إلى الكيان الإسرائيلي، وتقدم مساعدات عسكرية بمليارات الدولارات سنويًا، وتشمل هذه الأسلحة طائرات حربية مثل F-16 وF-35، وصواريخ موجهة، وقنابل ذكية، وقنابل عنقودية.
خلال حرب 2006 على الضاحية الجنوبية، استخدم الكيان الإسرائيلي قنابل موجهة بالليزر من صنع أمريكي لاستهداف المباني والمخابئ، وكانت النتيجة تدميرا واسع النطاق للمنازل السكنية والمدارس والمستشفيات، وفي غزة، استخدم الكيان نفس الطائرات والقنابل الأمريكية لضرب المناطق المكتظة بالسكان، ما أسفر عن تدمير شامل للمدنيين وتفاقم الأوضاع الإنسانية.
التحليل القانوني الدولي: انتهاكات لقوانين الحرب
الهجمات على الضاحية الجنوبية وغزة تتعارض بوضوح مع القوانين الدولية المتعلقة بالحروب، وفقًا للقانون الدولي الإنساني، ينبغي على الأطراف المتحاربة التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية، والامتناع عن الهجمات التي قد تتسبب في أضرار غير متناسبة للمدنيين، حيث إن مبادئ التناسب والتمييز، المنصوص عليها في اتفاقيات جنيف، تُلزم القوات العسكرية بالحد من الأضرار على المدنيين قدر الإمكان.
لكن في الواقع، شهدت الهجمات الإسرائيلية على كلا المنطقتين انتهاكات صارخة لهذه المبادئ، ففي الضاحية الجنوبية، رغم التركيز الظاهري على حزب الله، تعرضت الأحياء السكنية للدمار الكامل، وفي غزة، كانت الكثافة السكانية العالية والموقع الجغرافي المحدود يعنيان أن أي هجوم سيؤدي بشكل شبه مؤكد إلى خسائر بشرية فادحة.
التأثيرات الإنسانية: الأزمات الاجتماعية والاقتصادية
التأثير الإنساني لهذه الهجمات كان كارثيًا في كلا المنطقتين، ففي الضاحية الجنوبية لبيروت، أدى الدمار الناتج عن حرب 2006 إلى تشريد آلاف العائلات، وتدمير البنية التحتية الحيوية، وأعيد بناء الضاحية ببطء، ولكن الصدمة الاجتماعية والاقتصادية كانت دائمة، والعديد من السكان فقدوا منازلهم ومصادر رزقهم، ما أدى إلى تفاقم الفقر والتوتر الاجتماعي.
أما غزة، فالوضع أكثر حرجًا فالحصار المفروض على القطاع منذ سنوات طويلة، إلى جانب الهجمات العسكرية المتكررة، جعل الأوضاع الإنسانية فيه مأساوية، والنقص حاد في المواد الغذائية، المياه النظيفة، الوقود، والرعاية الصحية هو الواقع اليومي لسكان غزة، كما أن أكثر من 90% من سكان غزة يعتمدون على المساعدات الدولية، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، فيما تعاني البنية التحتية من دمار متكرر يجعل الحياة شبه مستحيلة.
على الرغم من محاولات المجتمع الدولي لتقديم المساعدات الإنسانية، إلا أن الهجمات المتكررة والبنية التحتية الهشة تجعل من الصعب تحسين الظروف المعيشية، وكل جولة جديدة من العنف تعيد الأوضاع إلى نقطة البداية، ما يُبقِي سكان غزة في حالة من عدم الاستقرار المستمر.
الأبعاد الجيوسياسية: تأثير الهجمات على محور المقاومة
الهجمات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية وغزة ليست مجرد جزء من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بل هي أيضًا جزء من ديناميكيات أوسع في المنطقة، وفي كلتا الحالتين، يُنظر إلى هذه الهجمات كجزء من استراتيجية أوسع لإضعاف محور المقاومة، والذي يشمل حزب الله في لبنان وحماس في فلسطين، والهدف الأكبر إضعاف إيران.
إيران، التي تُعتبر حليفًا رئيسيًا لحزب الله وحماس، قدمت دعمًا عسكريًا ولوجستيًا كبيرًا لهاتين الحركتين على مدى العقود الماضية، وهذه الهجمات تعزز من دعم طهران لهاتين الحركتين كجزء من استراتيجيتها لمواجهة النفوذ الإسرائيلي والأمريكي في المنطقة، وفي الوقت نفسه، فإن الهجمات تعزز من الدعم الشعبي لحزب الله وحماس بين قواعدهما الشعبية، حيث يتم تصويرهما كمدافعين عن القضية الفلسطينية والمقاومة ضد الاحتلال.
دور الولايات المتحدة: الحليف الدائم للكيان الإسرائيلي
الولايات المتحدة، باعتبارها الحليف الأقرب للكيان، تلعب دورًا محوريًا في هذه الصراعات، و لا تقتصر المساعدة الأمريكية للكيان على توفير الأسلحة المتطورة، بل تشمل أيضًا الدعم الدبلوماسي والسياسي، وغالبًا ما تُعيق الولايات المتحدة الجهود في مجلس الأمن الدولي لإدانة الكيان الإسرائيلي أو اتخاذ إجراءات عقابية ضدها، ما يمنح تل أبيب مساحة واسعة لتنفيذ عملياتها العسكرية دون خوف من العواقب الدولية.
هذا الدعم الأمريكي الثابت، رغم الانتهاكات المتكررة للقانون الدولي، يُثير الكثير من التساؤلات حول دور الولايات المتحدة في تأجيج الصراع وزيادة معاناة المدنيين في المنطقة، كما يُشكك في نزاهة المجتمع الدولي في التصدي للجرائم التي ترتكبها الصهيونية بحق الشعبين اللبناني والفلسطيني.
الهجمات على الضاحية الجنوبية لبيروت وغزة هي جزء من نمط متكرر من العدوان الإسرائيلي الذي يعتمد بشكل كبير على الأسلحة الأمريكية المتقدمة، وهذه الهجمات، التي تؤدي إلى تدمير واسع النطاق للبنية التحتية المدنية وخسائر بشرية كبيرة، تثير تساؤلات جدية حول شرعية استخدامها بموجب القانون الدولي الإنساني.
وعلى الرغم من إدانات المجتمع الدولي، لا يزال الكيان الإسرائيلي يتلقى دعمًا غير مشروط من الولايات المتحدة، ما يمنع اتخاذ إجراءات فعالة لحماية المدنيين وإنهاء العنف، إلى أن تتم مساءلة الأطراف المسؤولة عن هذه الجرائم ومعالجة القضايا الأساسية التي تؤجج الصراع، سيظل الشرق الأوسط عرضة لمزيد من الدمار والمعاناة الإنسانية.