الوقت - تزداد العقد الأمنية للکيان الإسرائيلي يوماً بعد يوم مع استمرار الحرب في غزة، وفي هذا السياق، ربما يكون نتنياهو نفسه، كما يعتقد معارضوه، أكبر مشكلة أمنية للأراضي المحتلة وسكانها، ويبدو أن نتنياهو يرى أن أقرب جبهة حرب ليس أمام حزب الله أو إيران، بل في الداخل.
منذ بداية حرب غزة في ال 7 من أكتوبر 2023، واجه نتنياهو ثلاث جبهات رئيسية: الجبهة الأولى هي غزة، حيث فشل اليمين المتطرف في تحقيق أهدافه المعلنة بعد مرور عشرة أشهر، وهي تدمير حماس وتحرير الأسرى ونزع سلاح غزة.
ورغم تدمير غزة، لم يتمكن الصهاينة من تحرير أسراهم، ولم ينجحوا في اكتشاف الأنفاق، ولم يتمكنوا من منع عمليات حماس الصاروخية ضد الأراضي المحتلة.
وفي الجبهة الثانية، في المناطق الشمالية وفي المعركة مع حزب الله اللبناني، لم يحقق الصهاينة أي تقدم يذكر في وقف المقاومة، رغم تهديداتهم المتكررة بشن حرب واسعة ضد لبنان.
فلا يزال الشمال المحتل يتعرض للقصف الصاروخي والمدفعي واختراق طائرات حزب الله المسيرة، في ظل عدم فعالية نظام القبة الحديدية المكلف، وقد تم إطلاق أكثر من 6000 صاروخ وقذيفة على هذه المناطق حتى الآن، ما أدى إلى خسائر فادحة بين الجنود، وفرار أكثر من 70 ألف مستوطن من منازلهم.
وبالتالي، أدت الهزائم المتتالية للجيش الإسرائيلي في الجنوب والشمال أمام جماعات المقاومة، إلى توسيع موجة الانتقادات داخل الأراضي المحتلة يوماً بعد يوم، ولا يمرّ يوم دون أن تنظم عائلات الأسرى احتجاجات ضد حكومة نتنياهو.
كما صعّد قادة المعارضة، الذين يبحثون عن فرصة للإطاحة بنتنياهو، من معارضتهم ويطالبون باستقالة رئيس الوزراء، بالإضافة إلى ذلك، يواصل المتطرفون، الذين يعتبرون أنفسهم منفصلين عن بقية المجتمع الصهيوني، تأجيج الانقسامات باستمرار.
وفي أحدث تطور الأسبوع الماضي، هاجم عدد من المتطرفين، بتوجيه من إيتمار بن غفير وزير الأمن الداخلي، ثكنةً للجيش في منطقة "بيت ليد"، احتجاجاً على محاكمة جنود قاموا بتعذيب أسرى فلسطينيين في غزة، وهو ما يعتبره المحللون الصهاينة مقدمةً لحرب أهلية.
كما تصاعد الخلاف في الأسابيع الأخيرة بين نتنياهو وقادة الجيش حول استمرار الحرب في غزة، حيث يطالب الوزراء المتطرفون بمواصلة القتال، بينما يدعو المسؤولون الأمنيون إلى وقف الاشتباكات.
فمن وجهة نظرهم، تدمير حماس أمر مستحيل، وبسبب استنزاف قوات الجيش، فإن استمرار الحرب لن يجلب سوى الخسائر والتكاليف للصهاينة. وقد اعترف الجيش مؤخراً، ما زاد من حدة الاحتجاجات، بأن أكثر من 10 آلاف جندي صهيوني قد قتلوا أو جرحوا في غزة.
وفي المقابل، يقال إن نتنياهو قد بدأ في التخطيط لإقالة غالانت وزير الحرب وقائد الجيش، وقد أدى مجموع هذه التطورات الداخلية إلى فتح جبهة تهديد أخرى ضد حكومة نتنياهو، ليس من إيران أو حزب الله، بل من داخل الأراضي المحتلة.
الكفاح للنجاة من الضغط الداخلي
في ظل هذه الأجواء، حيث تتزايد الضغوط على نتنياهو من ثلاثة اتجاهات، قرّر اللجوء إلى خيار انتحاري لتوسيع نطاق الحرب إقليمياً، وإدخال الولايات المتحدة مباشرةً في المعركة، وذلك للهروب من هذا الوضع وإفشال محادثات وقف إطلاق النار.
وكان اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس، في طهران أحد هذه الإجراءات المثيرة للتوتر، التي نفّذها نتنياهو الأسبوع الماضي، ومن المحتمل أن تعكس عمليات الاغتيال الأخيرة في بيروت وطهران، المحاولات الأخيرة لنتنياهو والمؤسسة الأمنية الإسرائيلية لاستعادة قوة الردع، وكسب تأييد قادة الجيش لخطط مجلس الحرب.
لكن مسار الأحداث لم يسر كما توقع نتنياهو، ويرى معظم الصهاينة أن احتمال انتقام إيران وحزب الله، هو خطوة متهورة أخرى قد تكون تكاليفها الأمنية أكبر من مكاسبها.
ووفقاً لتقارير وسائل الإعلام العبرية، فإن الخوف من انتقام إيران في الأراضي المحتلة، قد أثار قلق المستوطنين بشدة، وتم تفعيل جميع الملاجئ تحت الأرض لحماية الصهاينة، وقد وصف يائير لابيد، زعيم المعارضة، حالة الفوضى في الأراضي المحتلة بشكل جيد، منتقداً نتنياهو قائلاً: "منذ أيام وإسرائيل بأكملها جالسة تنتظر من سيقصفنا، لأننا فقدنا قوة الردع".
وبالتالي، فإن اغتيال هنية بهدف تحقيق إنجازات في حرب غزة، لم يتمكن من تخفيف الضغوط الداخلية على الحكومة، بل أدى إلى اتساع نطاق الاحتجاجات ضد نتنياهو بسبب تصاعد انعدام الأمن.
المعارضون الداخليون يطالبون منذ أشهر بوقف الحرب في غزة لاستعادة أسراهم، لكن اغتيال هنية وجّه الضربة القاضية لمفاوضات وقف إطلاق النار، ومدّد الحرب لفترة غير محددة.
وفي استطلاعات الرأي الأخيرة، لا يزال حزب لابيد يتمتع بموقف أفضل بين سكان الأراضي المحتلة، وإذا أجريت انتخابات مبكرة، فستكون نهاية الحياة السياسية لنتنياهو والمتطرفين الذين جعلوا الأراضي المحتلة غير آمنة.
ولذلك، على الرغم من أن نتنياهو قد يكون نجح في تخفيف حدة الجبهة الداخلية على المدى القصير، وذلك من خلال اغتيال قادة المقاومة في لبنان وإيران، إلا أن ذلك سيكون في النهاية ضد مصلحة الصهاينة على المدى الطويل.