الوقت- منذ بداية حرب غزة بين الكيان الصهيوني وحركة حماس، حسب تصريحات مسؤوليها، حاولت مصر احتواء الصراعات في غزة ومنع اتساع نطاقها، لكن مع بداية غزو الجيش الصهيوني، زاد التوتر بين تل أبيب والقاهرة ولهذا أجبرت السلطات المصرية على مراجعة سياساتها تجاه هذا الكيان الغاصب، وتعد مصر أحد الوسطاء الرئيسيين في المفاوضات بين الكيان الصهيوني وحماس، والتي تهدف إلى وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى، لكن محاولة الاستيلاء على معبر رفح أجبرت السلطات المصرية على تبني مواقف متشددة، وبالإضافة إلى وقف مفاوضات وقف إطلاق النار بشكل كامل، فقد هددت هذه الدولة بإلغاء مرور الشاحنات الإنسانية عبر رفح.
لكن هذه لم تكن نهاية القصة، فقد وضعت الحكومة المصرية يدها على نقطة ضعف هذا الكيان للضغط على تل أبيب، في الأيام الأخيرة، أصبحت التكهنات الإعلامية السابقة حول الإجراء العقابي الذي اتخذته مصر لإلغاء اتفاقية كامب ديفيد للسلام، موقفًا رسميًا وعلنيًا، وفي هذا الصدد ذكرت صحيفة "معاريف" أن السلطات المصرية أبلغت الولايات المتحدة أن على الولايات المتحدة الضغط على الكيان الصهيوني لوقف العملية في مدينة رفح والعودة إلى المفاوضات الجادة، وإلا فإن القاهرة ستلغي "كامب ديفيد"، وسيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة.
وكتبت هذه الصحيفة الصهيونية إن لهجة وسائل الإعلام المصرية قاسية وطالبت بإلغاء هذه الاتفاقية، ما دفع كبار المسؤولين الصهاينة إلى الاتصال بنظرائهم المصريين والتعرف على طبيعة المطالب وتفاصيلها، وكتبت الصحيفة إنه للمرة الأولى منذ بدء حرب غزة، تطلب مصر من سائقي شاحنات المساعدات إخلاء منطقة معبر رفح من الجانب المصري، مع الاستمرار في تعزيز الإجراءات الأمنية هناك، وهو ما يمكن أن يعزى إلى مخاوف بشأن الانفلات الأمني، يتم تفسيرها في المنطقة الحدودية.
انضمام القاهرة إلى حملة الشكوى ضد الإبادة الجماعية في غزة
وفي الجانب القانوني، اتخذت الحكومة المصرية خطوات لإظهار غضبها من تصرفات الكيان الصهيوني في رفح، وفي هذا الصدد، أعلنت مصر الجمعة الماضية أنها ستنضم إلى حملة الشكاوى التي قدمتها جنوب أفريقيا ضد "إسرائيل" في محكمة لاهاي، إن انضمام مصر لشكوى جنوب أفريقيا أمام محكمة لاهاي أمر مهم للغاية في هذا الوقت ويعتبر الرادع القانوني والدبلوماسي الأول لمصر، ويعد هذا الإجراء من جانب مصر غير مسبوق في العلاقات مع "إسرائيل"، حيث تعد هذه المواجهة القانونية الأولى بين القاهرة وتل أبيب، ما يدل على أن القاهرة سئمت من الجرائم الصهيونية في غزة، والتي تهدد أيضًا أمن مصر.
ويرى خبراء مصريون أن هذا الإجراء هو تأكيد من القاهرة على قوة موقفها الداعم لفلسطين، ويؤكد أيضا أن هذا الكيان تجاوز الخطوط الحمراء في البلاد، وحسب خبراء القانون الدولي، فإن هذا الإجراء يعزز موقف مصر القانوني، كما يشجع المزيد من الدول على الانضمام إلى قضية الإبادة الجماعية، وجاءت تحركات مصر القانونية والسياسية بعد أن هاجمت القوات الإسرائيلية الجانب الفلسطيني من معبر رفح الحدودي مع مصر وسيطرت عليه، كما توغلت الدبابات الإسرائيلية في بعض الأحياء الشرقية لرفح.
وكانت مصر أول دولة عربية توقع اتفاقية سلام مع الكيان الصهيوني عام 1979، وتعتبر هذه الاتفاقية إنجازا كبيرا للصهاينة في العالم العربي، كما وقعت مصر و"إسرائيل" اتفاقية "فيلادلفيا" عام 2005 بشأن الحدود بين مصر وقطاع غزة وإدارة معبر رفح، ويرى العديد من الخبراء القانونيين أن هذه الاتفاقيات قد تم خرقها بدخول الدبابات الصهيونية إلى حدود مصر والسيطرة على معبر رفح الأسبوع الماضي، ومن وجهة نظر المصريين فإن إعلان انضمام جنوب أفريقيا للشكوى ضد "إسرائيل" أمام محكمة العدل الدولية يهدف إلى زيادة الضغوط الدولية على الحكومة المتشددة في تل أبيب لعدم توسيع عملياتها البرية في رفح وإرسال قوة عسكرية، وهي رسالة واضحة للرأي العام المصري والعربي أن القاهرة ليست شريكة لجيش الاحتلال.
وتشعر مصر بالقلق من أن يؤدي الهجوم البري للجيش الصهيوني على رفح إلى نقل مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين يعيشون في هذه المنطقة إلى صحراء سيناء، وسيكون لهذا الأمر عواقب أمنية ومالية خطيرة على القاهرة.
ماذا في ذهن مصر؟
وقد حلل بعض الخبراء الخيارات المتاحة أمام الحكومة فيما يتعلق بالإجراءات التي قد تتخذها مصر لوقف آلة القتل الإسرائيلية في رفح، ويرى خبراء مصريون أن الأمن القومي المصري قد تم انتهاكه، وأن التقاعس والصمت في هذا الشأن سيشعل احتجاجات شعبية ضد القاهرة، ومن وجهة نظر هؤلاء الخبراء، مع إغلاق المعابر مع إيلات في الأراضي المحتلة، وإلغاء اتفاقيات السياحة مع إسرائيل، ووقف اتفاقيات تصدير الغاز من الكيان الصهيوني، وكذلك تعليق اتفاقية كويز (أي إنه يجب أن يكون للصناعيين المصريين شريك إسرائيلي) في حالة الصادرات إلى أمريكا)، فإن الاعتراف رسميًا بالمقاومة الفلسطينية ودعمها، وإتاحة مساحة للتعبير عن غضب الرأي العام والاحتجاجات ضد عدوان الكيان الصهيوني، من بين الإجراءات التي يمكن أن تستخدمها القاهرة للضغط على الاحتلال.
وعلى المستوى السياسي، يعتقد العديد من السياسيين المصريين أن اتفاقية كامب ديفيد قد تم انتهاكها، وبموجب هذا الاتفاق، وينبغي أن يكون الجانبان من الحدود خاليين من الأسلحة، لكن الإسرائيليين انتهكوا هذه الاتفاقات عمليا من خلال سيطرتهم على هذه المنطقة في الأسابيع الأخيرة، ومن وجهة نظر سياسيي القاهرة، فإن اتفاق فيلادلفيا قد تم خرقه أيضاً من خلال التحركات العسكرية للجيش الإسرائيلي في رفح، ولذلك، قال بعض المسؤولين المصريين السابقين إن على الحكومة تعليق اتفاقية كامب ديفيد وتقديم شكوى ضد الكيان الصهيوني في المحكمة الدولية.
أوراق في يد مصر
تحدثت قناة "بي بي سي" لعدد من الخبراء حول الأوراق التي تملكها مصر للضغط على "إسرائيل" لإنهاء عمليتها العسكرية في رفح، وتنوعت تلك الأوراق بين سياسية، واقتصادية، دبلوماسية، قانونية، ثم الورقة الأهم والأكثر تأثيرا .... اتفاقية السلام.
سياسيا، رفضت مصر التعاون مع "إسرائيل" بعد سيطرة الأخيرة على معبر رفح، إذ تصر القاهرة على أن يبقى المعبر "مصريا فلسطينيا" وأن تُخلي القوات الإسرائيلية محيطه وتُنزل العلم الإسرائيلي من عليه، حتى الأسبوع الماضي، كان يمثل معبر رفح الحدودي الشريان الرئيسي لدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة المحاصر، وخروج المرضى والمصابين الفلسطينيين، والمسافرين، ويقول مستشار المركز المصري للفكر والدرسات محمد مجاهد الزيات إن هدف مصر من رفض دخول المساعدات عبر رفح"هو عدم إعطاء الشرعية للوجود الإسرائيلي على المعبر، وأيضا لكي لا تستولي "إسرائيل" على المساعدات وتوزعها على المناطق أو الأماكن التي تريدها وتتجاهل الأمم المتحدة والأونروا".
من بين الأوراق السياسية التي استخدمتها مصر، علاقاتها بدول كالولايات المتحدة وأوروبا للضغط على "إسرائيل" للاستجابة "لرغبات القاهرة"، وكذلك يرى مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور عبد العليم محمد أن تعليق اتفاقيات التبادل التجاري والاقتصادي مع "إسرائيل" ربما يمثل خطوة قادمة إن اختارت مصر التصعيد، ويقول عبد العليم " يمكن لمصر أن تراجع الاتفاقيات مع "إسرائيل" وعلى رأسها اتفاقية الكويز، كما يمكن أن توقف العمل بها، أو تعمل على تجميد أي علاقات اقتصادية ومنها مسألة تصدير واستيراد الغاز".
ووقعت مصر والولايات المتحدة و"إسرائيل" اتفاقية الكويز عام 2004 والتي تتيح للمنتجات المصرية الدخول للسوق الأمريكية معفاة من الجمارك بشرط احتوائها مكونا إسرائيليا، وأحد أهم الأوراق التي تملكها مصر هي الورقة الدبلوماسية، من خلال دراسة تخفيض تمثيلها الدبلوماسي في تل أبيب، ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية عن مسؤول مصري، قوله إن مصر تدرس خفض مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع "إسرائيل" من خلال سحب سفير البلاد في تل أبيب، في ظل توتر العلاقات بين الجارتين على إثر العمليات العسكرية الإسرائيلية في مدينة رفح الفلسطينية.
لكن استبعد العقيد السابق في الجيش الإسرائيلي د. موشي إلعاد سحب مصر لسفيرها من تل أبيب أو تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي، وقال "مصر لن تقدم على إجراءات حادة كتلك، فالعلاقة بين البلدين استراتيجية، والإبقاء على قنوات الاتصال مفتوحة، أمر مهم للغاية لكل منهما"، وتطلب مصر، حسب مراقبين، بإدارة فلسطينية لمعبر رفح من جانب غزة بإشراف أممي أوروبي، كما تطلب وقف أي عملية عسكرية في رفح ووقف تهجير الفلسطينيين من أراضيهم وأن تتفاوض "إسرائيل" بشكل أكثر جدية للوصول لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.