الوقت- الإعلان أمس الأول رسميا في الولايات المتحدة عن تشكيل أول تحالف منظماتي مدني معاكس ومضاد لمنظمة “إيباك” الشهيرة المناصرة ل"إسرائيل" قد يكون برأي مراقبين ومؤسسين للحراك الجديد بمثابة أول لبنة في بناء مؤسسي جديد مناهض للنفوذ الإسرائيلي وسط المؤسسات والمجتمع الأمريكي.
الخطوة الجديدة والمثيرة تم الإعلان عنها تحت لافتة التنديد بحرب الإبادة على غزة التي وفرت فرصة التشكل ثم الإعلان وبعد ما لا يقل عن عامين من التشاور والحديث عن إطار مؤسسي يمثل نحو 25 مؤسسة ومنظمة أمريكية لمواجهة النفوذ السياسي والمالي لمنظمة اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة “إيباك”.
في مرحلته الأولى يهدف التحالف إلى مواجهة منظمة “أيباك” المنخرطة بشكل كبير في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي إضافة لقيامها بتجنيد مرشحين لتحدي أعضاء الكونغرس الديمقراطيين التقدميين الحاليين حيث رصدت المجموعة الصهيونية ما لا يقل عن 100 مليون دولار للإنفاق على سباقات 2024، وتُعتبر أيباك القوة الرئيسية ضد التقدميين في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي وسجلت قانونيا لجنتين للعمل السياسي وأنفقت الملايين على السباقات السياسية ونجحت في إسقاط مرشحين تقدميين.
اسم التحالف الجديد “رفض ايباك” ويقول أحد المؤسسين، إنه إطار حملة تشكّلت قبل نحو عام لكنها توسعت الآن باهداف جديدة وعضوية منظمات اضافة للعضوية الفردية، وتشمل عضوية المنظمات مؤسسات فاعلة بما في ذلك حزب العدالة الديمقراطي، وحزب العائلات العاملة، وحركة IfNotNow ، والصوت اليهودي من أجل السلام، ويخطط التحالف للتنظيم ضد أيباك عبر المجالات الانتخابية والسياسية والرقمية، ويدعو أحد جوانب الخطة إلى حملة إنفاق انتخابي مكونة من سبعة أرقام للدفاع عن أعضاء الكونجرس المستهدفين من قبل “أيباك”.
وصدر الاثنين الماضي بيان صحفي للإعلان عن التحالف المستحدث قائلًا إنه سيعمل على “تنظيم الناخبين الديمقراطيين والمسؤولين المنتخبين لرفض التأثير المدمر للجنة الشؤون العامة الإسرائيلية المدعومة من المانحين الجمهوريين على العملية الانتخابية التمهيدية في الحزب الديمقراطي للتأثير على سياسة الادارة تجاه فلسطين وإسرائيل".
وأشار البيان إلى أنه بتمويل من المانحين الرئيسيين لـ “أيباك”، بما في ذلك المليارديرات الجمهوريين والممولين الرئيسيين للحزب الجمهوري، كان إطلاق لجنة العمل السياسي الجديدة للوبي الإسرائيلي في عام 2021 للإنفاق لإسقاط التقدميين.
وأضاف البيان: لقد أعادت أيباك وحلفاؤها تشكيل المجال الانتخابي في الانتخابات التمهيدية الرئيسية، وغيروا ميزان القوى في الكونجرس، وفرضوا عواقب مكلفة على انتقاد الدعم الأمريكي لانتهاكات "إسرائيل" لحقوق الإنسان.
وأشار البيان إلى أن الجدل في واشنطن حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أصبح مشحوناً بشكل خاص وسط الهجوم الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، ولفت البيان على مذكرته الأصلية إلى أنه حتى عندما قضت محكمة العدل الدولية بوجوب المضي قدماً في قضية ضد "إسرائيل" بتهمة الإبادة الجماعية، فقد تعرض أعضاء الكونجرس التقدميون للهجوم لاستخدامهم هذا المصطلح أو في وقت مبكر من الحرب، لمجرد دعوتهم إلى وقف إطلاق النار.
وحذّر البيان من أن النفوذ المتزايد الذي تتمتع به “إيباك” وحُلفاؤها على سياسات الحزب الديمقراطي بات مشكلة كبيرة بالنسبة للتقدميين، وأشار البيان إلى أن المنظمات التي تدعم التقدميين في الغالب على تعتمد على المانحين بأموال صغيرة، ولا يمكنها التنافس مع صندوق حرب أيباك لكن مع ذلك، فحتى عندما تهاجم أيباك الديمقراطيين من الأحزاب اليسارية، فقد تقربت من اليمين المتطرف في الحزب الجمهوري، وفي انتخابات عام 2020، أيدت أيباك أكثر من 100 جمهوري صوّتوا لإلغاء نتائج السباق الرئاسي لذلك العام.
وأوضح البيان أنه ورغم أن المرشحين التقدميين مثل لي نجحوا في صد أيباك وحلفائها، فإن تأثيرات ذلك المروعة تمتد إلى ما هو أبعد من الانتخابات حيث تتمتع المجموعة أيضًا بنفوذ ضغط كبير في الكابيتول هيل، وتُنفق ملايين الدولارات سنويًّا على جهود الضغط
ما هي منظمة أيباك؟
منظمة أمريكية يهودية تأسست عام 1954 بغرض التأثير في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط بحيث تتفق هذه السياسة مع المصالح الإسرائيلية والصهيونية، وهذه المنظمة مسجلة كجماعة ضغط (لوبي) رسمية للقيام بمهمة الدعاية لدعم "إسرائيل" باسم الطائفة اليهودية الأمريكية، وهي في تقدير البعض من أقوى جماعات الضغط في الولايات المتحدة ومن أكثرها تأثيراً على الإطلاق.
وتقود اللجنة الإسرائيلية الأمريكية للشؤون العامة حملات الضغط من أجل دعم مواقف الحكومة الإسرائيلية ،كما تعمل على تقوية التحالف الإسرائيلي الأمريكي ومنع قيام تحالفات بين الولايات المتحدة والعالم العربي يمكن أن تضر ب"إسرائيل"، وهي تعمل أيضاً على تأكيد أهمية "إسرائيل" الاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة والغرب ، وعلى تأكيد قدرتها التي لا تضاهى على حماية المصالح الأمريكية، أو في التصدي للإرهاب الدولي-كما يزعمون- أو في مواجهة أي شكل جديد من أشكال الأخطار التي قد تظهر في هذه المنطقة الحيوية من العالم بعد سقوط المعسكر الاشتراكي، كما تؤكد أن "إسرائيل" مثل الولايات المتحدة دولة ديمقراطية، وبالتالي فهي موضع ثقة في حين أن جيرانها العرب شعوب متخلفة تحكمها نظم مستبدة وغير مستقرة.
واللجنة الإسرائيلية الأمريكية للشؤون العامة تضم في لجنتها التنفيذية رؤساء ثمان وثلاثين منظمة يهودية أمريكية كبرى ولها جهاز دائم للعمل، جدير بالذكر أن اللوبي المؤيد ل"إسرائيل" في واشنطن أو ما يعرف بلجنة العمل السياسي الأمريكية الإسرائيلية (إيباك) قوي جدا ويملك أموالا طائلة، ولذلك فبإمكانهم التأثير على الانتخابات أحيانا بتقديم مبالغ كبيرة بشكل قانوني لمرشح للكونغرس أو الرئاسة لمساعدته في الفوز بالانتخابات إذا رأوا أن هذا المرشح يمكن أن يكون مؤيدا ل"إسرائيل"، أو بإمكانهم تقديم أموال لمرشح آخر في محاولة لهزيمة مرشح منافس يرون أنه غير متعاطف مع "إسرائيل" ، وربما يكفي للدلالة على ذلك أن نعرف أن أيباك قد قدمت ستة مليارات ونصف في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2000 ومررت 100 قرار يدعم الكيان الصهيوني في عام واحد.
وعلى الرغم من أن أيباك قد لا تنجح دائما في مساعيها هذه بيد أن المرشحين السياسيين يدركون نفوذ أيباك ولذلك يحاولون تجنب تعكير صفو العلاقة معها، فقد ذكرت مجلة التايمز أن الحصول على دعم اللوبيات اليهودية أمر ضروري لكل من يرغب في بناء مستقبله السياسي" في الولايات المتحدة.
كيف أثّرت حرب غزة في الانتخابات؟
الإجابة لها عدة أوجه.. أولها الدعم غير المسبوق تاريخياً في إدارات الرئاسة الذي أظهره الرئيس بايدن سياسياً وعسكرياً وأمنياً، فزيارته لتل أبيب منذ اليوم الأول للحرب ومشاركته في اجتماع مجلس الحرب وتبنّيه نفس الموقف الإسرائيلي ونفس المقولات والمبررات التي تتبنّاها حكومة بنيامين نتنياهو بتوصيف حماس «حركة إرهابية»، وتبرير عمليات القتل والتدمير وأن الحرب الإسرائيلية هي «للدفاع عن النفس»، وإرسال بوارجها وحاملات طائراتها وتزويد" إسرائيل" بكل الأسلحة التي تساعد على الاستمرار في خيار الحرب ومواصلة التدمير وحرب الإبادة الشاملة، وتوظيف حق «الفيتو» في مجلس الأمن ضد كل مشروعات القرارات التي طالبت بوقف الحرب، والزيارات العديدة والتي لم تحدث من قبل لوزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن والتي تصل لست زيارات معلنة مؤكداً خلالها دعمه المطلق للموقف الإسرائيلي، إلى جانب زيارات ولقاءات وزير الدفاع لويد أوستن وعدد من النواب المتعاطفين مع "إسرائيل"، والموقف الأمريكي من قرار محكمة العدل الدولية الذي أعلنته مندوبة أمريكا في مجلس الأمن والتي وقفت في وجه أي مشروع قرار يطالب بوقف الحرب تنفيذاً لقرار المحكمة.
هذه المواقف كانت حرب غزة مفسرة لها،زوهناك جانب آخر لتداعيات هذه الحرب مناقضة للموقف الرسمي الأمريكي ورافضة لهذه الحرب، وداعية لوقفها، وذلك في المسيرات العديدة التي قامت بها الجاليات العربية والإسلامية في معظم المدن الأمريكية، وفي مواقف عدد من أعضاء الحزب الديمقراطي في الكونغرس ومواقف بعض الإعلاميين وإن كانت محدودة، ولكنها تثير تساؤلات عن موقفها من التصويت في الانتخابات، والأكثر احتمالاً هو تصويتها السلبي الذي قد يعمل لمصلحة المنافس القوي ترامب.