الوقت - إن استمرار الکيان الصهيوني في الإبادة الجماعية في قطاع غزة، والتي ينفذها في ظل صمت بعض الأنظمة العربية، أدى إلى اتساع الفجوة بين الرأي العام والحكومات العربية.
فبينما بذل المسلمون في كل أنحاء العالم قصارى جهدهم لدعم الشعب الفلسطيني خلال الأشهر الستة الماضية، لعب الشعب الأردني في هذه الأثناء دوراً خاصاً في الاحتجاجات الشعبية ضد العدوان الصهيوني، بسبب قربه من الأراضي المحتلة وعلاقات الدم.
ورغم أن الحكومة الأردنية، بصفتها حارسة المسجد الأقصى، أعلنت بوضوح خلال ستة أشهر معارضتها لاستمرار قتل وتهجير أهل غزة في عدوان الکيان الصهيوني، وأطلقت حملةً دبلوماسيةً نشطةً لمنع التهجير القسري لسكان غزة أو الضفة الغربية، لكن شعب هذا البلد يريد من حكامه اتخاذ المزيد من الإجراءات الجدية لوقف آلة القتل الإسرائيلية في غزة.
کما نظم الأردنيون، يوم الجمعة الماضي، لليوم الثالث عشر على التوالي، تظاهرةً أمام سفارة الكيان الصهيوني في عمان، وطالبوا بقطع العلاقات الدبلوماسية مع هذا الکيان، ويطالب الشعب الأردني بإنهاء اتفاقية "وادي عربة" لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، وما نتج عنها من اتفاقيات.
وأعلن المتظاهرون دعمهم للفلسطينيين المحاصرين في غزة، وطالبوا الدول العربية بدعم الشعب الفلسطيني، والشعارات الشعبية الداعمة لفلسطين تتغير، والمتظاهرون يعتبرون صمت حكامهم على إبادة غزة، خيانةً لقضية القدس.
الحرب الحالية في غزة جعلت الأردن يشعر بخطورة تغيير المعركة، وخاصةً أن الکيان الصهيوني، الذي يتمتع بدعم عسكري وسياسي من الولايات المتحدة، لا يدخر أي جريمة من شأنها تدويل الأزمة ووضع منطقة غرب آسيا في حالة من الفوضى.
ويعتبر الأردن نزوح سكان غزة مقدمةً لإنهاء القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار، وخاصةً مصر والأردن، ويعارض هذه القضية بشدة، لأن وصول ملايين الفلسطينيين الجدد إلى الأردن، سيزيد من تفاقم مشاكل البلاد الأمنية والاقتصادية.
يتعامل الأردن مع قضية فلسطين في سياق حسابات سياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية وديموغرافية معقدة، ويتحدد موقفه بعدة عوامل يمكن أن يكون لها تأثير كبير على عملية حرب غزة.
وقد جعلت هذه القضية التطورات في هذا البلد موضع متابعة بقلق بالغ من قبل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وفي هذه الأثناء فإن السؤال المطروح هو، ما هي احتمالات أن يصبح الأردن بوابة أزمة جديدة للكيان الصهيوني؟
احتجاجات الأردنيين بسبب قرابة الدم
يختلف نوع الاحتجاجات المناهضة للصهيونية في الأردن، مقارنةً بالدول العربية الأخرى، فحوالي 60% من الشعب الأردني هم من اللاجئين الفلسطينيين، الذين هاجروا إلى هذا البلد في السنوات الأولى لاحتلال فلسطين من قبل الصهاينة، وتربطهم علاقات دم مع سكان غزة والضفة الغربية، ولهذا السبب، فإن قتل الفلسطينيين في غزة أضرّ بالأردنيين أكثر، وهو ما يستحضر في أذهانهم جرائم الأيام الأولى للاحتلال.
ولا يمكن للفلسطينيين في الأردن، الذين فقدوا منازلهم، أن يتسامحوا مع إعادة تهجير أكثر من مليوني شخص يعيشون في غزة، لأن هذا الإجراء هو مقدمة للاحتلال التدريجي لكامل الأرض الفلسطينية، وهو ما يتعارض مع رغبات الشعب الفلسطيني، ورغبة اللاجئين المستمرة منذ عقود في العودة إلى وطنهم.
لقد أصبح الشعب الأردني، مثله مثل فصائل المقاومة، يعتقد أن المهادنة والحوار مع الكيان الصهيوني لا جدوى منه، وأن المحتلين لا يفهمون إلا لغة القوة، وأغلب الفلسطينيين الذين يعيشون في الأردن لديهم ميول إخوانية، ما يجعلهم على علاقات وثيقة مع حماس والجهاد الإسلامي، كما تزايدت وتيرة الاحتجاجات الشعبية في الأردن، بعد أن طلب قادة حركة حماس من الأردنيين مؤخراً زيادة نطاق الاحتجاجات على الحدود مع الأراضي المحتلة.
وفي هذا الصدد، قال مؤسس مركز "شرافت" لدراسات العولمة والإرهاب: "إن النواة الأساسية للمتظاهرين الأردنيين هم أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وأنصارهم، لأن جماعة الإخوان المسلمين هي الوحيدة القادرة على تنظيم الشارع بهذه الطريقة".
الأردنيون يريدون قطع العلاقات الدبلوماسية مع الکيان الصهيوني، وهذا أقل ما يمكن أن يفعله رجال دولة هذا البلد لدعم الشعب الفلسطيني المظلوم، وحسب بعض الخبراء، مع اشتداد الاحتجاجات الشعبية، يقف الأردن الآن على برميل بارود، وبسبب المطالب الشعبية، فإن وضعه الأمني يزداد سوءاً يوماً بعد يوم.
قطع الشريان الاقتصادي للصهاينة
نظراً لقربه من الأراضي المحتلة، يمكن للأردن أن يلعب دوراً مهماً في توجيه التطورات السياسية والاقتصادية للکيان الصهيوني.
ويمثّل وادي الأردن أهميةً استراتيجيةً للضفة الغربية، ويعتبر مساحةً حيويةً تشكل الحدود الدولية الوحيدة للضفة الغربية مع الأردن والعالم، وتوفّر طريقاً للتجارة والسفر الخارجي للخروج من الحصار الإسرائيلي.
ونظراً لموقع الأردن الاستراتيجي بالنسبة للكيان الصهيوني، يلعب هذا البلد دوراً مركزياً في عبور البضائع التجارية عبر الممرات البرية، وبعد أن منعت جماعة أنصار الله في اليمن، دعماً لشعب غزة، مرور السفن الصهيونية عبر مضيق باب المندب، اختارت تل أبيب، بمساعدة المشيخات الخليجية، بما في ذلك الإمارات والسعودية، طريقًا بديلاً لنقل البضائع من شرق آسيا إلى الأراضي المحتلة.
تصل هذه البضائع إلى الأردن براً من السعودية، ومن هناك تذهب إلى الأراضي المحتلة، وبالتالي، إذا لزم الأمر، يمكن للأردنيين قطع الطريق الاقتصادي السريع للکيان الإسرائيلي عن طريق إغلاق ممر العبور هذا، والذي يعتبر حيوياً للصهاينة في الوضع الحالي.
إن قطع هذا الممر التجاري، عندما تكلف الحرب في غزة عشرات الملايين من الدولارات يومياً، يمكن أن يؤثر على اقتصاد هذا الکيان کثيراً، ويسبب أضراراً جسيمةً لاقتصاده على المدى الطويل.
احتمال تسليح الضفة الغربية
بسبب موقعه، حيث يقع الأردن في قلب أي مواجهة إقليمية محتملة، وبسبب حدوده مع سوريا والعراق كعضوين في محور المقاومة، فإن له دوراً ومكاناً خاصين في الترتيبات الأمنية للمنطقة.
والأردن هو السبيل الوحيد لتقديم المساعدات للضفة الغربية، التي يمكن أن تلعب دوراً مركزياً في تسليح فصائل المقاومة في هذه المنطقة المحتلة، وزعم بعض المسؤولين ووسائل الإعلام الصهيونية، في الأيام الأخيرة، أن إيران ترسل أسلحةً إلى فصائل المقاومة في الضفة الغربية، لفتح الجبهة الثانية للحرب ضد الأراضي المحتلة، لكن ليس لديهم أي وثائق ثابتة لاتهام إيران.
يبدو أن تسليح الضفة الغربية في الأشهر الأخيرة، تقوم به بعض التيارات الأردنية المؤيدة للفلسطينيين، حتى يتمكنوا من ضرب المحتلين من جبهتين، حيث إن فتح جبهة الضفة الغربية هو الهاجس الأكبر لحكومة بنيامين نتنياهو المتشددة، وإذا تمكنت الجماعات الأردنية من إيصال الأسلحة إلى المقاتلين الفلسطينيين في الضفة الغربية، فإنها تستطيع تسخين هذه الجبهة ووضع الصهاينة في معضلة أمنية.
وفي هذا الصدد، يحظى الأردنيون بدعم فصائل المقاومة الإقليمية، حيث أعلن المسؤول الأمني في كتائب حزب الله العراقية، في رسالة الأسبوع الماضي، أن المقاومة الإسلامية أعدّت تجهيزاتها لإعداد الإخوة المجاهدين في المقاومة الإسلامية في الأردن، لتلبية احتياجات 12 ألف مقاتل من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة وقاذفات مضادة للدروع وصواريخ تكتيكية، وملايين الطلقات وعدة أطنان من المتفجرات.
وأضاف المسؤول الأمني لكتائب حزب الله العراقية: "نحن جاهزون لبدء الاستعدادات، ويكفي أن يطلب مجاهدو حماس أو الجهاد الإسلامي، أولاً سنقطع الطريق البري الذي يصل إلى الکيان الصهيوني".
إذا وصلت هذه الكمية من الأسلحة إلى أيدي الأردنيين، فإن معادلة الحرب مع الاحتلال ستتغير، وسيتمكن الأردنيون من محاربة الصهاينة من خلال دخول الضفة الغربية جنباً إلى جنب مع إخوانهم.
يحاول الکيان الصهيوني، بجرائمه الجسيمة في غزة، تدمير حماس وتدمير المقاومة الفلسطينية، في حين أن الضفة الغربية قد خطت للتو على طريق الكفاح المسلح، ولم يعد من الممكن نزع سلاح الفلسطينيين.
ضرب مصالح الغرب
بالإضافة إلى كونه مهمًا بالنسبة للکيان الصهيوني، فإن الأردن أيضًا ذو أهمية متزايدة بالنسبة للغرب، وخاصةً الولايات المتحدة.
وتحاول أمريكا، التي فقدت بعض قواعدها في المنطقة، إيجاد موطئ قدم في دول حليفة أخرى لتعويض هذا النقص، حتى تتمكن من الاستمرار في وجودها في المنطقة، وقد حظي الأردن بالأولوية في الترتيبات الأمنية الجديدة للولايات المتحدة، بسبب قربه من الأراضي المحتلة.
وكتب موقع "إنترسبت" الإخباري في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، في تقرير يشير إلى نشر وحدات عسكرية أمريكية جديدة في الأردن: "نشر الجيش الأمريكي آلاف الجنود في الشرق الأوسط منذ أن هاجمت حماس إسرائيل في الـ 7 من أكتوبر، لكنه يرفض الكشف عن القواعد العسكرية أو حتى الدول المضيفة، ليس لأسباب أمنية بل لتجنب إحراج الدول المضيفة".
وحسب هذا التقرير، فإن "إحدى هذه القواعد كانت قاعدة موفق السلطي الجوية في الأردن، والتي استقبلت عدة طائرات هجومية جديدة من طراز F-15 الشهر الماضي، وهي الطائرات نفسها التي استخدمت لقصف منشآت تستخدمها الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا، والتي نفذتها الولايات المتحدة 3 مرات الشهر الماضي في مناطق سورية".
لدى الأردن مئات المستشارين الأمريكيين، وهو أحد الحلفاء الإقليميين القلائل الذين يجرون تدريبات عسكرية واسعة النطاق مع القوات الأمريكية على مدار العام، والقواعد الموجودة في الأردن ذات أهمية لوجستية لأمريكا، ويمكنها استخدام هذه القاعدة للتعامل مع التهديدات ضد الأراضي المحتلة، إذا أصبح الوضع الأمني في المنطقة حرجًا.
ولهذا السبب، نفّذت فصائل المقاومة العراقية هجمات بطائرات مسيرة على القاعدة الأمريكية في الأردن المعروفة باسم "البرج 22" في فبراير/شباط الماضي، والتي كانت مقدمةً لفتح الجبهة الأردنية ضد أمريكا.
وبما أن الأردنيين يعتبرون أمريكا السبب الرئيسي للتوتر في الأراضي المحتلة، لذلك مع الموجة المناهضة للصهيونية والمعادية لأمريكا التي بدأت، هناك احتمال أن يقوم الشعب الأردني الغاضب بطرد الغزاة الأمريكيين من خلال مواصلة الاحتجاجات والضغط على الحكومة.
وإذا رفض البيت الأبيض، فسيضعون سيناريو الكفاح المسلح على جدول الأعمال لطرد الأمريكيين، وهو الأمر الذي تقوده مجموعات الحشد الشعبي في العراق منذ عدة سنوات.