الوقت- مع دخول حرب غزة شهرها السادس والتي سقط خلالها أكثر من 100 ألف شهيد وجريح وتشريد مليوني شخص دون ماء وغذاء، يضطر المجتمع الدولي إلى التفكير في الوضع الإنساني الكارثي في غزة، بالتزامن مع تحركات مصر وقطر للتوقيع على اتفاقيات وقف إطلاق النار بين حماس والكيان الصهيوني، اجتمعت الدول الإسلامية مرة أخرى في عمل سياسي لإيجاد حل لإنهاء آلة القتل التي يمارسها الكيان الصهيوني في غزة من خلال مشاركة جهود الأعضاء.
وفي هذا الصدد، عقد الاجتماع الطارئ الثاني لمجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، مساء الثلاثاء، بمكتب الأمانة المركزية للمنظمة بجدة، وذلك لبحث وقف استمرار الأزمة وعدوان الكيان الصهيوني على سكان غزة.
وطالبت الدول الأعضاء في وثيقة القرار النهائي لاجتماع جدة بوقف فوري وشامل لإطلاق النار ووقف العدوان الهمجي للكيان الصهيوني وإيجاد ممرات آمنة لإرسال المساعدات الإنسانية إلى أهل غزة، وجاء في هذا البيان قول الدول الأعضاء: إننا نحذر من خطورة استمرار جريمة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في غزة.
وإذ يعرب عن الأسف إزاء تصرفات المطالبين بحقوق الإنسان في دعم العدوان الصهيوني، ويرحب بالإجراء الذي اتخذته جنوب أفريقيا والأمر المؤقت الصادر عن محكمة العدل الدولية، والتعاون السياسي والفني والقانوني من جانب الدول للمتابعة وإحالة قضية جرائم الكيان الصهيوني إلى المحكمة الجنائية الدولية، وكان طلب إدراج اسم كيان الاحتلال في القائمة السوداء لمنتهكي حقوق الأطفال أحد الحالات الأخرى المذكورة في هذا البيان.
ودعا البيان الدول الأعضاء إلى إرسال مساعدات إنسانية إلى غزة بالتعاون والتنسيق مع المنظمات الدولية، وخاصة مع اقتراب شهر رمضان، كما تم التأكيد على حظر تصدير الأسلحة والذخائر لكيان الاحتلال، وإلزام الأمين العام للمنظمة والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن باعتبار هذه القضية كأهم القضايا ويجب إنفاذ القرارات المتخذة، وبالإضافة إلى ذلك، أكدت هذه المنظمة معارضتها الصارمة لأي هجرة قسرية لسكان غزة.
وفي السابق، عقد وزراء خارجية الدول الأعضاء، وكذلك في 20 نوفمبر، رؤساء الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي اجتماعًا حول غزة، وكان الاجتماع الأخير هو الجولة الثالثة.
دعم إيران في منظمة التعاون الإسلامي
ورغم أن اجتماع جدة بشأن غزة عقد في إطار مهام هذه المنظمة وانتهى بإصدار بيان كما هو الحال دائما، إلا أن النقطة المهمة في هذه الجولة هي القضايا التي طرحها وفد الجمهورية الإسلامية الإيرانية لأول مرة بين أعضاء هذه المنظمة.
وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، الذي كان على رأس الوفد الإيراني، أكد على المواقف المبدئية للجمهورية الإسلامية بشأن قضية فلسطين، وقدم النقاط التالية في مذكرة رسمية كتحفظه على بعض بنود القرار.
ويذكر تحفظ الوفد الإيراني أن تأييد الجمهورية الإسلامية لأحكام قرار الاجتماع الطارئ لمجلس وزراء منظمة التعاون الإسلامي لا يعني بأي حال من الأحوال الاعتراف بالسلطة الصهيونية الحاكمة.
وتعتقد إيران اعتقادا راسخا أن الأعمال الإجرامية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في الأراضي المحتلة أثرت على جميع الفلسطينيين، ولذلك، في أي عملية صنع قرار أو تحرك سياسي ودبلوماسي حول كيفية التعامل مع جرائم الكيان الصهيوني، ينبغي أن تؤخذ في الاعتبار آراء وآمال كل الشعب والجماعات الفلسطينية.
وتجدد الجمهورية الإسلامية مواقفها المبدئية بشأن الحل الفعال والسلمي والعملي الوحيد لإحلال السلام المستدام في فلسطين، وهي المبادرة التي سجلتها إيران في الأمم المتحدة لإجراء استفتاء وطني في الأراضي الفلسطينية بمشاركة كل الفلسطينيين في الداخل والخارج.
وطلب الوفد الإيراني من أمين منظمة التعاون الإسلامي تسجيل النص الكامل لتعليقات إيران في التقرير النهائي للاجتماع وإتاحته لجميع الدول الأعضاء.
الجمهورية الإسلامية لا تعترف بحق الصهاينة
تحفظات إيران في منظمة التعاون الإسلامي لا تتعلق بالحرب الحالية في غزة، لكن منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، أعلنت الجمهورية الإسلامية بوضوح مواقفها المبدئية تجاه الصراع الفلسطيني والكيان الصهيوني، واستمرت في التمسك بهذه المبادئ في دعم الشعب الفلسطيني.
وبعد بدء الحرب في غزة بعد العملية التاريخية لاقتحام الأقصى، عادت فكرة "حل الدولتين" إلى واجهة التحركات الدبلوماسية للدول العربية والغربية، وتتعلق المناقشات الرئيسية بقضية ومستقبل غزة بعد الحرب، حيث تناقشت هذه الأطراف حول هذا المحور، وهي خطة لم ترفع إلا شعارا حتى الآن ولم تسفر عن نتيجة سوى استمرار احتلال الكيان الصهيوني ومزيد من القتل للشعب الفلسطيني.
ومن وجهة نظر الجمهورية الإسلامية، فإن الكيان الصهيوني موجود كمحتل للأرض الفلسطينية، والذي اغتصب بمساعدة الدول الغربية أرض الفلسطينيين، ولا يملك صلاحية إقامة دولة يهودية، والموافقة على هذه الخطة تعني الاعتراف بالكيان المغتصب للقدس والتأكيد على أنه على حق وأن القرار النهائي بشأن مصير هذه المنطقة يجب أن يتم تحديده على أيدي أصحابها التاريخيين وسكانها (وخاصة ملايين اللاجئين الفلسطينيين في كل العالم) وليس عن طريق فرض أجنبي.
إن فكرة الدولتين، التي طرحها الغربيون في أوقات التوتر، وخاصة في الأشهر الأخيرة، ولا يؤمنون بها من حيث المبدأ، تعطي للصهاينة الحق في تحديد السيادة والأرض، ويمكنهم الاستمرار في العيش في المنازل التابعة للشعب الفلسطيني، وتابع بعبارة أخرى، يجب على الفلسطينيين أن يتنازلوا عن معظم أراضيهم وأن يسلموها إلى المحتلين الذين قتلوا مئات الآلاف من الأشخاص وشردوا ملايين آخرين، وهذا الإجراء يعني القبول بالحق القانوني للصهاينة في الأرض الفلسطينية، الذين أسسوا وجودهم الوهمي على أنقاض القدس بادعاءات تاريخية.
وحسب اعتقاد الجمهورية الإسلامية فإن حل الحكومتين في الأراضي المحتلة هو قصة "البنزين والنار" التي لا يمكن أن تتعايش بسلام أبدا، وبالتالي فإن تقسيم السلطة في الأراضي المحتلة لن يؤدي إلا إلى فظائع ضد الفلسطينيين، وترك الظروف للقمع المستمر لأن كل الفلسطينيين يريدون طرد المحتلين والعودة إلى ديارهم التي اغتصبت منهم بالقوة.
من وجهة نظر الجمهورية الإسلامية، ليس للكيان الصهيوني الحق في إنشاء ممتلكات لنفسه وتشكيل حكومة على أرض فلسطين، وكل المحتلين هم مهاجرون قدموا إلى فلسطين من أراضٍ أخرى ويجب عليهم العودة إلى بلدانهم، ويجب ترك القدس لأصحابها الأصليين.
هذا في حين أن العديد من الدول، وخاصة الاعتدال العربي الذين يرددون شعار نصرة الأمة الفلسطينية، يعتقدون أنه ينبغي تشكيل حكومة، مهما كانت ضعيفة، يتمتع فيها الفلسطينيون بالحد الأدنى من الحقوق حتى ينتهي هذا الصراع طويل الأمد، حتى يتمكنوا بسهولة ودون قلق من المضي في تطبيع العلاقات مع تل أبيب.
منذ الإعلان عن وجوده الوهمي، يحتل الكيان الصهيوني 85% من الأراضي الفلسطينية، وإذا منح المجتمع الدولي هذا الحق القانوني لهذا الكيان مع حل الدولتين، فإنه سيشرعن بلا شك احتلاله وجرائمه ومساره، وسوف يستمر في السعي للحصول على الأرض، فمنذ بدء عملية اقتحام الأقصى، وافقت حكومة بنيامين نتنياهو المتشددة على خطة تطوير المستوطنات في الضفة الغربية، ولم يحدد هذا الكيان قط حدودًا رسمية ودائمة لنفسه، وقد يثبت هذا الكيان مطالبته بإقليم من النيل إلى الفرات، ما يهدد أيضًا سلامة أراضي الدول المجاورة.
إجراء الاستفتاء هو الحل الوحيد لإنهاء الصراع الفلسطيني
تعتقد الجمهورية الإسلامية أن المستقبل السياسي لفلسطين يجب أن يتم تحديده من خلال الاستفتاء، ويجب أن يكون جميع الفلسطينيين، بما في ذلك المقيمين الحاليين وأولئك الذين هاجروا إلى بلدان أخرى في العقود السبعة الماضية، قادرين على المشاركة فيه والتعبير عن آرائهم في هذا الاستفتاء حول مصيرهم، وحسب المرشد الأعلى، "أي قرار سيتخذه الفلسطينيون، سواء بالبقاء هناك أو المغادرة، أو رحيل بعضهم وبقاء البعض الآخر، سيكون مقبولاً من قبل المجتمع الدولي".
وما تقبله إيران هو إجراء انتخابات حرة في كامل الأرض الفلسطينية المحتلة، وليس في جزء منها، وتتكون خطة إيران المذكورة من أربع مراحل رئيسية هي: "ممارسة حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم التاريخية، وإجراء استفتاء وطني بين الشعب الفلسطيني الذي عاش في فلسطين قبل وعد بلفور، وتشكيل النظام السياسي الذي تريده غالبية الشعب الفلسطيني، إن فلسطين غير الأصلية يتم اختيارها من قبل النظام السياسي للأغلبية، ويجب على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إعداد الاستعدادات لإجراء هذا الاستفتاء".
مواقف إيران الواضحة ترتكز على ميثاق الأمم المتحدة الذي أعطى حق تقرير المصير لجميع الأمم، لكن ما يحدث في الأراضي المحتلة يخالف هذا الميثاق، كما أغمض المطالبون الكاذبون بحقوق الإنسان أعينهم عن ذلك، لقد ساعدت هذه القضية في العقود الثمانية الماضية على استمرار احتلال "إسرائيل" لفلسطين، ولذلك، وإلى أن يُمنح الشعب الفلسطيني حق تقرير المصير، فإن هذا الصراع سيستمر وستشتد جرائم الصهاينة.