الوقت- نعلم جميعا أن هذه المأساة يمكن أن تكون نقطة التحول في حرب غزة وتغير قواعد اللعبة بشكل كبير على حساب الكيان الصهيوني، وإن القتل الجماعي الأخير للفلسطينيين على يد العدو أضاف جوانب جديدة إلى حرب غزة ولديه القدرة على تغيير مسار هذا الصراع بالكامل، وخاصة بعد هجوم الصهاينة العسكري على الفلسطينيين الذين تجمعوا حول شاحنات المساعدات الإنسانية لتلقي المواد الغذائية، بما يذكر بأحداث عام 1996 في مدينة "كفر كنا" شمال الأراضي المحتلة؛ حادثة اضطر فيها النظام الصهيوني إلى إنهاء عملية "شمعات الغضب" في جنوب لبنان نتيجة قتل مدنيين، وبالطريقة نفسها، يمكن أن تؤثر "مجزرة الرشيد" على مسيرة حرب غزة، من خلال زيادة الضغوط الدولية على النظام الصهيوني من الخيارات المتاحة لتل أبيب أكثر من ذي قبل.
الكيان مجرم خطير
المأساة الأخيرة تؤكد الواقع المرير الذي يتعامل معه الفلسطينيون في غزة؛ بطريقة أدت الظروف القاسية الناجمة عن الصراعات إلى جعل مئات الآلاف من الأشخاص عرضة للخطر وبحاجة إلى المساعدات الإنسانية، والمأساة الأخيرة، التي أدت حسب مصادر فلسطينية إلى استشهاد أكثر من 100 مدني فلسطيني، تؤكد ضرورة معالجة الأزمة الإنسانية في غزة، واعترفت وسائل الإعلام العبرية بأن الخسائر البشرية الضخمة في صفوف المدنيين في هجمات النظام الصهيوني، بما في ذلك مقتل عشرات الآلاف من الأطفال والمراهقين، تظهر النظام الصهيوني باعتباره المعتدي الرئيسي في هذا الصراع.
وبالإضافة إلى ذلك، إن عواقب هذا الحادث تجاوزت حدود غزة وأثارت غضب المجتمعات الإسلامية والعربية في جميع أنحاء العالم، ومع اقتراب شهر رمضان المبارك، هناك احتمال لزيادة التوترات وانتشار الاضطرابات إلى مناطق أخرى، بما في ذلك الضفة الغربية، وإن "إسرائيل" ليس لديها سيطرة حقيقية على هذه الحالة الفوضوية من غزوها، كما أن جيش الاحتلال الإسرائيلي لا يملك القوة الكافية للسيطرة على الشؤون المدنية في كل أنحاء قطاع غزة، وأي صراع طويل الأمد مع سكان غزة قد يؤدي إلى المزيد من المآسي نتيجة الإجرام الإسرائيلي.
أيضا، إن دور المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة، مهم للغاية في هذه التطورات، ولطالما كانت واشنطن داعمة للنظام الصهيوني، لكن الأحداث الأخيرة أدت إلى توتر العلاقات بين واشنطن وتل أبيب، وتشير الانتقادات المتزايدة لطريقة تعامل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الصراع، إلى جانب المخاوف من تراجع الدعم لهذا الكيان بين الأجيال الشابة، إلى ضرورة قيام الولايات المتحدة بمراجعة سياساتها تجاه تل أبيب.
وبسبب هذه التطورات يواجه نتنياهو ضغوطا متزايدة لمعالجة الأزمة الإنسانية في غزة وإيجاد حل لهذا الصراع، وقد سلطت المأساة الأخيرة الضوء على الحاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمنع وقوع المزيد من الضحايا وتخفيف معاناة سكان غزة، وإذا منعت تل أبيب التوصل إلى اتفاق (مع حماس)، فقد يعلن بايدن بوضوح أن نتنياهو مسؤول عن هذا الفشل، والاحتمال الآخر الذي لا يمكن استبعاده هو أن واشنطن لن تستخدم حق النقض بعد الآن ضد القرارات المناهضة لـ"إسرائيل" في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وحذر بايدن علناً هذا الأسبوع من أن الحكومة الإسرائيلية قد تفقد الدعم العالمي إذا واصلت سياستها المثيرة للحرب.
نتنياهو في طريق النهاية
تنخفض شعبية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وفريقه الحكومي بشكل كبير بعد الهجوم الذي نفذته قوات المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس في الساعات الأولى من يوم 7 أكتوبر الجاري، حيث استهدفوا المستوطنات الإسرائيلية في قطاع غزة وأسروا عشرات الإسرائيليين، ويُعتبر هذا الهجوم فشلاً استراتيجياً للكيان الإسرائيلي ولقواته المعروفة بـ"الأسطورية"، وقد شهدت المناطق السكنية في قطاع غزة بعد ذلك اجتياحًا وحشيًا من قوات الاحتلال الإسرائيلي، استمر من 7 أكتوبر إلى 24 نوفمبر، ثم استأنفت يوم الجمعة 1 ديسمبر بعد انقطاع دام أسبوعًا.
وفي الأراضي المحتلة، شهدنا ضغطًا متزايدًا لإعادة الأسرى الذين تحتجزهم الفصائل في قطاع غزة، حيث تجمع عشرات الآلاف في تل أبيب للمطالبة بإطلاق سراحهم، وتقدر السلطات الإسرائيلية عدد الأسرى المتبقين بحوالي 137 أسيرًا بعد عملية التبادل في قطاع غزة لكن كثيرين منهم قتلوا بقصف جيش الاحتلال، ووفقًا للتقارير الإعلامية وتصريحات مسؤولين إسرائيليين، فإن شروط المفاوضات حول الأسرى الإسرائيليين لدى حركة حماس مرتبطة بوقف الحرب على غزة بشكل كامل، وهو ما يرفضه الكيان الإسرائيلي، وفي الوقت نفسه، يعقّد تعنّت الكيان الإسرائيلي السبل الممكنة للمفاوضات.
من ناحية أخرى، تواجه عائلات الجنود الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس معاناة متزايدة، حيث يظهر عدم اهتمام نتنياهو بإعادتهم، ما دفع بالعديد منهم لاتهامه بأنه قاتل لأبنائهم، تبدو حماس مستعدة للتفاوض من أجل وقف العدوان، لكن تل أبيب ترفض ذلك، ما يعقد المفاوضات، وإن تصريحات نتنياهو ومسؤوليه تثير استياء العائلات، وخاصة بعد عرض مشاهد تدمير الآليات العسكرية التي كانت تستخدمها قواتهم، ويظهر هذا الوضع تجاهل نتنياهو للجانب الإنساني للقضية، ويشير إلى النقمة الشخصية بسبب خسارة شقيقه يوناتان في حرب عام 1976، هذه الرسائل تعزز استراتيجية حماس الإعلامية والنفسية، ما يعتبر تحولًا استراتيجيًا في الصراع.
وإن هذه الاستراتيجية الجديدة، تظهر فشل حكومة الحرب الإسرائيلية بشكل واضح، حيث عبر الوزراء عن اشمئزازهم من الوضع، ويبدو أن تل أبيب تتجه نحو الاتفاق رغمًا عنها، بعد حرب غزة وتبعاتها، ما يعني أن نتنياهو لا يواجه نهاية قريبة بل انتهى، فالإسرائيليون يعيشون تجربة تظهر لهم أن الحرب هي عقبة كبيرة في طريقهم، وخاصة مع تأثير الأحداث والصور التي ينشرها الجانب الفلسطيني، وخاصة فصائل المقاومة، على الرأي الإسرائيلي.
وعلى هذا الأساس، تنتشر مشاهد القصف الإسرائيلي العنيف على العزل لتؤثر في الرأي العام العالمي، وخاصة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي تنقل هذه الرسائل بسرعة كبيرة، وهذا يعزز فشل حكومة الحرب الإسرائيلية، ما قد يؤدي إلى تفاقم الوضع السياسي والعسكري داخل الكيان، وبالتالي إن فشل نتنياهو في تحقيق أهدافه وفشله في إدارة الحرب زادا من الضغوط عليه، والدعوات لإقالته تتزايد.