الوقت- خلف ستار التحالف بين السعودية والإمارات تكمن منافسة خفية، منافسة يحاول فيها البلدان تولي قيادة العالم العربي، ورغم أن السعودية والإمارات تواجدتا معاً في العديد من الأحداث، إلا أن خلف ستار هذا التحالف هناك تنافس، حيث تحاول كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تولي قيادة العالم العربي، وتتنافسان مع بعضهما البعض على عدة جبهات جيواقتصادية.
أولا وقبل كل شيء، هناك منافسة لجذب رأس المال الأجنبي، ومن عام 2012 إلى عام 2022، بلغت نسبة الاستثمار في الإمارات العربية المتحدة إلى الناتج المحلي الإجمالي 3.5 أضعاف نظيرتها في المملكة العربية السعودية؛ وهذا يعني أن دولة الإمارات العربية المتحدة اجتذبت رؤوس أموال أكثر بـ 3.5 مرات من المملكة العربية السعودية مقارنة بحجم اقتصادها، ومن ناحية أخرى، تسبب ارتفاع أسعار النفط نتيجة الحرب في أوكرانيا في نمو الاقتصاد السعودي بنسبة 8.7%، وهو أعلى نمو مسجل بين دول مجموعة العشرين.
وفي مجال الطاقة، دخلت الرياض وأبو ظبي في صراع جديد صيف 2021 حول خطة السعودية المقترحة في أوبك+، والتي تدعو إلى تمديد تخفيضات إنتاج النفط، وكانت الإمارات العربية المتحدة ضد هذه الخطة، وعلى الرغم من توصل الأطراف في النهاية إلى حل، فقد ترددت شائعات لاحقًا بأن أبو ظبي كانت ضد هيمنة المملكة العربية السعودية على أوبك + وكانت تفكر في مغادرة أوبك. وتخوض كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة منافسة على المكانة العالمية وتستخدمان استثمارات استراتيجية لزيادة قوتهما الناعمة ولهذا يستضيفون تجمعات دولية لجذب المستثمرين والقادة الأجانب.
القضية الأخيرة والأكثر أهمية في المنافسة بين هذين البلدين هي قضية "الرؤية"، وقد نجحت دولة الإمارات العربية المتحدة، التي بدأت خطتها للتنويع الاقتصادي منذ سنوات، في ترسيخ مكانتها كمركز عالمي للتجارة والنقل، ومن ناحية أخرى، أعلن محمد بن سلمان في عام 2016 عن خطة رؤية السعودية 2030، طريق طموح يهدف إلى تنويع الاقتصاد السعودي، وفي قلب هذه الرؤية يقع المشروع الكبير "نيوم" وهو عبارة عن خطة بمئات المليارات من الدولارات تهدف إلى تحويل المملكة العربية السعودية إلى المركز الرئيسي للبنية التحتية والنقل والتكنولوجيا والمركز التجاري والمالي في المنطقة.
كما أن المصالحة بين إيران والسعودية، التي توسطت فيها الصين، يمكن أن تقضي على أحد عوامل التحالف بين السعودية والإمارات.
نقطة الخلاف الأخرى بين الإمارات والسعودية هي "قضية فلسطين وإسرائيل"، حيث اعترفت الإمارات بـ"إسرائيل" عام 2020، لكن السعودية لم تنضم إلى معاهدة إبراهم، ومع تزايد الصراع بين السعودية والإمارات، فمن المرجح أن تسعى الدولتان إلى تعزيز علاقاتهما مع موسكو وبكين وحتى طهران من أجل مواجهة بعضهما البعض، وهذا بدوره يمكن أن يضعف فعالية الاستراتيجيات الأمريكية في المنطقة ويدفع البيت الأبيض إلى إعادة النظر في أهمية الشرق الأوسط.
وجّهت السعودية "ضربة تحت الحزام" إلى جارتها وحليفتها الخليجيّة الإمارات في ظل الخلافات العلنيّة التي تشي بوجود حرب اقتصاديّة تنافسيّة، حيث إنّ قناتيّ العربية والعربيّة الحدث التابعتين للنظام السعوديّ أبلغتا موظفيهما هذا الأسبوع بخطط لبدء البث 12 ساعة يوميّاً من الرياض بحلول يناير/ كانون الثاني المقبل، ليضيف هذا الملف أزمة أخرى للعلاقات بين البلدين، والتي من ضمنها الحرب النفطيّة، والتنافس المحموم على اليمن، والعلاقة مع قطر وتركيا، وسباق التطبيع مع الكيان الصهيونيّ المجرم.
وتأتي الخطوة السعوديّة التي ربما تستغرق ما يصل إلى عامين لاستكمال عملية النقل، لتزيد طين العلاقات مع الإمارات بلة، وتخرج الأمور عن السيطرة لأنّ العلاقة بين السعودية والإمارات لن تبقى كما كانت عليه طويلاً، وخاصة أنّ الإمارات ترغب بمنافسة السعودية في ملفات عدّة بينما تقوم السعوديّة بسحب البساط من تحت الإمارات على مستوى الثقل التجاريّ، ومملكة آل سعود كما يعلم الجميع تعتبر نفسها القوة الضاربة وصاحبة أكبر اقتصاد في العالم العربيّ ولا يجوز لأحد منافستها.
وبالتزامن مع الحرب الاقتصاديّة الشعواء بين البلدين، ذكرت تقارير إخباريّة أنّ مجموعةmbc الشهيرة، وهي أكبر شركة إعلاميّة في الشرق الأوسط، والشرق للأخبار، وهي قناة إخباريّة تلفزيونيّة حديثة الإنشاء، ناقشتا داخليّاً وكذلك خططتا للانتقال إلى السعودية، وقد استحوذ النظام السعوديّ على الحصة الأكبر في مجموعةmbc عندما تحركت السلطات السعودية للاستيلاء على الأصول الماليّة التي تمت ملاحقتها في تحقيق لمكافحة الفساد عام 2018، فيما قالتmbc في بيان أنّ رئيس المجموعة الإعلاميّة أعلن في فبراير/ شباط 2020عن النية لإنشاء مقر جديد في الرياض سيشمل إنشاء مركز للأعمال والإنتاج.
ويشار إلى أنّ مقراتmbc والعربية والحدث تقع في مدينة دبي للإعلام، وهي الثقل الإعلاميّ بالإمارات والذي يضم مئات الشركات الإعلاميّة ومعظم مقراتها في الشرق الأوسط، وتسعى حكومة الرياض إلى إعادة تشكيل نفسها كمحور اقتصاديّ مختلف أيّ (ماليّ وسياحيّ)، لمنافسة الإمارات التي تنطلق بأقصى سرعة لاجتذاب المواهب والأموال الأجنبيّة، وإنّ قرار الرياض إيقاف التعاقد مع أيّ شركة أو مؤسسة تجاريّة أجنبيّة لها مقر إقليميّ في المنطقة خارج المملكة بدءاً من مطلع العام 2024، خير دليل على ذلك.
ورغم أنّ هذا الموضوع يشكل تحديّاً كبيراً وصعباً لرجال الأعمال في الإمارات بعد عقود من العمل في دبي، لأنّ الأمر استغرق سنوات لجذب الشركات، تتطلع السعودية لانتزاع القوة الاقتصاديّة من الإمارات، بيد أنّ الأخيرة تأخذ على محمل الجد التهديد القادم من السعوديّة صاحبة أكبر اقتصاد عربيّ وأكبر مصدر للنفط في العالم، حيث إنّ الشركات الأجنبيّة تستخدم منذ سنوات الأراضي الإماراتيّة كنقطة انطلاق لعملياتها الإقليميّة بما في ذلك السعودية.
خلاصة القول، بما أنّ الحليفتين المقربتين تتنافسان بشدّة على جذب المستثمرين والشركات وتتبنيان خططاً مختلفة لتنويع اقتصاديهما لمرحلة ما بعد النفط، يتزايد تباعد مصالح البلدين وقوة علاقتيهما يوماً بعد آخر، إضافة إلى وجهات نظرهما حول قضايا عديدة في المنطقة مثل العلاقات مع "إسرائيل" وتركيا، وإنّ تقديم السعودية إعفاء كاملاً من الضرائب لمدة 50 عاماً للشركات التي تؤسس مقرات إقليميّة في الرياض، بشرط توظيف سعوديين لما لا يقل عن 10 سنوات، وأفضلية محتملة في مناقصات وعقود الكيانات الحكوميّة، هو غيضٌ من فيض التنافس المحموم.