الوقت- صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية انتقدت رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، مع مرور 100 يوم على الحرب على قطاع غزة، حيث وصفته بـ "سيد الإخفاق متعدد المجالات"، وأشارت الصحيفة إلى فشل نتنياهو في مختلف المجالات الأمنية والدبلوماسية والاقتصادية، فبعد فترة طويلة من القتال، يجب أن تكون الأولوية للحكومة في عودة الأسرى الإسرائيليين من غزة، حتى على حساب وقف إطلاق النار، وشدد الإعلام العبري على أهمية إطلاق سراح الآلاف من الأسرى الفلسطينيين أو "التغلب على حماس"، وفي سياق الأهداف الإسرائيلية المعلنة للحرب على غزة، أكدت "هآرتس" أن الجيش الإسرائيلي لا يزال موجودًا في غزة، وأن تغيير المصطلحات في وسائل الإعلام لا يغير هذا الواقع، مشيرة إلى استبدال مصطلح "تقويض حماس" بـ "تجريد القطاع من السلاح"، في ظل الجرائم الإسرائيلية التي لا تحصى ضد المدنيين وخسارة نتنياهو كل أوراقه الاقتصادية والسياسية والعسكرية والإعلامية.
عصابة الائتلاف الإسرائيلي
يركز الإعلام العبري على استمرار وجود الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، وعزى هذا الوجود إلى أداء رئيس الأركان ومرؤوسيه، الذين وصفهم بأنهم "عالقون بين كماشتين، مستوى سياسي حيث قدراته فاشلة وخط ائتمان دولي متراجع"، كما أشار إلى أنه في الخارج، يتعامل مع "عصابة الائتلاف" بشكل مختلف عن معاملته لهم داخل "إسرائيل"، وخاصة أن أهداف الحرب لا يمكن تحقيقها بالكامل في غياب الدعم الجماهيري الداخلي والدعم الدبلوماسي الدولي، في ظل وجود "حكومة عاجزة ورئيس فاشل ومحتال".
وعندما تبدأ المراوحة في الحروب، يزداد اليأس، مع الربط بين فشل الحكومة والأوضاع الضبابية على الصعيدين العسكري والسياسي في اليوم المئة من الحرب، وخاصة مع مقارنة مدة الحرب الحالية بالحروب السابقة، حيث استمرت أكثر من حرب 2014 بضعف، وكانت خمس مرات أطول من حرب تشرين أو "يوم الغفران" في عام 1973، وكانت تزيد 16 مرة على مدة حرب الأيام الستة في عام 1967، حيث إنّ جرح حرب أكتوبر 1973 لا يزال مفتوحًا بالنسبة للإسرائيليين، وهذا يلقي بظلال قاتمة على السنوات الخمسين المقبلة، لأن صدمة السابع من أكتوبر 2023 ستكون ملموسة وطويلة المدى، بالإضافة إلى تداعيات حرب عام 2023 والوضع في الشمال، حيث تحدث الجنرالات الإسرائيليون عن معركة متعددة الجبهات ستستمر بشكل متفاوت بقوة طوال عام 2024، مع الحديث عن تدمير المستوطنات عند الحدود مع لبنان ونزوح عشرات الآلاف من الإسرائيليين، وتأكيد الإعلام العبريّ أن الحكومة تخلت عن هؤلاء الإسرائيليين.
وبالنسبة للتأثير الاقتصادي لحرب 2023، فإن الأزمة الجادة التي تعاني منها "إسرائيل" ووصفتها الأخبار الاقتصادية الأخيرة بأنها "مرعبة"، تؤكد على ضعف كفاءة نتنياهو في إدارة "إسرائيل" في هذه الفترة الصعبة، وأن نتنياهو سيمتنع عن اتخاذ الإجراءات اللازمة، مثل رفع ضريبة القيمة المضافة أو خفض نقاط الائتمان، وذلك لكي لا يخسر الدعم الذي حصل عليه، بعد عام واحد فقط على الانتخابات، كما أن نتنياهو سيعمل على تعزيز حكمه والاستمرار في التهرب من القانون عبر خلق مستنقع حربي وحفرة اقتصادية، وتقول "هآرتس": "سيّد الأمن المسؤول عن أكبر فشل أمني لنا، سيّد مستوى آخر سيُجر إلى المحكمة الدولية في لاهاي بعد إدارته معركة دبلوماسية فاشلة"، وأيضا: "سيّد الاقتصاد الذي من أجل صون ائتلاف الـ 64، مستعد لتدمير حياتنا جميعاً واستعباد الأجيال القادمة من أجل بقائه".
وكانت صحيفة "معاريف" أيضًا قد نشرت في وقت سابق استطلاعًا للرأي أظهرت نتائجه أن 9% فقط من المستوطنين يرون أن "إسرائيل" ستحقق إنجازًا أو ستفوز في حربها ضد غزة، وأظهر استطلاع رأي إسرائيلي آخر أن غالبية الإسرائيليين قد فقدوا الثقة في حكومة نتنياهو، مع تزايد الانتقادات ضده والخلافات بين أعضاء حكومته، إلى جانب اعتقاد الكثيرين منهم أن الدعاية الإسرائيلية ضد حماس خلال الحرب "سيئة جدًا"، وحسب نتائج استطلاع الرأي، يؤيد 69% من المستوطنين إجراء انتخابات جديدة فور انتهاء الحرب على غزة.
جرائم يندى لها الجبين
مرّت مئة يوم على اندلاع الحرب بين "إسرائيل" وحركة حماس، محوّلة قطاع غزة إلى خراب، حيث أصبحت أحياء كاملة لا تتبقى منها سوى أنقاض، والنظام الصحي في حالة انهيار، والمشارح مليئة بالعائلات الثكلى والمواطنين المنهكين الذين يسيطر عليهم الرعب، وفي مخيم مستحدث في مدينة رفح جنوب القطاع، يشير البعض إلى أنها "مئة يوم فقط، ولكن يبدو وكأنها مئة سنة"، وقد خلّفت الحرب بصمات أثرت تمامًا على شكل القطاع الساحلي الصغير الذي يضم 2،4 مليون نسمة، حيث كانت أحياؤه مليئة بالحركة والسيارات في وقت سابق، أصبحت الآن ممتلئة بالركام والمباني المدمرة.
أيضا، هناك من يعيش في المدارس، وآخرون يعيشون في الشوارع، ينامون على الأرض أو على المقاعد، لم توفر الحرب أي شيء لأحد، وقد نزح نحو 1،9 مليون شخص، يشكلون 85% من سكان القطاع المحاصر، من منازلهم، وفقًا لأرقام الأمم المتحدة، ووصف منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، قطاع غزة بأنه بات "بكل بساطة غير صالح للسكن، ومكاناً للموت واليأس"، فيما يسعى السكان في غزة للاستمرار قدر المستطاع، إذ نجحت بضع مئات فقط منهم في الخروج من القطاع الذي يعاني من حصار إسرائيلي تم فرضه منذ عام 2007 بعد سيطرة "حماس" عليه وتشديد هذا الحصار بعد اندلاع الحرب.
وكانت "إسرائيل" قد وعدت بـ"القضاء" على "حماس" بعد الهجوم غير المسبوق الذي شنته الحركة على جنوب "إسرائيل" في السابع من أكتوبر، ما أسفر عن مقتل نحو 1140 شخصًا، وفقًا لتعداد "وكالة الصحافة الفرنسية" استنادًا إلى أرقام رسمية إسرائيلية، واختطف نحو 250 رهينة خلال الهجوم، حيث يظل 132 منهم محتجزين في القطاع، وفقًا للجيش الإسرائيلي، وردت "إسرائيل" على ذلك بقصف جوي ومدفعي عنيف، وشنت في 27 أكتوبر عمليات برية في القطاع، ما أدى إلى مقتل 23469 شخصًا، غالبيتهم من النساء والأطفال، وإصابة نحو 60 ألفاً بجروح، فيما يظل الآلاف مدفونين تحت الأنقاض وفقًا لآخر حصيلة لوزارة الصحة التابعة لـ"حماس".
كذلك، أسفر القصف المتكرر عن حفر في مخيمات اللاجئين وتضررت الطرق، كما تأثرت المدارس والجامعات والمساجد والمرافق العامة، ويتهم الجانب الإسرائيلي "حماس" باستخدام المدنيين كدروع بشرية من خلال شن عملياتها من مساجد ومدارس ومستشفيات، وهو اتهام تنفيه "حماس"، وأفاد استنتاجان لأستاذين جامعيين أمريكيين، خامون فان دين هوك وكوري شير، بناءً على صور الأقمار الاصطناعية، بأن 45 إلى 56 في المئة من مباني قطاع غزة تعرضت للتدمير أو التضرر حتى الخامس من يناير (كانون الثاني)، كما أشارت التحليلات إلى أن الدمار كان واسعًا للغاية وقويًا، مشيرًا إلى أن حجم الأضرار كان "مماثلًا للدمار في المناطق الأكثر عرضة للقصف في أوكرانيا".
من ناحية أخرى، أظهرت دراسة أجراها مركز الأمم المتحدة للأقمار الاصطناعية أن 18 في المئة من المباني في قطاع غزة دمرت أو تضررت بعد مرور 50 يومًا من الحرب، وفي حال انتهاء القتال، لا يعني ذلك أن سكان القطاع سيكون بإمكانهم العودة إلى منازلهم، حيث ستكون عملية إعادة الإعمار صعبة وتتطلب مجهودًا هائلًا، وقد تضررت المعالم الأثرية والمواقع المهمة في قطاع غزة، وخاصة في وسط مدينة غزة التاريخي، حيث دُمر المسجد العمري، الذي يعد أقدم مسجد في القطاع، وازدحمت المقابر بالقتلى، حيث دُفِنوا في مقابر جماعية تم حفرها في البساتين وفي ساحات المستشفيات وحتى في ملعب لكرة القدم.
وإن الحالة في المستشفيات المتبقية تشكل تحديًا كبيرًا، مع نقص حاد في الموارد والأدوية، وعدم القدرة على تلبية الطلب المتزايد على الرعاية الصحية، وتظهر الصورة الإنسانية القاسية للوضع في غزة، حيث يواجه السكان تحديات هائلة للنجاة والعيش بكرامة، ويعكس الوضع الإنساني في قطاع غزة حالةً صعبة ومأساوية، حيث يعاني السكان من تداولات مستمرة من الحروب والتصعيد العسكري، الدمار الذي خلفته الحروب في البنية التحتية والمرافق العامة، بالإضافة إلى أن نقص الإمدادات الطبية والإغاثية، يجعل الحياة يوميًا أكثر صعوبة.
النتيجة، تظهر الوقائع المقدمة أعلاه انتقادات حادة لفشل نتنياهو داخليا وخارجيا، وتسلط الضوء على الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يواجهها السكان في ظل النزاع المستمر، والصحف الإسرائيلية تعتبر نتنياهو "سيّد الإخفاق متعدد المجالات" وتنتقد الأداء السياسي والعسكري والاقتصادي في ظل التصاعد العنيف، في ظل التدمير الشامل للمباني والبنية التحتية، وتأثير ذلك على حياة الناس وصعوبات الوصول إلى الخدمات الأساسية، مع نقص الإمدادات الطبية وتداول الإغاثة والظروف المعيشية القاسية التي يعيشها النازحون، والحقائق تؤكد حالة الألم والأزمة الإنسانية العميقة في قطاع غزة، والنقص الحاد في المؤن الأساسية مثل الطعام والوقود، ما يؤثر سلباً على حياة السكان، وتضرر المخابز وإغلاق بعضها بسبب نقص الوقود، ما يجعل الحصول على الخبز صعبًا، وخاصة أن الأراضي الزراعية لا يمكن الوصول إليها بما يعزز الفهم حول تأثير النزاع على القطاع الزراعي والقدرة على إنتاج الغذاء، وبالتالي اللجوء إلى شاحنات المساعدات وسط يأس السكان ما يظهر الحاجة الملحة للمساعدات الإنسانية.