الوقت - أحدثت عملية طوفان الأقصى أثراً موجعاً لدى كيان الاحتلال، فقد أدت إلى خلل كبير في منظوماته كافة على جميع الصعد، العسكرية والاجتماعية والاقتصادية والصحية، وغيرها، ولم تكن تلك الآثار لتمر مروراً عابراً، وذلك لما تحدثه من تغيرات على صعيد هيكلية الكيان ونمط استقراره.
الانهيارات المتلاحقة لكيان الاحتلال..
ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" التابعة لكيان الاحتلال أن تكلفة الحرب على قطاع غزة بلغت 65 مليار شيكل، (ما يناهز 18 مليار دولار)، وهو مبلغ ضخم جدًا، وهذا يعني أن حكومة الاحتلال ستضطر للحصول على المساعدات العسكرية والمالية من أمريكا، وغيرها لضمان استمرارها في عدوانها على غزة، وعدم الدخول في أزمة اقتصادية مع بداية العام المقبل، والتي ستنعكس على الإسرائيليين من خلال فرض الضرائب المرتفعة.
إن خسائر كيان الاحتلال بلغت أرقاماً ما كان ليتصورها يوماً من قتلى بين جنوده وضباطه، ودمار في عتاده وآلياته، ورعب دائم وسط المجتمع الإسرائيلي من استهداف المدن المحتلة بصواريخ المقاومة، فاستمرار القصف يدفع الشركات الأجنبية إلى إلغاء رحلاتها إلى الأراضي المحتلة وهو ما يؤدي إلى تعطيل الحياة في الكيان بشكل كبير وبالتالي تعطيل الاقتصاد الإسرائيلي.
وذكر موقع "واي نيت" التابع لكيان الاحتلال أن الحرب في غزة تكلف في الحاضر ثمنًا باهظًا في الأرواح البشرية والإصابات الجسدية، وستكلف في المستقبل أيضاً ثمنًا باهظًا على المستوى النفسي، وخاصة بين الجنود المصابين، ومنذ بداية معركة "طوفان الأقصى تم تحويل أكثر من 2800 جندي من جيش الاحتلال إلى قسم إعادة التأهيل في وزارة الدفاع، بينهم 3% من الجرحى في حالة خطيرة، و18% ممن يعانون من مشاكل عقلية بسبب إجهاد ما بعد الصدمة.
وقد أفادت شبكة "بي بي سي"، بأن آلاف الشبان الناجين من مهرجان نوفا الموسيقي في كيان الاحتلال يواجهون تحديات كبيرة في مجال الصحة العقلية بعد شهرين من هجوم حماس في 7 من أكتوبر/ تشرين الأول.
إن التدهور الكبير في الصحة العقلية للإسرائيليين، بسبب انتشار الأمراض النفسية منذ السابع من أكتوبر دفع بمجموعة من مديري مستشفيات الصحة العقلية في تل أبيب، للمطالبة في رسالة لهم بإعلان حالة الطوارئ، إذ أكدوا أن أحداث السابع من أكتوبر "ستضيف لمن يحتاجون إلى العلاج النفسي 300 ألف شخص جديد، أما مَن سيعودون من القتال في غزة، فلا يعرف حتى الآن عدد الذين سيعانون منهم من المشاكل النفسية".
ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" مضمون الرسالة، التي وصفت النظام الصحي في الكيان بأنه في حالة انهيار كامل، ويعاني من سنوات من الإهمال الشديد ونقص الميزانية وقلة عدد القوى العاملة في مراكز الصحة العقلية، بينما ارتفعت حالات الإصابة بالمشاكل العقلية في أعقاب الأحداث الجارية في قطاع غزة، وأن زيادة الإقبال على مراكز الطب النفسي مؤشر على أن الوضع صعب ومثير للقلق، وخصوصًا مع ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض العقلية، وزيادة حالات الانتحار في صفوف الإسرائيليين، مقابل تدهور خدمات الرعاية لمن يحتاجها، حسب الرسالة.
أطباء كيان الاحتلال يهربون
ذكرت صحيفة "هآرتس" التابعة لكيان الاحتلال، أن عشرات الأطباء العاملين في نظام الرعاية الصحية العقلية في الكيان غادروا إلى بريطانيا، وأن هجرة الأطباء النفسيين يعود سببها إلى عدة عوامل، أبرزها عبء العمل والضغط المتزايد، والشعور بأن الأوضاع تزداد سوءا، وخاصة مع الحرب التي تسببت بارتفاع أعداد المصابين من الجنود بأمراض وصدمات نفسية بسبب هول مشاهد الحرب، إلى جانب نقص الموارد والعمل لساعات طويلة.
وأضافت الصحيفة إن بعض الأطباء اتخذوا هذا القرار حتى قبل تاريخ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، بسبب مخاوف من انقلاب على حكومة نتنياهو نتيجة الإصلاحات القانونية التي مضت فيها، والتي أدت إلى خروج مظاهرات حاشدة في مختلف المدن الإسرائيلية، إذ وجد الأطباء النفسيون الذين غادروا إلى بريطانيا أن ظروف العمل هناك أفضل، مع ساعات عمل أقصر، وأجور أعلى، ودعم أكثر من قبل الزملاء والإدارة.
وتابعت الصحيفة: إن هجرة الأطباء النفسيين حاليًا تشكل ضربة كبيرة لنظام الرعاية الصحية العقلية في "إسرائيل"، وليس واضحًا كيف ستتمكن الحكومة من سد الفجوة، وخاصة أنها تحتاج إليهم بشدة، رغم أنه قبل الهجرة الحالية، كان نظام الصحة النفسية يواجه نقصًا حرجًا في أطباء النفس، وقد أشار تقرير لشبكة "سي إن إن" الأمريكية، إلى أن السلطات في "إسرائيل" قد استعانت بمتطوعين لتلبية الاحتياجات المتزايدة في علاج المرضى النفسيين.
وذكرت الصحيفة "أن الأرقام التي قدمها المعهد الوطني لخدمات الصحة وأبحاث سياسات الصحة، أظهرت أن "إسرائيل" تملك طبيباً نفسياً واحداً في الخدمة العامة لكل 11,705 أشخاص، وهي نسبة تبين النقص الحاد في عدد أطباء النفس مقارنة بالاحتياجات النفسية المتزايدة في البلاد" ، وهو الأمر الذي أكده رئيس منتدى مديري مراكز الصحة النفسية في الكيان، بقوله: إن النظام يعاني نقصاً يصل إلى حوالي 400 طبيب نفسي.
وأشارت الصحيفة إلى أنه وفقًا لأرقام وزارة الصحة الصادرة عام 2021، فإن أكثر من 63 في المئة من الأطباء النفسيين تجاوزوا سن الـ 55، و29 في المئة منهم تتراوح أعمارهم بين 55 و 67 عامًا، و19 في المئة بين 67 و 74 عامًا، و15 في المئة تجاوزوا سن 74 عامًا.
لن يتوقف كيان الاحتلال عن المعاناة من تداعيات الحرب وآثارها، حيث إنها ستتسع لتشمل جميع مجالات الحياة في الأرض المحتلة، وهو ما سيدفعه لاتخاذ قرارات أكثر جدوى، وربما يكون أولها إيقاف الحرب، والعمل للوصول إلى اتفاقيات سلام مرضية للفلسطينيين.