الوقت-أكد اليمن منذ بداية دخوله في الحرب مساندة للشعب الفلسطيني أن عملياته العسكرية و الاستراتيجية ستكون ضمن مسار تصاعدي فكانت آثار هذه الهجمات تصاعدية هي الأخرى وفي هذا السياق بدأت تتعمق أزمات الاقتصاد العالمي في كل يوم جديد جراء عوامل تبدأ من ارتفاع أسعار الطاقة ثم زيادة معدلات التضخم، وتمر بطول أمد سياسة التشديد النقدي والضغط على النمو الاقتصادي ولا تنتهي بمزيد من التفتت التجاري العالمي ووضع العراقيل أمام سلاسل التوريد والضغط على إيرادات كبرى الشركات.
جاء آخرها إعلان وزارة الطاقة الإسرائيلية مع بدء العام الجديد انه اعتبارا من منتصف الليلة سوف يرتفع سعر المحروقات بزيادة 28 اغورة، ليصبح سعر لتر البنزين 7.22 اغورة.
ويصبح الحد الأقصى لسعر لتر البنزين 95 للمستهلك في محطة الخدمة الذاتية (شاملاً ضريبة القيمة المضافة) 7.22 شيكل للتر الواحد، بزيادة قدرها 28 اغورة عن التحديث السابق.
وجاء في بيان إدارة الوقود والغاز، أنه "حتى الآن، لم يتلق مكتبنا أي تحديث من وزارة المالية في ما يتعلق بأمر المكوس لشهر (كانون الثاني) يناير 2024، وبالتالي فإن أمر المكوس الحالي هو الكامل".
وأضاف البيان: إن "سعر الوقود لشهر كانون الثاني 2024، سيكون 7.22 شيكل للتر الواحد، بزيادة قدرها 28 أغورة، عن التحديث السابق"، بزيادة نحو 4%. ما يشير إلى وقوع موجة كبيرة من غلاء المعيشة في الداخل، حيث إن ارتفاع أسعار الوقود والكهرباء ستتبعهه زيادات في أسعار المنتجات الصناعية والنقل والمنتجات والخدمات التي يحتاجها المستهلكون بشكل عام.
ونقل موقع "واينت" عن مسؤول من وزارة المالية، قوله إن في ظل الوضع الحالي للعجز في موازنة الدولة، والذي زاد بشكل كبير بسبب الحرب، لم يعُد هناك مجال لدعم أسعار الوقود، مشيرا إلى انخفاض السعر الذي يدفعه كيان الاحتلال الاسرائيلي مقابل الوقود في حوض البحر الأبيض المتوسط بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة مقارنة بسعر العام الماضي وبداية العام الحالي.
والشهر الماضي، أقرت وزارة الطاقة الإسرائيلية بأن تبقى أسعار البنزين دون تغيير، بعد أن وقع وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش قرارا يمدد تخفيض الضريبة على البنزين لغاية 16 تشرين الثاني/ نوفمبر، ونتيجة لذلك، بقي حينها سعر لتر البنزين "95 أوكتان" عند 6.94 شيكل.
اقتصاد متهاوٍ
وفقا لتقديرات بنك كيان الاحتلال الإسرائيلي، سوف ينخفض الناتج المحلي الإجمالي، من توقعات النمو بنسبة 3% في عام 2023 إلى 1% في عام 2024، ويتوقع بعض الاقتصاديين الانكماش، والتأثير على قطاع الهايتك في كيان الاحتلال الإسرائيلي والذي يعتبر محرك الاقتصاد في كيان الاحتلال الاسرائيليي.
وسينفق كيان الاحتلال الاسرائيلي أموالا طائلة لدعم رواتب أكثر من 220 ألف جندي احتياطي يشاركون في الحرب على غزة، ونسبة عالية جدا من هؤلاء، هم موظفون في مجالات الهايتك والصناعات المتقدمة.
ويُضاف على خسائر القطاع التكنولوجي أيضًا، تكاليف الحرب والسلاح والذخيرة، وكذلك دعم وتأمين حياة نحو 200 ألف صهيوني من الذين تم إجلاؤهم من المستوطنات والبلدات الإسرائيلية على طول الشريط الفاصل مع غزة والحدود الشمالية مع لبنان
الحصار البحري اليمني وآثاره على اقتصاد الكيان الغاصب
يشكل الحصار البحري اليمني على السفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية، عبئا إضافيا على اقتصاد الاحتلال الإسرائيلي، يُضاف إلى أضرار حركة المقاطعة المتسعة باستمرار، وتصل نسبة البضائع التي تحملها السفن التي تعبر البحر الأحمر نحو "إسرائيل"، حوالي 40% من الواردات الإسرائيلية، والنتائج الفورية لهذا الحصار هي ارتفاع في البضائع المستوردة من شرق آسيا، وتوقف العمل في ميناء إيلات تماما، ويساهم هذا الحصار في خلق الانطباع العام أن الدولة الصهيونية، في ظل عدم الاستقرار، لم تعد مكانا آمنا للاستثمارات، التي تشكّل العمود الفقري لصناعة «الهاي تك» المتطورة في "إسرائيل".
فيما يتوقّع المحللون الاقتصاديون أن يجري تراجع كبير في معدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي، التي وصلت عام 2022 إلى 6.5% وفي 2021 إلى 8.6، ويقدر المتفائلون منهم أن ينحسر النمو إلى 1% فقط، ويرى آخرون أنّه لن يتجاوز الصفر، ويخشى بعض المحللين من «عقد مفقود» في النمو الاقتصادي، وليس مجرد أزمة عابرة، وإذ تضطر الحكومة إلى أخذ القروض الضخمة، ويبقى الناتج المحلي الإجمالي كما هو، فإن هذا سيؤثر سلبا في نسبة الديون للناتج المحلي، التي تبلغ حاليا 60%، وارتفاعها سيؤثر في التصنيف الائتماني ل"إسرائيل"، ما قد يزيد من تكلفة القروض.
بالإضافة لذلك، هناك ارتفاع حاد في معدلات البطالة، التي من المتوقع ألا تعود إلى ما كانت عليه سابقا، كما انخفض سعر الشيكل وانخفضت الأسهم في البورصة، وقد أدى النقص في الأيدي العاملة الفلسطينية، بسبب الإغلاق التام، والأجنبية، بسبب الهروب من البلاد، إلى تعطيل وتراجع في فروع البناء والزراعة والصناعة، وفق المعطيات الرسمية في كيان الاحتلال هناك 760 ألف عامل تعطّلوا عن شغلهم بسبب الحرب، وهناك كذلك عشرات آلاف المصالح الصغيرة المغلقة والمتضررة، ولا أحد يعرف مصيرها على المدى البعيد، كما أن كم التعويضات المطلوب هو ضخم جدا وسيشكل حملا ثقيلا على الميزانية الإسرائيلية.
ارتفاع معدلات الفقر في كيان الاحتلال الإسرائيلي
نشرت منظمة "لاتيت" الإسرائيلية "تقرير الفقر البديل" السنوي، ويأتي التقرير هذه السنة في ظل الحرب على غزة وتأثيرها الاقتصادي.
ووفقا لمعطيات التقرير، فإن دخل 19.7% من الجمهور تضرر منذ بداية الحرب، و45.5% يخشون التدهور إلى ضائقة اقتصادية بسبب الحرب، فيما 100% من الجمعيات الخيرية التي تدعم الفقراء لم تتلقَ مساعدات من حكومة الاحتلال منذ نشوب الحرب وبالرغم من تزايد التوجهات إليها من أجل الحصول على مساعدات.
وخط الفقر البديل، أي تكلفة المعيشة في الحد الأدنى، هو دخل بمبلغ 5107 شيكل شهريا للفرد، و12,938 شيكل للأسرة المؤلفة من شخصين بالغين وطفلين.
ويرزح 81.8% من الذين يتلقون مساعدات تحت ديون؛ 85.1% يعانون من نقص في الطاقة؛ 79.3% يعانون من مرض مزمن؛ 81.6% من المسنين الذين يتلقون مساعدات يعيشون في فقر و31.5 يعانون من انعدام أمن غذائي شديد.
ووصف التقرير الوضع الحالي في كيان الاحتلال الاسرائيلي بأنه "حالة طوارئ اجتماعية – اقتصادية في ظل الحرب التي يتوقع أن تشتد وتعمّق الفقر".
يشار إلى أن تكلفة المعيشة الطبيعية للطبقة الوسطى في كيان الاحتلال الاسرائيلي هي 8259 شيكلاً للفرد و21,143 شيكلاً للأسرة.
وأشار التقرير إلى أنه "توجد في إسرائيل شريحة سكانية لا توصف بأنها فقيرة بموجب التأمين الوطني، إلا أنها عمليا تعيش في فقر، والأسر في "إسرائيل"، التي دخل الفرد فيها فوق خط الفقر، بموجب التأمين الوطني وهو 3851 شيكلاً شهريا، ولكنه أدنى من تكلفة المعيشة للفرد بالحد الأدنى وهو 5107 شيكل، يعكس أسر تفتقر إلى ظروف معيشية بالحد الأدنى، ولذلك فإن هذه الأسر تعيش فعليا بمستويات فقر مختلفة".
وأضاف التقرير إن متوسط الإنفاق الشهري لأسر تتلقى مساعدات هو 9529 شيكلاً، وهذا الدخل أعلى بـ1.6 مرة من متوسط دخلها الشهري، وهو 5938 شيكلاً، ويعني هذا أن 37.7% عانوا من حجز على حسابهم في البنك، وتم قطع التيار الكهربائي عن منازلهم أو أنهم تلقوا تحذيرا بقطعه، كما أن 45.4% اضطروا في أحيان متقاربة إلى الاختيار بين تسديد فاتورة الكهرباء وبين شراء منتجات أساسية.
وتابع التقرير إن 50.9% من الذين يتلقون مساعدات قلصوا أو تخلوا عن وجبات طعام بسبب نقص المال، وأفاد 38.3% بأن أولادهم قلصوا حجم وجبات الطعام أو أنهم تخلوا عن تناول إحدى الوجبات بسبب عدم القدرة على شراء ما يكفي من الطعام، واضطروا إلى التنازل عن بدائل الحليب لأطفالهم أو تقليص الكمية التي ينصح بها بسبب وضعهم الاقتصادي.
وقال 62.1% إن وضعهم الاقتصادي ساء في السنة الأخيرة، وأفاد 20.8% بأنه يوجد احتمال مرتفع أو مرتفع جدا أن يضطروا إلى إخلاء المنزل الذي يسكنون فيه بسبب صعوبة تسديد الإيجار أو قرض الإسكان، وقال 66.2% إنهم امتنعوا عن إصلاح خلل خطير في شقتهم لأسباب اقتصادية.
وأفاد 73% من الذين يتلقون مساعدات بأنهم اضطروا في أعقاب ضائقتهم الاقتصادية إلى التنازل عن شراء أدوات دراسية أساسية وكتب تدريس لأولادهم، ولا يوجد لدى 69.4% منهم حاسوب متاح لأولادهم لاحتياجات الدراسة، وتنازل 85.1% عن دورات وأنشطة إثراء في المدرسة ورحلات بسبب عدم قدرتهم على تسديد تكلفتها، كذلك تنازل 70.4% من الذين يتلقون مساعدات عن شراء أدوية أو عن علاج ضروري بسبب عدم قدرتهم على تسديد تكلفته.
ويتبين أن 81.6% من المسنين الذين يتلقون مساعدات يعيشون في فقر، بينهم 50.5% يعيشون في فقر شديد، ويعاني 35.5% من المسنين الذين يتلقون مساعدات من انعدام أمن غذائي خطير، وتنازل 64% عن شراء أدوية أو علاج طبي.
وأكد التقرير على تفاقم الضائقة الاقتصادية في أعقاب الحرب على غزة، وأفادت جميع الجمعيات الخيرية بأنها لم تحصل على أي مساعدات من الحكومة منذ نشوب الحرب، رغم أن عدد الأسر التي تحتاج إلى دعمها ارتفع بـ58.1%، وتلقى أقل من ثلث الجمعيات مساعدات من السلطة المحلية.
ختام القول
يبدو من الواضح والجلي ضخامة تأثير الحرب في الاقتصاد، فإن الاتجاه المعاكس ليس واضحا، وليس جليا ويبدو هلاميا في المرحلة الراهنة، وما يمكن قوله حاليا هو أن الاقتصاد في كيان الاحتلال الإسرائيلي يمكن أن يكون قادر على تحمل أعباء الحرب بشكلها الحالي لمدة محدودة، لكن ستكون حكومة الاحتلال الإسرائيلي مضطرة قريبا إلى الشروع باتخاذ خطوات «صعبة» لمنع تفاقم الأزمة، التي تخلفها الحرب، وخاصة بعد دخول أنصار الله في اليمن على خط المواجهة و الضغط سياسياً و اقتصادياً و من جانب آخر تبين للشارع الإسرائيلي أن الثمن يزيد و الحسم بعيد المنال و قضية المحتجزين مستعصية فبعد عدة أسابيع من التباهي والثقة بقدرة جيش الاحتلال على النصر وسحق «حماس»، بدأت نبرة التشاؤم تسيطر على الخطاب السياسي في كيان الاحتلال، تبعا للفشل في الحسم وللإخفاق في تحقيق أي هدف استراتيجي، وينسحب التشاؤم على البعد الاقتصادي أيضا فتداعيات هذه الحرب بدأت تنخر فيه وتشل بعض جوانبه المهمة، ولا يفيد إدراك حجم المساعدات الأمريكية الضخمة في التخفيف من وطأة النبوءات القاتمة.