الوقت - أتاحت الحرب في غزة فرصة جيدة لحكومة بنيامين نتنياهو الصهيونية المتطرفة، للخلاص من كل الاتفاقات مع الفصائل الفلسطينية، وتمهيد الطريق أمام تحقيق أطماعها، حيث هاجم نتنياهو في خطابه الأخير اتفاق "أوسلو" مع الفلسطينيين ووصفه بالكارثة وقال إن اتفاق أوسلو خطأ أساسي، إن إعلان الحرب على السلطة الفلسطينية ووصف اتفاق أوسلو بالكارثة وإعلان موته، هي مواقف اتخذتها حكومة نتنياهو ضد السلطة الفلسطينية والآليات السياسية لمناصري التسوية في القضية الفلسطينية.
و للوقوف على أبعاد تصريحات نتنياهو حول الحرب مع السلطة الفلسطينية وإلغاء اتفاقات أوسلو؛ أجرى موقع الوقت حواراً مع الخبير في قضايا غرب آسيا سيد هادي أفقهي.
وفي ما يلي نص الحوار
كيف تفسر تصريحات نتنياهو حول موت اتفاق أوسلو في خضم حرب غزة؟ ما هي الأهداف التي يسعى نتنياهو لتحقيقها بمثل هذه الادعاءات؟
منذ البداية كان نتنياهو غير متوافق مع اتفاقات أوسلو، وهذا الأمر يعود إلى نشأته العائلية، حيث كان والده كأستاذ للتاريخ ضد أي تعامل أو تسوية أو تعايش مع الفلسطينيين والعرب، ونتنياهو نفسه كانت لديه ميول يمينية متطرفة منذ شبابه، ولذلك فإن المتطرفين يعارضون في تعاليمهم ونظرياتهم أي نوع من التفاهم مع الفلسطينيين وكل الإجراءات التي تهدف إلى إمكانية تحقيق المصالحة والسلام بين الإسرائيليين والعرب.
كان لدى نتنياهو مثل هذا الفكر وكان والده قد نصحه وأخوته بأن يكونوا منقذين لليهود، ولهذا السبب كان نتنياهو من أكبر المعارضين لاتفاقيات "كامب ديفيد ووادي عربة"، وخلال فترة مسؤوليته في الكيان الصهيوني، استخدم كل الأدوات لمواجهة هذه الاتفاقيات التي تم تنفيذها.
وعندما وقع إسحاق رابين، رئيس وزراء الكيان الصهيوني آنذاك، اتفاقات أوسلو مع ياسر عرفات، زعيم منظمة التحرير، عام 1993، أثار الأجواء بشدة ضد هذا الاتفاق، وأدت تصرفات المتطرفين إلى اغتيال إسحاق رابين، وتزايدت الانتقادات الموجهة لنتنياهو والمتطرفين، لكن بعد التفجيرات التي أودت بحياة عدد من الصهاينة، ركب نتنياهو الموجة مرة أخرى وهاجم اتفاق أوسلو بقوة، وما زالت هذه المواجهة مستمرة حتى الآن.
لذلك، عندما زرعت تعاليم وأفكار التوراة ومناهضة التسوية في وجود نتنياهو، ظهرت مخرجاتها وخلاصتها في غزة، وما يحدث الآن في غزة ليس منفصلاً عن أفكار نتنياهو، الآن أصبح الوضع أكثر صعوبة وكانت الضربة التي وجهها الفلسطينيون للكيان الصهيوني أقوى، ولهذا السبب ركب نتنياهو موجة التطورات مرة أخرى وقال للصهاينة إنني قلت لكم إنه لا ينبغي لنا أن نصنع السلام مع الفلسطينيين ونرحمهم.
في المقابل، شكل نتنياهو تحالفاً مع أشخاص أكثر تطرفاً منه، مثل إيتمار بن غفير، وزير الأمن الداخلي، وبتسلئيل سموتريتش، وزير المالية، واندلعت الحرب مع الفلسطينيين، بل إن نتنياهو اصطدم مرات عديدة مع الحكومات الأمريكية بشأن اتفاق أوسلو بألا يتصالحوا مع الفلسطينيين.
رغم أن نتنياهو كان لسنوات ضد اتفاق أوسلو واعتبره بأنه عفا عليه الزمن بشكل علني، فلماذا كانت السلطة الفلسطينية تتعاون مع تل أبيب؟
بعد وفاة عرفات تم اختيار محمود عباس رئيساً للسلطة للقبول بدور البيدق بيد تل أبيب، وخلف الكواليس كان عباس مقرباً من الصهاينة، وأظهرت كل تصرفاته أن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية كانت في خدمة العدو، والآن نتنياهو غير راض عن دور عباس الخدمي وكان أحد خيارات مستقبل غزة هو تسليمها للسلطة، لكن نتنياهو يقول إن عباس لم يعد مفيدا للصهاينة، يبحث الإسرائيليون عن سلطة معدلة ومعاد انتاجها، وربما يكون محمد دحلان أحد خيارات تل أبيب، إذا بقي على قيد الحياة.
وفي الوقت الراهن، وعلى الرغم من الصراعات المستمرة في الضفة الغربية وتطوير المستوطنات، لا يوجد شيء اسمه سلطة تدير الأزمة وتحل مشاكل الفلسطينيين، والصهاينة أنفسهم يعرفون أيضاً أن مدة صلاحية عباس قد انتهت، وأنه لا يستطيع أن يخدم مصالح المحتلين، محمود عباس كان أول من هاجم طوفان الأقصى وادعى أن حماس لا تمثل الشعب الفلسطيني وحتى قبل ذلك كان يؤيد تدمير أنفاق حماس، لأن قوة فصائل المقاومة في غزة كانت تتزايد يوما بعد يوم وكان ذلك يشكل تهديدا لأسس السلطة.
محمود عباس مرتزق وخائن، لكن الدول العربية التي تساعد فلسطين، تساعد السلطة، وتعتبر الوفود السياسية لهذه السلطة الممثل القانوني لفلسطين في المحافل الدولية، ولا يهمهم سكان غزة وقادة فصائل المقاومة، وكانوا يحاولون جعل عباس أقوى وتدمير حماس.
ما هو تأثير موت أوسلو على يد الصهاينة على التطورات السياسية والأمنية في فلسطين؟ وخاصة فيما يتعلق بالصراع بين فصائل المقاومة وتل أبيب؟
لقد مات اتفاق أوسلو ولم يقدم شيئاً للفلسطينيين، وحتى "إسرائيل" لم تلتزم ببنود اتفاق كامب ديفيد ووادي عربة والعديد من الاتفاقيات التي تم التوصل إليها ظلت حبراً على ورق، وبعد وصول الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى السلطة الداعم للكيان الصهيوني، انتهك اتفاق أوسلو وحل الدولتين ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ولا يوجد شيء اسمه أوسلو، أحد بنود أوسلو كان إقامة دولة فلسطينية مستقلة، لكن الصهاينة لا يسمحون بمثل هذا الأمر، وكان وقف بناء المستوطنات في الضفة الغربية أيضا أحد بنود اتفاق أوسلو، لكن بناء المستوطنات متواصل.
كان من وعود نتنياهو الانتخابية توسيع المستوطنات، وكان جدل حكومة نتنياهو مع باراك أوباما الرئيس الأمريكي السابق، هو أن واشنطن كانت تقول إن اتفاق أوسلو وقع عليه إسحق رابين وعلى "إسرائيل" أن تلتزم به، لكن نتنياهو لم يقبل ذلك، ومع وصول ترامب دمرت أوسلو وبدأ بدلاً منها تطبيع العلاقات العربية مع "إسرائيل"، ولذلك لم يبق من أوسلو أي أثر لنقول ما سيكون تأثير إلغائه على التطورات في فلسطين، ولذلك نأمل أن تنتهي الحرب في غزة لصالح فصائل المقاومة، وألا تكون هناك حاجة لأوسلو ولا حاجة لأشخاص مثل نتنياهو.
يعتقد البعض أن معارضة اتفاق أوسلو والسلام مع الفلسطينيين حكر على المتطرفين، ولا تحمل الأحزاب الصهيونية المعتدلة مثل هذه الأفكار... ما رأيك بهذا؟
خلص إسحق رابين إلى نتيجة أنهم لا يستطيعون محاربة الفلسطينيين إلى الأبد، لكن هذا المنطق فشل، عندما تم توقيع أوسلو كان لا بد من ضمان تنفيذي، أحدهما مواجهة المؤيدين والمعارضين داخل "إسرائيل"، والآخر مواجهة المعارضين والمؤيدين داخل الولايات المتحدة، وكان اللوبي الصهيوني المتمركز في الولايات المتحدة ضد هذه القضية بشدة ولذلك فإن المصير كان واضحا.
في داخل الأراضي المحتلة كانت هناك معارضة كبيرة، وقُتل رابين، ووصل إلى السلطة حزب اليمين المتطرف بزعامة حزب الليكود، واشتدت حدة المعارضة لهذا الاتفاق يوما بعد يوم، وارتفعت نسبة نجاح تنفيذ الاتفاق، وتقلصت بنوده، واليوم لا أحد يجرؤ على الحديث عن اتفاق أوسلو لذلك كان أنصار أوسلو فاعلين في ذلك الوقت، لكن بسبب المعارضة العامة للصهاينة واليمين المتطرف الذي يملك الآن كل السلطة، لا يستطيعون تأييده لأن المتطرفين لا يسمحون بذلك.
نتنياهو لم يؤمن باتفاق أوسلو منذ البداية، وعقب الوضع الذي طرأ في الأشهر الأخيرة، فهو لا يسمح لأحد بالحديث عنه على الإطلاق، الآن، هناك العديد من الوزراء المتطرفين في حكومة نتنياهو الذين لا يسمحون حتى بإعلان وقف لإطلاق النار في غزة، حيث قال بن غفير إنه إذا أوقف نتنياهو الحرب مع حماس، فسوف يغادر الائتلاف، وإذا استقال المتطرفون، فإن الحكومة ستنهار وسينهار نتنياهو مرة أخرى، وعليه إجراء انتخابات، وهذا ليس في مصلحته.
ما هو تأثير تخلص حكومة نتنياهو من أوسلو على علاقات تل أبيب مع أمريكا والعرب؟ لأن هذه الدول تدعي، على الأقل ظاهريا، ضرورة تشكيل دولة فلسطينية؟
فيما يتعلق بمسألة تشكيل الدولة الفلسطينية، فلا أمريكا ولا الصهاينة ولا الدول العربية المطبعة، لم يكن أي منهم صادقا، والآن تساعد الإمارات الكيان الصهيوني في حرب غزة، وتتخذ السعودية مؤخراً خطوات نحو تطبيع العلاقات، والعرب يطالبون بالقضاء على حماس، ورغم الجرائم التي يرتكبها الجيش الصهيوني في غزة وقتل عشرات الآلاف من الأشخاص، فإنهم عبر الفضائيات وشبكات التواصل الاجتماعي الدينية في مشيخات الخليج الفارسي، يزعمون أن ما تفعله حماس في غزة هو فتنة وليس جهاداً ضد المحتلين، العرب لا يريدون شيئا اسمه فلسطين، فما بالك حكومة مستقلة، العرب لا يؤيدون حتى وجود حكومة فلسطينية على مستوى سلطة وعباس يتولى فيها مسؤولية رئيس البلدية، بل يعتقدون بضرورة تفكيكها.
وأمريكا تكذب أيضاً، ولكن السؤال الذي يطرح هنا: لماذا لا تزال أمريكا تتحدث عن تنفيذ أوسلو؟ توجه زعماء الدول الغربية إلى الأراضي المحتلة في الأيام الأولى من حرب غزة وأعلنوا دعمهم القوي لتل أبيب ضد حماس، لكن الآن تغيرت لهجة السلطات البريطانية والألمانية والفرنسية، حيث نظم الرأي العام في هذه الدول احتجاجات حاشدة ضد "إسرائيل" وحلفائها الغربيين، ويعتبرون بلدانهم شريكة لجرائم الصهاينة في غزة.
ولذلك تحتاج السلطات الغربية إلى أصوات الرأي العام لمواصلة حياتها السياسية، وقد اضطرت إلى موازنة مواقفها الداعمة للكيان الصهيوني إلى حد ما، تشعر حكومة جو بايدن بالقلق من نتائج انتخابات 2024 واحتجاجات المهاجرين من أفريقيا وأمريكا الجنوبية المعادين للسامية، والتي ستؤثر على العملية الانتخابية، لأن هؤلاء المعارضين من أنصار الحزب الديمقراطي، ويمكن أن يؤدي خفض أصوات الحزب إلى وضع الحكومة في موقف صعب.
تستخدم الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد قرارات وقف إطلاق النار في مجلس الأمن، لكنها تدعي أنه يجب على "إسرائيل" احترام القوانين الدولية وتقليل عدد القتلى من المدنيين، وتعلن في الوقت نفسه أن الحل الوحيد للصراع الفلسطيني هو حل الدولتين، لكن هذه التصريحات هدفها خداع الرأي العام لكي لا تتخذ موقفا ضد "إسرائيل" وداعميها الغربيين والعرب.
لجأ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إلى المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، وقال إن جرائم الكيان الصهيوني في غزة تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين، لكن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض (الفيتو) ضد قرار وقف إطلاق النار حتى لا يتم وقف إطلاق النار، "إسرائيل" ستواصل الحرب، وبالتالي، هل تستطيع الدولة المتواطئة في كل جرائم المحتلين والداعمة لهم بشكل كامل، تطبيق حل الدولتين؟