الوقت– بعد قمة دول بحر قزوين التي عقدت في تموز 2022، اجتمع وزراء خارجية الدول الأعضاء هذه المرة في موسكو لبحث القضايا المتعلقة ببحر قزوين، ويحضر هذا الاجتماع ممثلو جمهورية أذربيجان وإيران وكازاخستان وتركمانستان، والذي عقد یوم الثلاثاء الماضي برئاسة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا عن تفاصيل هذا اللقاء: "من المفترض أن يبحث وزراء الدول القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، مع التركيز على أولويات تطوير التعاون في منطقة قزوين"، ومن المقرر أيضًا عقد لقاءات ثنائية لوزير الخارجية الروسي مع نظرائه على هامش اجتماع مجلس الوزراء.
وقال وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، الذي يمثل الجمهورية الإسلامية في هذا الاجتماع الإقليمي، عن أهداف هذا الاجتماع: إن أهمية التعاون والمشاركة الجماعية بارزة على الرغم من تنوع الفرص الاقتصادية والتحديات البيئية في هذه المنطقة، إن بحر قزوين، باعتباره عامل تسريع لنمو العلاقات التجارية المتعددة الأطراف بين البلدان الساحلية، له أهمية خاصة في سياسة الجوار التي تنتهجها جمهورية إيران الإسلامية، ونحن نركز على القضايا التي من شأنها تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدان الساحلية لحوض بحر قزوين، وحسب أمير عبد اللهيان، فإن متابعة القضايا الثنائية مع روسيا والقضايا الإقليمية مع دول بحر قزوين مدرجة على جدول الأعمال خلال هذه الرحلة.
وأكد كاظم جلالي سفير إيران في موسكو على ذلك: "في اجتماع موسكو، تم تطوير التعاون في مختلف المجالات، بما في ذلك أمن منطقة قزوين وتوسيع العلاقات الاقتصادية والنقل البحري والتجارة والطاقة والبيئة وتم بحث المسائل القانونية ذات الصلة".
التعامل مع المخاطر البيئية في بحر قزوين
وكما يبدو من تصريحات السلطات الروسية والإيرانية، فإن مناقشة المخاطر البيئية هي التحدي الأكبر الذي يواجه بحر قزوين في الوقت الحاضر، ويعقد هذا الاجتماع الإقليمي في الوقت الذي نشرت فيه وسائل الإعلام في الأشهر الأخيرة أنباء عن تراجع مستوى بحر قزوين.
تظهر نتائج الأبحاث أنه خلال العقدين الماضيين، طال أمد عملية خفض منسوب مياه بحر قزوين واشتدت شدة انخفاض منسوب المياه وخاصة في السنوات الأخيرة، بحيث انخفض منسوب المياه بمقدار 26 سم فقط في عام 1401، وأعلنت منظمة الاستكشاف الجيولوجي والمعدني الإيرانية في تقرير لها في أغسطس/آب أن انخفاض منسوب مياه بحر قزوين سيعزز تقدم الأراضي الرطبة الساحلية نحو هذا البحر في المستقبل، ويمكن رؤية هذه الظاهرة في جيلان وحتى شرق مازندران حتى ساحل ميانكالا وخليج جورجان.
ويقال إن هذه المشكلة ترجع إلى انخفاض منسوب المياه الداخلة إلى نهر الفولغا من روسيا وبناء السدود على منبع بحر قزوين، حتى إن بعض الخبراء يعتقدون أنه إذا استمرت كمية المياه التي تدخل بحر قزوين على هذا النحو، فسنشهد في العقد المقبل تراجعا كبيرا لمياه بحر قزوين، وخاصة في كازاخستان وإيران.
كما أن انخفاض منسوب مياه بحر قزوين مع زيادة كمية الملوثات في هذه البحيرة، بالإضافة إلى حياة سكان المنطقة، يهدد أيضا حياة الحيوانات المائية والغابات المحيطة ببحر قزوين، و إن التغلب على هذه المشكلة يتطلب تعاون جميع البلدان الساحلية.
كما أن زيادة استخراج الغاز من قاع بحر قزوين من قبل جمهورية أذربيجان أدى إلى زيادة المخاطر البيئية بشكل كبير، واستخرجت جمهورية أذربيجان في الأشهر التسعة الأولى من عام 2020 نحو 13.3 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من حقل "شاه دنيز" في بحر قزوين، وهو ما يظهر زيادة بنسبة 9% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019.
ولذلك فإن التعاون المشترك ضروري للاستجابة السريعة للأحداث والظواهر الطبيعية والاصطناعية التي يمكن أن تؤثر على حياة ورفاهية شعوب المنطقة، لقد كانت التنمية المستدامة لمنطقة بحر قزوين وتعزيز اقتصاد البلدان الساحلية دائما أولوية لتعاون دول بحر قزوين الخمسة، ويحاول الأعضاء التغلب على هذه المشاكل في جميع الاجتماعات.
تعزيز التجارة الإقليمية
ومن القضايا الأخرى التي أصبحت أكثر أهمية بالنسبة لحوض قزوين هي قضية التعاون الاقتصادي، حيث يحاول جميع الأعضاء تحسين مستوى العلاقات الثنائية ومتعددة الأطراف، وتتخذ روسيا وإيران خطوات جادة في هذا الاتجاه.
وفي هذا الصدد، تبادل شهريار أفندي زاده نائب وزير الطرق والتنمية الحضرية الإيراني ونظيره الروسي يوم السبت وجهات النظر حول التعاون الثنائي بين البلدين في مجالات البنية التحتية والنقل وتحقيق عبور 10 ملايين طن من البضائع بين البلدين عبر الأراضي الإيرانية، كما تم التوصل إلى اتفاقيات بشأن التعاون في مجال الموانئ بين البلدين، وخاصة المفاوضات لتعزيز التعاون في مجال الشحن في بحر قزوين والقدرة المناسبة للموانئ الإيرانية لنقل البضائع المرسلة من روسيا إلى البلاد، واتفق الجانبان أيضًا على زيادة التجارة إلى 10 مليارات دولار سنويًا.
وبما أن التجارة بين روسيا وإيران تتم عبر دول حوض قزوين، فإن تعزيز العلاقات مع هؤلاء الجيران يعد أيضًا جزءًا من الاتفاقيات بين طهران وموسكو، مع بداية الحرب في أوكرانيا، تم إغلاق الطريق المباشر إلى أوروبا من حدود روسيا، وتم النظر في طرق بديلة لهذا الغرض، وتحظى إيران بأهمية خاصة بالنسبة لروسيا ودول أخرى بسبب موقعها على طريق قزوين إلى منطقة الخليج الفارسي كرابط بين الشرق والغرب، ومع توقيع الاتفاقيات التجارية بين إيران وروسيا وجمهوريات آسيا الوسطى في العامين الماضيين، زاد حجم التجارة الثنائية بشكل ملحوظ.
وبالإضافة إلى العلاقات الثنائية، فإن هذا التعاون يتطور أيضًا في شكل اتحادات إقليمية، ووصف مهدي سفري نائب وزير الخارجية في القضايا الاقتصادية، أثناء شرحه أهمية العلاقات مع الدول الأوراسية، توقيع إيران على اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي في 4 يناير من هذا العام وانضمامها إلى هذا الاتحاد بنقطة تحول في العلاقات التجارية مع هذه الدول.
وستوقع إيران والاتحاد الاقتصادي الأوراسي قريبًا على اتفاقية تجارة حرة، وفي هذه الحالة، سيتحسن أيضًا مستوى العلاقات التجارية بين طهران والشركاء الإقليميين الآخرين، وفي تشرين الثاني/نوفمبر، قال مير هادي سيدي، مستشار الشؤون الدولية والاتفاقيات التجارية لمنظمة تنمية التجارة الإيرانية: "كان حجم التجارة بين إيران وأوراسيا 2.5 مليار دولار قبل عامين، وقد وصل إلى 5 مليارات دولار هذا العام"، وحسب سيدي، "من المؤكد أن تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة التي ستخفض الرسوم الجمركية على 87 بالمئة من البضائع، سيؤدي إلى زيادة التجارة".
ويبلغ مستوى التجارة بين الدول الأعضاء في أوراسيا أكثر من 380 مليار دولار سنويا، ومع عضوية إيران سيرتفع هذا الرقم بشكل كبير، وبالنظر إلى أن جزءًا كبيرًا من تعاون أعضاء الاتحاد مع إيران يتم من خلال خطوط السكك الحديدية، يمكن لطهران أن تلعب دورًا مهمًا في تطوير تجارة هذه الدول مع العالم الخارجي.
ومن ناحية أخرى، كلما تم تعزيز هذا التعاون التجاري، فإنه سيساعد على تقليص الخلافات في منطقة بحر قزوين وتحقيق الاستقرار والأمن في هذه المنطقة، لأن التجارة الخارجية تتطلب الأمن، وتحاول دول المنطقة توسيع التجارة داخل المجموعة من خلال زيادة العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف.
القضية الفلسطينية على جدول أعمال اجتماع موسكو
أمير عبد اللهيان، الذي بذل خلال الشهرين الماضيين جهودا كبيرة من خلال رحلاته الدبلوماسية لإقناع دول المنطقة بدعم شعب غزة المظلوم وإيقاف آلة حرب الكيان الصهيوني، سيطرح أيضا قضية فلسطين على طاولة مباحثات اجتماع موسكو.
وأكد وزير الخارجية في هذا الصدد: "أن قضية فلسطين وجريمة الكيان الإسرائيلي ضد غزة هي قضية أساسية أخرى ستتم مناقشتها مع جميع المشاركين في هذه القمة وخاصة مع المضيف الرئيسي فيما يتعلق بسبل الوقف الفوري لجرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب بحق أهل غزة والضفة الغربية، وسنفتح معبراً إنسانياً لإرسال المساعدات الإنسانية المستمرة ومنع الهجرة القسرية لأهل غزة.
ورغم أن دول بحر قزوين لم تتفاعل كثيرا مع التطورات في غزة، فإن إثارة قضية غزة في اجتماع موسكو يظهر أن الجمهورية الإسلامية تستخدم كل اجتماع دولي لتركيز الاهتمام ضد الصهاينة ودعم الشعب الفلسطيني، لأن الضغوط العالمية المتزايدة يمكن أن تجبر الاحتلال على الانسحاب من استمراره في الحرب في غزة.