الوقت - تأسست المحكمة الجنائية الدولية عام 2002، وتعد المحكمة المستقلة الوحيدة في العالم التي أنشئت للتحقيق في أخطر الجرائم بما فيها الإبادة وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وتجري المحكمة تحقيقا في الأراضي الفلسطينية المحتلة في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المحتملة هناك منذ عام 2021.
الضغوط على المحكمة
تشكل أفعال وممارسات كيان الاحتلال في حربه العدوانية الوحشية على قطاع غزة كل أركان جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية من خلال التدمير الممنهج للمستشفيات، والمباني السكنية، والمساجد والكنائس، وتعمد قتل المدنيين، واستخدام الاحتلال للفوسفور الأبيض المحرم دوليا، أي تدمير كل شيء، وهو الأمر الذي لم يعد باستطاعة المجتمع الدولي السكوت عنه، لذا بدا واجباً التحرك لوقف تلك المجازر التي يرتكبها الاحتلال.
وقد تصاعدت الدعوات الدولية من زعماء دول ومنظمات ومحامين لمحاكمة كيان الاحتلال ورئيس وزرائه بنيامين نتنياهو، في المحكمة الجنائية الدولية، بتهم ارتكاب جرائم إبادة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجريمة عدوان، ضد سكان قطاع غزة، إذ رفعت عدة منظمات وجمعيات حقوقية دعوات قضائية أمام محكمة الجنايات الدولية، للمطالبة بالنظر في الجرائم الإسرائيلية المرتكبة في قطاع غزة.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن المحكمة الجنائية الدولية، أعلنت في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، تقدم خمس دول أعضاء فيها بطلب للتحقيق في الهجمات الإسرائيلية على غزة، إذ تقدمت كل من جنوب إفريقيا وبوليفيا وبنغلاديش وجزر القمر وجيبوتي، وهي دول أعضاء في محكمة الجنايات الدولية بطلب للتحقيق في الهجمات الإسرائيلية على غزة، ويُتَوَقع أن تنضم دول أخرى أعضاء في الجنائية الدولية إلى الدول الخمس، على غرار كولومبيا، التي أعلن رئيسها غوستافو بيترو، دعم بلاده دعوة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، لرفع دعاوى قضائية ضد "إسرائيل" في المحكمة الجنائية الدولية، إضافة إلى الأردن الذي أعلن نيته التوجه إلى المحاكم الدولية لمحاكمة كيان الاحتلال على جرائمه.
كما طالبت دولة قطر في تصريح لرئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في 3 ديسمبر/كانون الأول الجاري بتحقيق دولي فوري وشامل ومحايد في الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، إذ جدد وزير الخارجية إدانة بلاده الشديدة لما ترتكبه قوات الاحتلال الإسرائيلي من جرائم.
وقال الشيخ محمد بن عبد الرحمن إن قطر بذلت جهودا كبيرة في الوساطة لوقف هذه الحرب الانتقامية، وستواصل جهودها مع الدول الفاعلة كافة لاستئناف الهدنة وصولا إلى وقف دائم لإطلاق النار.
المحكمة الدولية تتحرك
طالب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان كيان الاحتلال وحركة حماس بالالتزام بالقانون الدولي، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة المحاصر، وذلك بعد زيارة قام بها إلى فلسطين المحتلة استمرت أربعة أيام.
وقال المدعي الأممي في الثالث من ديسمبر/كانون الأول: يجب على جميع الجهات الفاعلة الالتزام بالقانون الدولي الإنساني، مشددا على أن طبيعة هذه الزيارة ليست للتحقيق في جرائم حرب مفترضة.
وتعهّد مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية بتكثيف جهود التحقيق في جرائم الحرب المفترضة، مشيراً إلى أن مكتبه سيكثّف جهوده لتحقيق تقدّم في تحقيقاته المرتبطة بهذا الوضع، وأنه يجب أن تكون الاتهامات الموثوقة بشأن جرائم ارتكبت خلال هذا النزاع موضع دراسة وتحقيق مستقلين، مؤكداً أن الطريقة التي ترد "إسرائيل" من خلالها على هذه الجرائم هي موضع معايير قانونية واضحة تحكم النزاعات المسلحة، وأن هذه الهجمات تمثّل جرائم دولية تعد من بين الأخطر هزّت ضمير البشرية، وهي نوع الجرائم التي تأسست المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق فيها.
ودعا المدعي الأممي كيان الاحتلال أيضا إلى بذل كل ما في وسعه لحماية المدنيين في قطاع غزة خلال هجماته على مسلحي حماس، ومنع المستوطنين الإسرائيليين من مهاجمة الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.
وقال كريم خان: كنت شديد الوضوح عندما قلت إن هذا هو الوقت المناسب للامتثال للقانون، إذا لم تمتثل /إسرائيل/ الآن، فينبغي لها ألا تشتكي لاحقا، مضيفاً إنه لا يوجد مبرر لأن يُجري الأطباء عمليات في ظل عدم وجود إضاءة أو لإجرائهم عمليات جراحية للأطفال دون تخدير، تخيلوا مدى الألم.
وأضاف مدعي عام الجنائية الدولية إنه يعجل سير التحقيقات، ويجب ألا يعتقد أي مستوطن مسلح أن هذا هو موسم مواجهة الفلسطينيين المفتوح، إذ إن أعمال العنف التي يرتكبها المستوطنون في الضفة غير مقبولة ولا يمكن أن تمر دون عقاب، حيث لم تتمكن فرق المحكمة الجنائية الدولية من دخول غزة أو إجراء تحقيقات في الكيان الإسرائيلي غير المنضوي أساساً في المحكمة.
وسبق لخان أن أشار إلى أن التحقيق حاليا توسع ليشمل التصعيد في الأعمال العدائية والعنف منذ الهجمات التي وقعت في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، مشيراً إلى أن فريقه جمع كمية كبيرة من الأدلة عن حوادث ذات صلة.
وأقر خان بأن النزاعات في المناطق ذات الكثافة السكانية الكبيرة مثل غزة تعد "معقّدة بطبيعتها"، إلا أنه ما زال يتعيّن تطبيق القانون الإنساني الدولي، داعيا للسماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، إذ قال "يجب أن يحصل المدنيون على احتياجاتهم من الغذاء والمياه والإمدادات الطبية التي هم في أمس الحاجة إليها، دون مزيد من التأخير، وبوتيرة كبيرة وعلى نطاق واسع".
وأعلن المتحدث باسم وزارة الصحة بغزة، أشرف القدرة، في الثالث من ديسمبر ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على القطاع إلى 15523 شهيداً و41316 مصاباً.
إن السؤال المحق الذي يتم طرحه بكثرة في الأوساط الشعبية والإعلامية، هل تحرُّك المحكمة الدولية، وتجريمها للعدو الصهيوني، قادر على الحد من الإجرام الوحشي المتصاعد ضد الفلسطينيين في قطاع غزة..؟، وإن كانت هذه المحكمة قادرة فعلاً على إحداث أثر ما، هل ستلقي بالاً لحق الفلسطينيين في أرضهم والحرية والخلاص من الاحتلال؟