الوقت- "نخجل أن نفرح وفلسطين كلها جريحة" بهذه الكلمات عبرت الأسيرة المحررة إسراء جعابيص عن مشاعرها المختلطة بين الحزن على ضحايا عدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة وبين سعادة التحرر.
إسراء جعابيص واحدة من أقدم الأسيرات الفلسطينيات التي تنفست الحرية ضمن الدفعة الثانية من صفقة التبادل بين المقاومة الفلسطينية وكيان الاحتلال الاسرائيلي، وهي كغيرها من الأسرى لها قصة مؤلمة خلف قضبان سجون الاحتلال وجروح لن تندمل صنعها سجانون لا يعرفون خطوطاً حمراء في التعامل مع الأسرى نساءً كانوا أم أطفال!.
إسراء جعابيص وقصة المأساة
إسراء أسيرة مقدسية من قرية جبل المكبر جنوب القدس، ولدت عام 1986، تحمل هوية القدس وهي متزوجة ولديها طفل يدعى معتصم، يحمل زوجها هوية فلسطينية لا تمكنه من دخول القدس إلا بتصريح خاص، وقد تقدمت إسراء عام 2008 بطلب لم شملها مع زوجها إلا أن طلبها رُفض مرات عديدة على الرغم من التكاليف التي دفعتها.
وفي 11 أكتوبر/تشرين الأول 2015 أثناء عودة إسراء من مدينة أريحا إلى القدس المحتلة، وقرب حاجز الزعيم تعطلت سيارتها، فأطلقت قوات الاحتلال النيران على السيارة، ما أدى إلى انفجار أسطوانة غاز كانت فيها ونشوب حريق كبير، وفقا لما أوردته عائلتها عن تفاصيل الحادثة.
تعرضت إسراء نتيجة لذلك إلى حروق تراوحت بين الدرجة الأولى والثالثة طالت 50% إلى 60% من جسدها، وفقدت أصابع يديها كافة، وتشوه وجهها، والتصقت أذناها برأسها، وفقدت قدرتها على رفع يديها نتيجة لالتصاقات الجلد في مناطق مختلفة، وقالت في شهادات للمحامي بأنها تعاني من آلام وسخونة دائمة في جلدها، ما يجعلها غير قادرة على ارتداء الأقمشة والأغطية، وهي بحاجة ماسة لبدلة خاصة بعلاج الحروق، لكن إدارة السجون ترفض توفيرها.
بيد أن سلطات الاحتلال اعتقلتها بتهمة محاولة قتل جندي إسرائيلي، وحكمت عليها بالسجن 11 عاما، وعلى الرغم من إصابتها، فإن شرطة الاحتلال وجنوده استنفروا ولم يسمحوا بوصول سيارة الإسعاف من أجل معالجتها، وبعد ساعات نُقلت إلى المستشفى وجرى تقييد يديها، كما لو أنها "مجرمة"، وتمّ بتر أصابعها بصورة شبه كاملة، ومنعتها من تلقي العلاج الذي تحتاجه، وتعمدت إهمالها على الرغم من حاجتها لثماني عمليات جراحية، كما منعت عنها إدارة السجن المسكنات والأدوية التي تحتاجها، واكتفت بتوفير مرهم لتبريد الحروق لا تزيد سعته على 20 ملم يصرف لها كل 3 أيام، وهي كمية قليلة لا تكفي لتغطية كل مناطق الحروق في جسد إسراء.
وأمضت إسراء ثلاثة أشهر وعشرة أيام في المستشفى، وتمّ بعد ذلك نقلها إلى مستشفى سجن الرملة، الملقّب بـ"المسلخ"، وعُقدت لإسراء جلسات محاكمة من داخل المستشفى، بسبب صعوبة نقلها إلى المحكمة نتيجة حالتها الصحية الحرجة، إذ وُجّهت إليها لائحة اتهام بمحاولة تنفيذ عملية لقتل جنود إسرائيليين، واستندت نيابة الاحتلال عند تلفيق هذه التهمة إلى بعض العبارات المنشورة في صفحتها في "فيسبوك".
وقد حاولت عائلة إسراء عن طريق مؤسسات إنسانية محلية ودولية الحصول على إذن لإدخال طبيب لمعالجة ابنتهم متكفلين بكل المصاريف، لكن إدارة السجون الإسرائيلية رفضت ذلك، وقد أطلق الناشطون عدة حملات إلكترونية، ونشروا عدة وسوم على موقع "إكس" في محاولة للإفراج عنها، لكن كل المحاولات قوبلت بالرفض.
وبشأن هذه الحادثة، روت شقيقة إسراء أنّ الاحتلال أحضر إلى المستشفى مُجنّدة ذات أصابع جميلة، وعندها سألت المجندة الأسيرة إسراء: "ما رأيك في أصابعي؟"، فأجابت إسراء بأنّها جميلة، فردّت المجندة: "أمّا أنتِ فليس لديك أصابع"، فلما أنكرت إسراء هذا الأمر، حاولت النظر إلى أصابعها وهي مُقيّدة بالسرير، وفي تلك اللحظة، قالت المجندة: "تستحقين بتر أصابعك".
كيان الاحتلال يتعمد الإهمال الطبي
سلبت سلطات كيان الاحتلال بطاقة التأمين الصحي من الأسيرة إسراء جعابيص، في اللحظة التي جرى إصدار قرار الحكم عليها. كما أنّ الاحتلال منعها من تلقي العلاج الذي تحتاج إليه، وتعمّدت إهمالها على الرغم من حاجتها لإجراء عدد من العمليات الجراحية وبشأن أوجاع إسراء تقول الأسيرة المحررة حلوة حمامرة إنّ "النساء المعتقلات كنّ يستيقظن ليجدن إسراء واقفةً تحت الماء البارد من شدّة ألم الحروق الذي تشعر به، وأحياناً يستيقظنَ على صوت أنينها من شدّة الوجع"، حتى أنها لا تستطيع غسل أسنانها وارتداء ملابسها، أو الأكل من دون مساعدة زميلاتها في الأسر.
تعامل لا إنساني
تروي الأسيرات المحررات اليوم قصصاً فظيعة عن التعامل اللاإنساني الذي تعرضن له خلال فترة الأسر فكانت إدارات السجون ليست إنسانية ولا تتعامل بإنسانية مع الأسرى وخاصة الأطفال والنساء وكبار السن".
حيث ظل السجانون يمارسون الإذلال لآخر لحظة، وفي فترة الحرب "طوفان الأقصى" تخطوا كل الخطوط الحمراء، ضربوا الأسيرات ورشوهن بالغاز وصادروا حتى الأشياء الخاصة
وفي يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول تعرضن الأسيرات في ذات اليوم للضرب والرش بالغاز و محاولات لخلع الحجابات ووضع كاميرات في المرحاض حتى!.
الأسيرات الأقدم في سجون الاحتلال
تقبع في سجون الاحتلال 31 أسيرة و160 طفلا وطفلة، حسب تقرير مشترك للعام 2023 صادر عن هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان ومركز وادي حلوة في القدس.
وخلال عام 2023، سجلت المؤسسات الحقوقية نحو 2300 حالة اعتقال بينها "أكثر من 350 طفلا غالبيتهم من القدس، و40 من النّساء والفتيات"، ومن أقدم الأسيرات القابعات في سجون الاحتلال:
ميسون موسى الجبالي، الملقبة بعميدة الأسيرات حيث إنها أقدم الأسيرات الفلسطينيات، كانت قد اعتقلت في 29 يونيو/حزيران 2015 بعد أن طعنت مجندة إسرائيلية على حاجز "قبة راحيل"، وأدى ذلك إلى إصابتها بجروح طفيفة ومتوسطة، لكن جنود الاحتلال تمكنوا من السيطرة على ميسون واعتقالها بعد الاعتداء عليها بالضرب المبرح.
روان نافذ محمد أبو مطر، اعتقلت في 15 يوليو/تموز 2015 أطلقت قوات الاحتلال النار عليها بشكل مباشر من دون إصابتها عند مدخل البلدة، ثم هاجمها جنود الاحتلال، واعتدوا عليها بالضرب المبرح واعتقلوها، وقد أدى الاعتداء عليها عند الاعتقال إلى تعرضها لعدة كسور في الرقبة والظهر، وأمراض في المعدة والأنف ونُقلت إلى مركز تحقيق "عوفر" حيث تعرضت لتحقيق شديد قبل أن تنقل إلى سجن هشارون، ثم سجن الدامون.
شروق صلاح إبراهيم دويات، تم اعتقالها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2015 عندما كانت متوجهة للصلاة في المسجد الأقصى المبارك، فحاول مستوطن خلع حجابها فدافعت عن نفسها، ثم انهالت عليها رصاصات المستوطنين، وأصابتها في الصدر والكتف والرقبة من مسافة قريبة، لم يتجاوز عمرها آنذاك 18 عاما.
مرح جودة بكير ، كانت مرح ابنة 16 عاماً عند اعتقالها في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2015 في طريق خروجها من مدرستها الواقعة في حي الشيخ جراح، وتقطع الشارع للجهة المقابلة قبل أن ينهال عليها الاحتلال بـ14 رصاصة أصابت يدها، وطرحتها أرضا، ولما حاول شاب مقدسي مساعدتها أطلقوا عليه النار أيضا متهمين إياه بالتخطيط معها.
نورهان إبراهيم خضر عواد، اعتقل الاحتلال نورهان في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 بعدما استهدفها بـ3 رصاصات في ظهرها ورجلها وبطنها، في حين استشهدت قريبتها هديل عواد التي كانت معها، ويومها كانت في أحد شوارع القدس المحتلة أثناء توجهها للصلاة في القدس.
شاتيلا أبو عيادة اعتقلتها قوات الاحتلال أثناء عودتها من الجامعة، في الثالث من أبريل/نيسان 2016، واعتدت عليها بالضرب المبرح قبل تقييدها ونقلها إلى سجن الجلمة للتحقيق، حيث انقطعت أخبارها ومنع أهلها من زيارتها مدة شهر كامل، ثم نقلت إلى سجن هشارون، وقد حرمها الاحتلال من إكمال تعليمها بعد اعتقالها، وشطب اسمها من وزارة التربية والتعليم.
أماني الحشيم، اعتقلت في 13 ديسمبر/كانون الأول 2016 عقب إطلاق النار عليها أثناء قيادتها سيارتها عند حاجز قلنديا العسكري شمال القدس المحتلة، وذلك أثناء عودتها إلى منزلها في حي بيت حنينا، عندها تعرضت لتحقيق ميداني، ثم نقلت إلى مركز تحقيق "المسكوبية" وانتهى بها الأمر في سجن الدامون، وتحدت أماني ظروف اعتقالها الصعبة، وخاضت تجربة أدب السجون وأصدرت كتاب "العزيمة تربي الأمل"، وبهذا أصبحت أول أسيرة تنتج عملا أدبيا داخل السجون، ونظمت داخل السجن العديد من الدورات الأكاديمية للأسيرات.
عائشة الأفغاني، اعتقلت قوات الاحتلال عائشة في 24 ديسمبر/كانون الأول 2016، في شارع الواد بالبلدة القديمة في القدس، ووُجهت إليها تهمة حيازة سكين ونية القيام بعملية طعن، ماطلت سلطات الاحتلال بمحاكمتها وأجلت جلسات المحكمة 17 مرة، واحتجزتها أكثر من 3 سنوات قبل أن يصدر في حقها حكم بالسجن 15 عاما، وتقضي محكوميتها في سجن الدامون، وتعاني من مشاكل صحية متعددة، وتمنع عنها إدارة السجن العلاج.
فدوى حمادة، اعتقلت في 12 أغسطس/آب 2017 من أمام باب العمود أثناء ذهابها إلى طبيبها، واتهمها الاحتلال بمحاولة تنفيذ عملية طعن، ثم اعتقل زوجها بعدها مباشرة بعد اقتحام بيتهم. واستمر تأجيل محاكمتها 18 شهرا، حتى حكم عليها بالسجن 20 سنة وغرامة 30 ألف شيكل، ثم استأنف الحكم وخُفّض إلى 10 سنوات، كانت أول زيارة لأطفالها بعد سنة ونصف من الاعتقال تمكنت حينها من رؤيتهم من خلف زجاج عازل يفصل بينهم. وعانت حمادة من ظروف اعتقال صعبة، إذ وضعت قرب أسرى جنائيين يتعمدون الطرق على الجدران والصراخ طول الليل بهدف حرمانها من الراحة والنوم وتكبيل يديها وقدميها أثناء الزيارة، ما أدى إلى تعثرها وكسر قدمها.