الوقت- بوضوح، يعتقد المسؤولون الأمريكيون أنه لا يوجد مبرر لاعتبار الوضع الحالي لحرب غزة انتصاراً للكيان، لكنهم في الوقت نفسه يشعرون بالقلق من أن وقف إطلاق النار الحالي سيسمح لوسائل الإعلام بالوصول إلى غزة وتحريض المزيد من الرأي العام العالمي ضد "إسرائيل"، ونشر هذا الخبر مجلة بوليتيكو، وقال المسؤولون الأمريكيون: "لا توجد فكرة أن انقطاع بضعة أيام سيتحول إلى وقف أطول لإطلاق النار، أما بالنسبة للعواقب غير المقصودة للإغلاق، فقد كان هناك مخاوف داخل الحكومة الأمريكية من أنه سيسمح للصحفيين بالوصول إلى غزة وجعل الدمار أكثر وضوحا وإثارة المزيد من الرأي العام"، وتشعر أمريكا بالقلق من أن الصحفيين سوف يشاهدون عمليات القتل الفظيعة ويقدمون تقارير عنها.
فضائح جرائم الإبادة
ثلاثة مسؤولين حكوميين أمريكيين قالوا إنه ليس هناك ما يمكن كسبه لأن الاتفاق الحالي سيظل يترك لحماس 200 أسير، وقد تم تجاهل الدعوات المتزايدة في الحزب الديمقراطي لوقف كامل لإطلاق النار وإنهاء دعم الانتقام الإسرائيلي في البيت الأبيض، وقال بايدن وفريقه مراراً وتكراراً إن الطريقة الوحيدة لتحقيق تقدم إنساني ذي معنى هي صفقة الرهائن، وكان نتنياهو يواجه ضغوطا شديدة من عائلات الرهائن واضطرابات داخلية، ولم يكن من الممكن التوصل إلى اتفاق إلا بدعمه العلني والضغط عليه من وراء الكواليس.
ممثل واشنطن الخاص للقضايا الإنسانية في الحرب بين "إسرائيل" وغزة ديفيد ساترفيلد، قال للمونيتور عن وقف إطلاق النار المؤقت: "الأمر لا يتعلق بإثبات صحة الاستراتيجية، وهذا صحيح وضروري"، وقال إيفو دالدر، رئيس مجلس شيكاغو للشؤون العالمية، المقرب من كبار المسؤولين في إدارة بايدن، إنه لا يوجد ما يشير إلى أن التوقف قد غير رأي الإسرائيليين بشأن العمل العسكري الذي يعتقدون أنه ضروري، ولا يزال البيت الأبيض يشعر بقلق عميق بشأن استراتيجية "إسرائيل" طويلة المدى وما قد تبدو عليه المرحلة التالية من الحرب، ما يجعل الأيام القليلة المقبلة حاسمة لزيادة الضغط على نتنياهو.
والسؤال هل قد يجد المسؤولون الأمريكيون أنفسهم عرضة للمحاكمة الجنائية نتيجةً للدعم الكبير الذي تقدمه واشنطن للكيان؟ يُثير بريان فينوكين، المستشار القانوني السابق في وزارة الخارجية خلال فترتي إدارتي أوباما وترامب، جدلاً حول أن المساعدات العسكرية والاستخباراتية المُقدمة من الولايات المتحدة لتل أبيب في سياق حروبها غير الإنسانية ضد غزة قد تُعرِض الولايات المتحدة لمسؤولية قانونية وفقًا للقوانين المحلية والدولية، ويُشير فينوكين إلى أن هذا الدعم قد يجعل القادة الأمريكيين شركاء في المسؤولية عن أي جرائم حرب يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في حملته ضد الفلسطينيين في القطاع المُحاصر.
وحاليًا، تُعتبر الولايات المتحدة الداعم الرئيسي للجيش الإسرائيلي، حيث تُقدم مساعدات عسكرية بقيمة تصل إلى مليارات الدولارات سنويًا، نتيجةً لهذا الدعم وتبادل المعلومات الاستخباراتية المستمر بين الجانبين، وتثير الحملة الدموية التي تشنها "إسرائيل" على قطاع غزة قضايا قانونية وسياسية حساسة بالنسبة للولايات المتحدة، نظرًا لأن لديها قوانين ومعايير داخلية تمنع استخدام مساعداتها بطرق تنتهك قوانين الحرب، حيث يعتبر استخدام "إسرائيل" للمساعدات العسكرية والاستخباراتية التي تحصل عليها من الولايات المتحدة انتهاكًا للقوانين والمعايير الأمريكية، وبالتالي قد يعرض المسؤولين الأمريكيين للمسؤولية المشتركة عن تلك الانتهاكات.
ونتيجة لذلك، يُطالب إدارة بايدن ووزارة الخارجية باتخاذ خطوات فعَّالة لمراقبة كيفية استخدام "إسرائيل" للأسلحة الأمريكية ومنع سوء استخدامها، ورغم أهمية التشجيع على الامتثال لقوانين الحرب، إلا أن ذلك لم يعد كافيًا، حتى في حالة تنفيذ الحملة العسكرية بامتثال صارم للقانون، فإن ذلك لن يؤدي إلى نتائج إيجابية، بل سيزيد فقط من المعاناة والدمار في قطاع غزة، بالإضافة إلى ذلك، قد يتسبب استمرار الحملة بهذا الشكل في تعريض المنطقة لتصعيد قد يؤدي إلى تورط مباشر للجيش الأمريكي، والسبيل الوحيد للتصدي لهذه المخاطر يتطلب خفض التصعيد أولا، ومن ثم السعي نحو إيجاد حلول للخروج من هذا الصراع.
ويُفترض أن تكون الحرب الجارية في قطاع غزة الآن خاضعة لقانون الحرب، المعروف أيضا باسم القانون الإنساني الدولي، والذي يُشكل مجموعة من القوانين الدولية، تعمل هذه القواعد، التي اتفقت عليها الدول، على تحقيق توازن بين 'الاعتبارات العسكرية الضرورية' والاعتبارات الإنسانية، وتضع حدودًا لما يُمكن لأطراف النزاع المسلح القيام به وما لا يُمكنها فعله، يتطلب قانون الحرب أن تكون الهجمات مُوَجَّهة فقط ضد الأهداف العسكرية، بما في ذلك مقاتلو العدو، ويحظر استهداف المدنيين والمواقع المدنية، ويُجرِّم الهجمات التي لا تستهدف أهدافًا عسكرية محددة، وفي إطار ذلك، ينص القانون على أن جميع المستشفيات وسيارات الإسعاف والمدارس وأماكن العبادة تتمتع عادة بحماية من الهجمات.
وتعكس مبادئ القانون الدولي الإنساني ما يُعرف بمبدأ 'التمييز'، الذي يُفترض أن يُوجِّه أطراف النزاع للتفريق بين المدنيين والبنى المدنية، وبين المقاتلين والأهداف العسكرية، ويشير مبدأ 'التناسب' إلى ضرورة أن تكون الهجمات متناسبة مع المكاسب العسكرية المحددة والمباشرة التي يُمكن توقعها من الهجوم، وبناءً على ذلك، يحظر القانون الدولي الهجمات التي من المتوقع أن تسبب أضرارًا جسيمة للمدنيين وقد تتجاوز الميزة العسكرية المرجوة من الهجوم، ويتعيَّن على أطراف الهجوم والدفاع اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتقليل الأضرار المحتملة للمدنيين، على سبيل المثال، يُحظر استخدام المدنيين دروعًا بشرية (وهي الدعوى التي تستخدمها إسرائيل لتبرير هجماتها على قطاع غزة)، ومع ذلك، فإن القانون الدولي لا يُعفي الطرف المهاجم من التزاماته القانونية.
مخاوف قانونية وسياسية
سلوك الجيش الإسرائيلي في غزة والتصريحات المصاحبة لها من المسؤولين الإسرائيليين يجب أن تثير مخاوف قانونية وسياسية في واشنطن، في السبعة أيام الأولى فقط من الحملة الجوية على غزة، حيث ألقت "إسرائيل" نحو 6000 قنبلة على القطاع، وهو رقم يتجاوز عدد القنابل التي أسقطها التحالف بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة خلال أشهر الحرب، حتى في ذروة عملياتهم العسكرية، وفي الوقت نفسه، تثير هذه السرعة في الهجمات تساؤلات وشكوكاً حول طريقة اختيار "إسرائيل" للأهداف وتفسيرها لمبدأ التناسب، بالإضافة إلى الاحتياطات التي تتخذها لتجنب وقوع ضحايا مدنيين.
ومع ذلك، إحدى المفارقات البارزة تكمن في التصريح غير الرسمي الصادر عن الرئيس الأمريكي بايدن خلال مؤتمر صحفي، حين قال: 'إن الإجراءات التي اتخذتها القوات الإسرائيلية في مستشفى الشفاء تهدف في الأساس إلى حماية المدنيين، لذا فما يحدث حاليا هو أمر مختلف عما كان يحدث في السابق من قصف عشوائي على القطاع'، وهو ما يُعد اعترافًا بأن "إسرائيل" كانت تقوم بقصف المدنيين بطريقة عشوائية في الفترة السابقة، على الرغم من أن حكومة الولايات المتحدة اتخذت موقفا يشير إلى أن الهجمات العشوائية على المدنيين تُعتبر جرائم حرب، إلا أن تصريح بايدن لم يكن واضحًا وأثار المزيد من الضبابية حول الموقف الأمريكي.
وفي الجهة الأخرى، تثير الشكوك بين المسؤولين حول ما إذا كانت الأهداف العسكرية التي استهدفتها "إسرائيل" قانونية أو مشروعة من الأساس، فاستهدافها لقادة حماس السياسيين، الذين لا تزال أدوارهم العسكرية غير واضحة، بالإضافة إلى الهجوم على سيارة إسعاف خارج مستشفى الشفاء في 3 نوفمبر/تشرين الثاني، الذي أسفر عن مقتل 15 شخصًا على الأقل وإصابة 60 آخرين، يشكل مصدر شك حول أهداف "إسرائيل" العسكرية، وقد أدى قصف "إسرائيل" لمخيم جباليا للاجئين، الذي زعمت فيه وجود قادة حماس وأنفاق تحت الأرض، إلى سقوط أكثر من 100 ضحية وفقًا للأطباء في غزة، هذا الحادث دفع إدارة بايدن في تلك الفترة إلى طلب شرح من "إسرائيل" حول القرارات التي أدت في النهاية إلى هذه الغارة الجوية.
وعمومًا، يثير حجم الدمار والوفيات في قطاع غزة، الذي سجِّلته وزارة الصحة حتى الآن بأكثر من 12 ألف شهيد، تساؤلات حول مدى صحة تقدير "إسرائيل" للتوازن بين الأضرار الملحقة بالمدنيين والفوائد العسكرية المتوقعة من الهجمات المستهدفة، ويجب أن يثير وصف المسؤولين الإسرائيليين للحملة العسكرية على قطاع غزة استفهامات في وزارة الخارجية الأمريكية، حيث أفاد المتحدث العسكري للجيش الإسرائيلي في بداية الصراع بأن الهدف الرئيسي للقوات الإسرائيلية هو "إلحاق الضرر بمدينة غزة لا على ضمان الدقة المطلوبة أثناء القصف"، وفي استجابته للغارات المثيرة للجدل التي أدت إلى سقوط ضحايا بين المدنيين، أكد الجيش الإسرائيلي مرارًا وتكرارًا أنه حذر سكان غزة مسبقًا بالانتقال جنوبًا، على الرغم من أن هذا التحذير لا يُعفي "إسرائيل" بطريقة أو بأخرى من التزاماتها القانونية المتعلقة بحماية المدنيين.
وقد تؤدي المخاوف المتعلقة بجرائم الحرب إلى تدخل المحكمة الجنائية الدولية، التي أكدت اختصاصها القانوني للتحقيق في الجرائم المرتكبة على الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك الحرب الحالية على قطاع غزة، بدأت المحكمة في الظهور بعدما أدلى كريم خان، المدعي العام للمحكمة، بتصريحات واضحة بشأن الحرب الحالية، حيث أشار إلى أنه سيتعين على كل قائد اتخذَ قرارات بشأن القصف المستمر 'أن يبرر كل ضربة ضد كل هدف مدني'، وأن العبء يقع على عاتق القوات المُهاجمة التي ستضطر إلى تقديم أدلة تُثبت أن الأهداف المدنية التي تعرضت للقصف فقدت حمايتها القانونية.
نتيجة كل ذلك، من المهم أن تتخذ الحكومة الأمريكية خطوات فعّالة للتأكد من أن الدعم العسكري الذي تقدمه يستخدم وفقًا للمعايير والالتزامات القانونية الدولية، ويتعين على الحكومة الأمريكية تقديم تقييمات دقيقة لمدى امتثال "إسرائيل" لقوانين الحرب، واتخاذ الإجراءات اللازمة إذا تبين أن هناك انتهاكات قانونية، وتظهر النقاشات حول هذا الموضوع الأهمية الكبيرة للشفافية والمساءلة فيما يتعلق بدعم الحكومة الأمريكية لحلفائها في المناطق المتضررة، وكيف يمكن للسياسات والتقييمات أن تلعب دورًا حيويًا في تحقيق هذه الأهداف.
ويتعين على الولايات المتحدة التفاعل بفعالية مع هذا النوع من المعلومات والتحقق من امتثال حلفائها للقوانين الدولية، وخاصة في سياق الصراعات العسكرية، ويشير النقاش إلى أهمية وجود متابعة فعّالة وضغط للحصول على معلومات تفصيلية تساهم في فهم الأوضاع وضمان الامتثال للقوانين الدولية، ويبدو من المعلومات المقدمة أن خلال فترة رئاسة رونالد ريغان، أدرجت الولايات المتحدة معلومات حول سلوك "إسرائيل" في العمليات العسكرية في فلسطين، ما أدى إلى إيقاف نقل القنابل العنقودية للكيان، ومع ذلك، يشير الوضع الحالي، وفقًا لتصريحات بول، إلى أن الولايات المتحدة لم تأخذ في اعتبارها تقييمات الالتزام بقانون الحرب عند نقل الأسلحة إلى الإسرائيليين.