الوقت - مواقف الأمين العام للأمم المتحدة في مجلس أمن هذه المنظمة بشأن الاحتلال الإسرائيلي، فاجأت الصهاينة إلى حد أنها فتحت جبهة فشل جديدة ضد تل أبيب، وهذه المرة علی المستوی السياسي والدبلوماسي.
حيث قال أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، في جلسة مجلس الأمن يوم الثلاثاء الماضي: إن "هجوم حماس على إسرائيل لم يحدث دون سبب؛ لقد ظل الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال لمدة 56 عاماً، ومن المهم أيضًا أن نعرف أن هجمات حماس لم تحدث دون سبب، ويعاني الشعب الفلسطيني من احتلال خانق منذ أكثر من خمسة عقود".
وأضاف: لقد رأوا أن أراضيهم يبتلعها الاستيطان والعنف بشكل مستمر؛ لقد تم خنق اقتصادهم، وتهجير شعبهم وتدمير منازلهم. وشدد غوتيريش: "احتياطي الوقود لدينا في قطاع غزة سينفد خلال أيام قليلة، وهذه ستكون كارثةً أخرى، ودون الوقود، لا يمكن إيصال المساعدات، ولن تحصل المستشفيات على الكهرباء، ولا يمكن تنقية مياه الشرب أو حتى ضخها".
المواقف التي اتخذها الأمين العام للأمم المتحدة بالطبع، وكما كان متوقعاً، أثارت غضب الصهاينة، ومسؤولو وإعلاميو الکيان الصهيوني، كعادتهم، تفاعلوا بردود أفعال عصبية مع كلام غوتيريش، وسموها بتسميات معادية للسامية، وأهانوا الأمين العام للأمم المتحدة.
ورداً على هذه التصريحات، طالب مندوب الکيان الصهيوني في الأمم المتحدة باستقالة غوتيريش، كما ألغى وزير خارجية هذا الکيان اجتماعه مع الأمين العام للمنظمة.
كما تعلن سلطات هذا الکيان إلغاء تأشيرات أعضاء الأمم المتحدة، وخاطب أحد الخبراء الصهاينة غوتيريش في وسائل الإعلام العبرية: "أنت معادٍ للسامية، أنت لا شيء على الإطلاق، إذهب إلى الجحيم!"
ورغم أن غوتيريش أضاف تفسيرات أخرى لتصريحاته تحت ضغط اللوبيات الصهيونية، إلا أنه لم يتراجع عن تصريحه الأصلي بشأن الاحتلال الصهيوني، إن مواقف الأمين العام للأمم المتحدة هذه مهمة، لأنها تضع اليد على أصل وجذور الأزمة في فلسطين، وهي القضية التي حاول الکيان الإسرائيلي وداعموه الغربيون أن ينساها الرأي العام والمجتمع الدولي منذ سبعة عقود.
في الواقع، يعود معنى ما قاله غوتيريش إلى أن السابع من تشرين الأول/أكتوبر وعملية حماس ليس نقطة انطلاق الأزمة، وجذورها تعود إلى سبعة عقود من الاحتلال الإسرائيلي والفصل العنصري.
إن كل جهود الکيان الصهيوني والولايات المتحدة ترتكز على فرضية أن عملية حماس هي الخطوة الأولية، حتى يتمكنوا من التبرير القانوني للهجمات الوحشية على غزة تحت عنوان "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس"، لكن تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة نفت كل هذه القضايا، ويعود سبب غضب وإهانات الصهاينة لغوتيريش إلی هذا الأمر بالتحديد.
لقد أظهرت أحداث الأيام القليلة الماضية، أن المجتمع الدولي يتفق مع تصريحات غوتيريش، کما أن تشجيع مندوب فلسطين في الأمم المتحدة، مع تجاهل مندوب الکيان الصهيوني، فضلاً عن التصويت الحاسم لـ 120 دولة على وقف إطلاق النار ووقف الحرب في غزة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، زاد من فضيحة الكيان الصهيوني في نظر حكومات ودول العالم.
ويأتي غضب الصهاينة من الأمين العام للأمم المتحدة، بينما قُتل العشرات من موظفي الأمم المتحدة، حسب غوتيريش، في قصف الکيان الصهيوني.
سر غضب الکيان الصهيوني
الجرائم المجنونة التي يرتكبها الجيش الصهيوني انكشفت أمام أعين شعوب العالم بشكل جلي، لدرجة أنه لم تتمكن أي من الطرق التي جربها رجال الدولة ووسائل الإعلام الغربية في اعتبار الاحتلال مظلوماً، من غسل وجوه مجرمي الحرب الإسرائيليين.
إن الجرائم الممنهجة التي يرتكبها الکيان الصهيوني في غزة والقتل الهادف للمدنيين على يد الصهاينة، قد كشفت الوجه المشين لهذا الکيان في العالم أكثر من أي وقت مضى، وهذا هو سبب غضب السلطات الإسرائيلية وتصرفاتها العصبية.
الکيان الإسرائيلي الذي بذل الكثير من الجهد في السنوات الماضية لتصوير نفسه بشكل إيجابي، أهدر كل جهوده عبر القتل الجنوني للمدنيين، بينهم آلاف الأطفال والنساء، واستهداف الأماكن الآمنة مثل المستشفيات والكنائس.
ومع ذلك، فإن جرائم الاحتلال الأخيرة لها فرق كبير مقارنةً بجرائم القتل السابقة التي ارتكبها الکيان الصهيوني: إذا تم إخفاء جرائم الصهاينة المجنونة على مدى السنوات والعقود الماضية، من خلال الرقابة والعكس والتشويه التي تمارسها إمبراطورية وسائل الإعلام الرئيسية، لكن في معركة طوفان الأقصى، هذه هي المرة الأولى التي لا تتمكن فيها حتى وسائل الإعلام الرئيسية من إنقاذ الکيان الإسرائيلي من مستنقع الفضيحة، وأحيانًا تنزعج وسائل الإعلام هذه أيضًا من السلوك المهين للسلطات الصهيونية.
في الأيام الأولى لطوفان الأقصى، حاولت وسائل الإعلام الرئيسية تقديم صورة أحادية الجانب، وسرد متحيز لعملية الصراع، وتشويه الواقع وتلفيق الأكاذيب لمصلحة الکيان الصهيوني القاتل للأطفال، وفي الوقت نفسه الذي يتم فيه قمع حرية التعبير لمصلحة "إسرائيل"، تضع وسائل الإعلام الغربية وشبكات التواصل الاجتماعي أيضًا الرقابة على الجرائم التي يرتكبها الکيان الصهيوني على جدول الأعمال.
لكن كل هذه الجهود باءت بالفشل، ومن أجل الهروب من الفضيحة من وسط المعركة، حاولت وسائل الإعلام هذه تغيير العملية الإعلامية وتقريبها من الحقيقة؛ وهنا هاجمت السلطات الصهيونية وسائل الإعلام الغربية أيضًا.
تزايد الكراهية للکيان الإسرائيلي
في مقابلتها مع ملكة الأردن، قالت مذيعة شبكة سي إن إن، كريستيان أمانبور، إنها تعرضت لانتقادات وهجوم من قبل الصهاينة بسبب وصفها لـ"إسرائيل" بالفصل العنصري.
ووصلت ردود المسؤولين الصهاينة العصبية والمهينة على الصحفيين الغربيين، إلى حد أن رئيس الکيان الصهيوني، إسحاق هرتسوغ، رد بغضب في مقر إقامته على أسئلة صحفيي شبكة سي إن إن والقناة الرابعة حول قصف غزة.
ورداً على سؤال لشبكة سي إن إن حول العقاب الجماعي للمدنيين في غزة، والذي وصفه بـ"جريمة حرب"، رفع صوته وقال: "أنا محبط تمامًا مما تسألني عنه؟ ألم تشاهدوا المجزرة في جنوب إسرائيل؟ لقد رأيتم ذلك جميعًا، فلنبدأ الآن بخطاب جرائم الحرب؟ حقًا؟".
ووصف مات فراي وهو صحفي ألماني من القناة الرابعة إجابات هرتسوغ بأنها محيرة، وقال له: "يبدو أنك تلوم شعب غزة"، فقاطع هرتسوغ سؤال المراسل وقال بغضب: "مع كل الاحترام، إذا كان لديك صاروخ في مطبخك اللعين وتريد إطلاق النار علي، فهل يُسمح لي بالدفاع عن نفسي؟".
كما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت خلال حديثه مع مراسل سكاي نيوز، عندما سئل عن حاجة الأطفال الفلسطينيين في المستشفيات إلى الكهرباء: ما العيب في أن تستمر في طرح الأسئلة حول المدنيين الفلسطينيين؟ عار عليك!.
وصرح رئيس الوزراء السابق للكيان الصهيوني، في أحد حواراته مع بي بي سي، لمراسل هذه القناة: عار عليك أن تعتبر الإسرائيليين مثل الفلسطينيين!.
من الواضح أن المحاولة الأخيرة لوسائل الإعلام الرئيسية لترسيخ صورة اضطهاد الصهاينة على شبكة سي إن إن وخدمة بي بي سي العالمية من خلال المقابلات مع السفير الفلسطيني في بريطانيا، باءت بالفشل.
ومن أجل تعويض هذا الفشل، تابعت وسائل الإعلام الغربية كذبة قطع رؤوس الأطفال على يد المقاومة الفلسطينية؛ وهي كذبة لم تجلب بعد فترة قصيرة لصانعيها سوى الفضيحة، وأجبرت مراسلة سي إن إن على الاعتذار عن هذه الكذبة المكشوفة.
أيضًا، بعد أن كشف فيلم الجزيرة الوثائقي عن دور الکيان الصهيوني في قصف مستشفى المعمداني، أقر الکيان الإسرائيلي أنظمة الطوارئ، والتي بموجبها سيكون للکيان صلاحية إغلاق مكتب قناة الجزيرة في "إسرائيل".
ورغم كل هذه الجهود، لم يتمكن أي من هذه الإجراءات من منع تنامي الكراهية تجاه الکيان الصهيوني، كما يتضح من إحصائيات معاهد استطلاع الرأي في العالم.
إن المظاهرات العالمية غير المسبوقة التي شهدتها الأسابيع الأخيرة في إدانة جرائم الصهاينة، والتي امتد نطاقها إلى دوائر النخبة بما في ذلك جامعتا هارفارد وييل، تظهر الكشف عن الطبيعة الحقيقية للکيان الصهيوني لشعوب العالم، والتي لا يمكن تحييدها بالدعاية.