الوقت - منذ بداية معركة طوفان الأقصى في ال٧ من الشهر الجاري والأردن يقبع بين الموقف الشعبي الداعم والمساند للقضية الفلسطينية والمندد بوحشية الكيان الصهيوني وبين الموقف الرسمي المتمسك بالحواجز والقيود واتفاقية وادي عربة بدعوى عدم انزلاق الأمور إلى ما لا تحمد عقباه، وبالتالي محاولة تقييد ووضع عراقيل قدر ما يمكن أمام الهبة الشعبية لنصرة فلسطين وغزة هاشم على وجه التحديد، ويبدو أن الموقف الرسمي المتذبذب، مرده إلى عدة أسباب منها داخلية خوفا من غضب شعبي ينقلب وبالاً عليه ومنها ما يتعلق بموضوع تهجير الفلسطينيين وانعكاس ذلك على الأردن لكونه أحد المعنيين في ما يسمى "الوطن الفلسطيني البديل أو الجديد".
في سياق التجاذبات الأردنية الرسمية والشعبية والبرلمانية، عاد مجلس شورى حزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن لمُطالبة الحكومة بإجراءات حقيقية ضد الكيان الإسرائيلي على مستوى الأزمة ومخاطر المشروع الصهيوني الجديد وصدر عن المجلس بيان جديد يحذر فيه من أن المشروع الإسرائيلي هو تصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن ومصر.
وطالب بيان أكبر أحزاب المعارضة الأردنية الحكومة بتمكين الشعب الأردني من التعبير عن رأيه ومشاعره وموقفه.
وأعاد التذكير بأن على الحكومة احترام هذه المشاعر بإغلاق سفارة الكيان في عمان وإعلان طرد السفير وبالوقت نفسه إلغاء اتفاقية وادي عربة.
ويبدو أن إلغاء اتفاقية عربة أصبح مطلبا يتجاوز حدود مطالب الشارع القديمة بقطع العلاقات التطبيعية مع الإسرائيليين ورغم أن تلك الاتفاقية تنقلب عليها "إسرائيل" ولم تعد فاعلة نسبيا إلا أن سياسيين كبار في الدولة يصرون على أن اتفاقية وادي عربة تشكل ضمانا ومرجعا دوليا يمنع تهجير السكان الفلسطينيين من الضفة الغربية تجاه الأردن.
والتهجير هو القضية التي تشكل المحظور الأكبر للسياسة الأردنية وفي الخطاب الرسمي منذ اندلعت معركة طوفان الأقصى حيث أعاد العاهل الملك عبد الله الثاني في مؤتمر القاهرة اعتبار التهجير القسري لأي بلد من الجوار خطاً أحمر بالنسبة للمملكة.
وفيما تزداد رقعة وسقف مطالب الشارع الأردني مع استمرار القصف الاسرائيلي والمجازر التي ينتهي بها تزداد رقعة الحيرة والارتباك في الصف الرسمي وتظهر لهجة الممانعة والتباين عن موقف دول معسكر الاعتدال في الصف الرسمي لأن الدولة الأردنية معنية بإنهاء حالة الصراع الحالية عسكريا ومنع امتدادها الإقليمي.
لكن النقص الواضح في المبادرات السياسية الغربية والأمريكية هو الذي يُخيف الأردن الرسمي أكثر من أي اعتبار آخر وسط قناعة بأن التداعيات متدحرجة وستواصل تدحرجها.
شعبيا استمر التفاعل الحاد مع تطورات الأحداث في قطاع غزة وتتحول منطقة مسجد الكالوتي قرب مكاتب سفارة "إسرائيل" في عمان العاصمة إلى بؤرة اعتصام مفتوح دائم يتطلب وجوداً مكثفا لقوات الأمن على مدار الساعة.
وبدأ الأردنيون الغاضبون يتجمعون تلقائيا وبكثافة في منطقة ذلك المسجد وبشكل دوري وعلى مدار الساعة علما بأن السلطات أعلنت أن تلك الساحة من المناطق المسموح التظاهر فيها وإن سكان الأحياء المجاورة في عمان الغربية يتحملون الازعاجات الناتجة عن الوقفات الاحتجاجية والاحتكاكات التي تتخلّل بعضها.
وجدد الأردنيون، الاثنين، اعتصامهم اليومي في ساحة مسجد الكالوتي قرب سفارة الاحتلال الصهيوني بمنطقة الرابية في العاصمة عمان، وذلك تنديدا بالمجازر والجرائم الوحشية التي ترتكبها قوات الاحتلال الصهيوني بحقّ الأهل في قطاع غزة.
وأكد المشاركون دعمهم المقاومة الفلسطينية المسلحة في مواجهة عدوان الاحتلال المتواصل على قطاع غزة والأهل في عموم الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وندد المحتجون بمشاركة الولايات المتحدة والدول الغربية في العدوان الغاشم على الأهل في قطاع غزة، ومشاركتهم في قتل الأطفال والنساء والشيوخ، مؤكدين أن ما تشهده غزة هي جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية برعاية أمريكية وغربية.
وطالب المشاركون الحكومة الأردنية بإغلاق سفارة الكيان الصهيوني في عمان وإلغاء اتفاقية وادي عربة وإلغاء اتفاقيتي الغاز والماء مقابل الكهرباء، كما طالبوا أيضا بإلغاء اتفاقية الدفاع المشترك مع الولايات المتحدة.
وصدحت حناجر المشاركين بشعارات، منها:
علّا يا بلادي علّا.. الموت ولا المذلة
ناضل يا شعبي ناضل.. طالب فلاح وعامل
حط السيف قبال السيف.. حيّا الله محمد ضيف
طالعلك يا عدوي طالع.. من كل بيت وحارة وشارع
طالعلك بايدي حربة.. فلتسقط وادي عربة
شيل العسكر عن الحدود.. حدود الضفة الغربية
واللي بده الأرض تعود.. يحمل البندقية
لا سفارة ولا سفير.. اطلع برا يا خنزير
ع المكشوف وع المكشوف.. امريكي ما بدنا نشوف
ع المكشوف وع المكشوف.. صهيوني ما بدنا نشوف
يا عمان بسبع جبال.. غاز العدو احتلال
والتطبيع .. خيانة
وادي عربة.. خيانة
غاز العدو.. خيانة
والسفارة .. خيانة
يا مقاوم يا حبيب.. اضرب فجّر تل أبيب
ويبدع الأردنيون في ابتكار مبادرات لمساعدة المنكوبين في قطاع غزة، فيشاهد المتجول في شوارع العاصمة عمّان العديد من المحال التجارية التي أعلنت عن تبرعها بنسب من مبيعاتها لمصلحة إغاثة قطاع غزة، كما يشاهد مبادرات فردية بمشاريع تعود عائداتها بشكل كامل لمصلحة التبرعات.
فقد قام أحد الأردنيين ، بوضع طاولة بيع أمام منزله "بسطة"، يبيع فيها وأولاده وأقاربه المشروبات الساخنة و"الساندويتش" وزجاجات الماء بهدف التبرع بعائدات هذه "البسطة" للمتضررين في قطاع غزة.
ويشهد الشارع الأردني نوعا من أشكال التوءمة بين أطفال الأردن وأطفال قطاع غزة، حيث تقوم غالبية مدارسها بتنظيم وقفات تضامنية وفعاليات للأطفال يعبّرون من خلالها عن تضامنهم مع أطفال قطاع غزة وتلوين جداريات متضامنة معهم وتطالب بحمايتهم، الأمر الذي انعكس على مشاركتهم في حملات التبرعات وإيثارهم التبرع على شرائهم لعبة ربما انتظروها كثيرا.
وأطلقت النقابات المهنية وقطاعات اقتصادية وأهلية في الأردن حملات لجمع التبرعات لإرسال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة وتبرعات نقدية لشراء الاحتياجات الغذائية والطبية ومعدات الإغاثة.