الوقت- يُظهر استئناف روسيا والجيش السوري للهجمات المشتركة على مواقع الإرهابيين في محافظة إدلب أن دمشق تريد تحرير كامل أراضي هذا البلد من سيطرة الإرهابيين، وحسب المعلومات، فقد شنت القوات الروسية والجيش السوري، هذا الشهر، موجة جديدة من الغارات الجوية على مواقع إرهابية في غرب محافظة إدلب، وتستهدف هذه الهجمات بالأساس جماعة "هيئة تحرير الشام" الإرهابية وحلفائها، وتغطي هذه الهجمات منطقة من غرب حلب إلى الجنوب من إدلب ومن منطقة جبل الزاوية إلى سهل الغاب، والأزمة في سوريا قد شهدت صراعًا عسكريًا طويلًا ومعقدًا بين الحكومة السورية والمجموعات المسلحة في مختلف أنحاء البلاد، وقد عبّدت الحكومة السورية طريقها لاستعادة السيطرة على مناطق مختلفة في البلاد خلال السنوات الأخيرة، لكن الصراع لم ينته بعد والوضع لا يزال معقدًا في بعض المناطق.
هجمات رادعة
من الضروري الحديث عن أن الصراع السوري ينطوي على تعقيدات سياسية وإنسانية كبيرة، وإن بداية موجة جديدة من الهجمات من قبل ضباط روسيين وسوريين، وإن معظم هذه الهجمات استهدفت جماعة "هيئة تحرير الشام" الإرهابية التي احتلت هذه المنطقة، وفي بعض الحالات، تم استهداف الجماعات المتحالفة أيضًا، ردا على الأعمال الدموية التي ارتكبها الإرهابيون في الأيام الأخيرة، حيث استهدف الجيش السوري برفقة مقاتلين روسيين، بأربع غارات جوية، قواعد هيئة تحرير الشام، قبل شهر تقريبًا، وشهدت محافظة إدلب أيضًا هجمات مماثلة، لكن الإرهابيين لم يتعلموا الدرس ولجؤوا في الأيام الأخيرة إلى أعمال دموية ضد الجيش السوري.
من ناحية أخرى، إن هذه الهجمات بمثابة مقدمة لهزيمة كاملة للجماعات الإرهابية، ويعتقد محللون أن قادة هذه الجماعات رفضوا كل الفرص والحلول السلمية، وإن ما استهدفه سلاح الجو الروسي والسوري هو مقار قيادة الجماعات الإرهابية ومستودعات الذخيرة ومراكز التدريب، وهو أمر بالغ الأهمية، وهو الأمر الذي أدى إلى مقتل العديد من المجموعات الإرهابية، ويمكن أن نقول إن الهجمات كانت نوعية للغاية، وإلى جانب الغارات الجوية، دمرت مدفعية الجيش السوري أيضًا مقرات الإرهابيين في الأطراف الغربية لمحافظة حلب إلى مدينة سراقب شمال محافظة إدلب، وفي الوقت نفسه، أعلن الجيش السوري عن إسقاط طائرات مسيرة تابعة لمجموعات مسلحة قريبة من تركيا، من أجل الكشف للجميع عن قدرة الجيش وحلفائه على السيطرة الكاملة على الجبهات الشمالية لسوريا.
ونعلم أن محافظة إدلب الخضراء في سوريا كانت مسرحًا لنشاط مجموعات مسلحة ومنظمات إرهابية مختلفة على مر السنوات الماضية، وفي العام 2015، سيطرت جبهة النصرة، التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا، على معظم المناطق في إدلب، وأعلنوا إنشاء إمارة إسلامية، وفي وقت لاحق، تم تغيير اسم جبهة النصرة إلى هيئة تحرير الشام، وفي العام 2017، شنت القوات الروسية والسورية حملة عسكرية واسعة النطاق على إدلب، بهدف استعادة السيطرة على المحافظة وتطهيرها من المجموعات المسلحة والإرهابية، ومع ذلك، تم التوصل إلى اتفاقات تهدئة بين روسيا وتركيا لتخفيف التوتر وإقامة منطقة منزوعة السلاح في إدلب.
ومنذ ذلك الحين، استمرت المعارك والتصعيد العسكري في إدلب بين سوريا، والفصائل الإرهابية المسلحة المختلفة، لكن جماعة هيئة تحرير الشام ما زالت تسيطر على مناطق في المحافظة، إضافة إلى وجود تنظيمات أخرى مثل تنظيم "هيئة تحرير الشام" وتنظيم "حراس الدين" وتنظيم "القاعدة" وتنظيم "داعش" في بعض المناطق، والوضع في إدلب معقد ومتغير، والمدنيون في المنطقة يعانون من تداعيات القتال المستمر وانتهاكات حقوق الإنسان، والأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية تعمل على تقديم المساعدة الإنسانية البسيطة والإغاثية للمدنيين المتضررين لكن بشكل قليل.
وضع معقد في إدلب
الوضع الحالي: لا تزال إدلب واحدة من آخر معاقل المعارضة والجماعات المتطرفة في سوريا، في حين أن السيطرة الدقيقة وديناميكيات المنطقة قد تتغير بمرور الوقت بسبب العمليات العسكرية المستمرة والتي أظهرت رغبة سوريا باستعادتها، رغم أن الفصائل الإرهابية المسلحة المختلفة، بما في ذلك هيئة تحرير الشام (المعروفة سابقًا باسم جبهة النصرة )، لا تزال تحتفظ بوجود كبير في إدلب.
الأزمة الإنسانية: أدى الوجود الإرهابي المطول في إدلب إلى أزمة إنسانية حادة، فالمقاطعة مكتظة بالسكان، مع وجود عدد كبير من النازحين داخليًا يلتمسون اللجوء هناك، وتسببت الأعمال العدائية التي يقوم بها الإرهابيون في وقوع إصابات بين المدنيين وتدمير واسع النطاق للبنية التحتية نتيجة المعارك والقصف ربما، ويتفاقم الوضع الإنساني بسبب محدودية الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الرعاية الصحية والغذاء والمياه النظيفة.
أزمة النزوح واللاجئين: أدى وجود الإرهابيين في إدلب إلى نزوح جماعي، حيث أجبر مئات الآلاف من الأشخاص على الفرار من ديارهم، وسعى العديد من النازحين داخليًا إلى الحصول على مأوى في مخيمات مكتظة أو مستوطنات - إن صحت التسمية - غير رسمية، وتحملوا ظروفًا معيشية صعبة ومحدودية الوصول إلى الضروريات الأساسية، وامتدت أزمة النزوح أيضًا إلى البلدان المجاورة، ولا سيما تركيا، والتي تستضيف عددًا كبيرًا من اللاجئين السوريين.
مشاركة دولية: لفت الوضع في إدلب الانتباه والمشاركة الدولية، وفي ظل دعم بعض الدول للإرهابيين كانت روسيا داعماً رئيسياً للعمليات العسكرية للحكومة السورية في المنطقة، حيث قدمت الدعم الجوي ودعم القوات الحكومية السورية، فيما شاركت تركيا أيضًا في دعم جماعات معارضة معينة والحفاظ على نقاط مراقبة في إدلب كجزء من اتفاق "سوتشي" الذي تم التوصل إليه مع روسيا، وأعرب المجتمع الدولي عن مخاوفه بشأن الوضع الإنساني في إدلب ودعا إلى وقف التصعيد وحل سياسي للصراع.
التحديات والعقبات: يشكل تعقيد الوضع في إدلب ووجود الإرهابيين الخطير تحديات أمام إيجاد حل دائم للأزمة، لأن المحافظة باتت موطنا لمزيج من مجموعات المعارضة، بما في ذلك بعض المنظمات التي تم تصنيفها على أنها إرهابية من قبل دول مختلفة، ولا يزال تحقيق التوازن بين الحاجة إلى مكافحة التطرف وضمان حماية المدنيين يمثل تحديًا كبيرًا، وواجهت الجهود المبذولة للتوصل إلى تسوية سياسية وإرساء وقف دائم لإطلاق النار عقبات، مع وقوع انتهاكات واشتباكات متقطعة بين الفصائل المختلفة، ومن المهم ملاحظة أن الوضع في إدلب يتطور باستمرار، وقد تكون هناك تطورات مستقبلية قادمة في ظل الرغبة السورية باستعادة الأراضي التي تسيطر عليها الجماعات الإرهابية.
النتيجة، من حق دمشق تحرير أراضيها من الإرهابيين، حيث يقدر عدد المقاتلين في صفوف الجماعات الإرهابية في محافظة إدلب بأكثر من 10 آلاف مقاتل، ويسيطر تنظيم "هيئة تحرير الشام" على أجزاء كبيرة من المحافظة، وعلى الرغم من انشقاقه عن تنظيم القاعدة، إلا أنه لا يزال يعتبر الفرع السوري للتنظيم في العديد من الدول، ومن جهة أخرى، يتواجد تنظيم "الحزب الإسلامي التركستاني" في سوريا بقوة تفوق 1500 مقاتل، فيما يُقدر عدد مقاتلي تنظيم "حراس الدين" بحوالي 1000 مقاتل، ولا تتوافر معلومات دقيقة حول أعداد مقاتلي تنظيم "داعش" الإرهابي، ولكن يُشتبه بأنهم يتجاوزون العدد المئوي، وتتضمن إدلب أيضًا ميليشيات تدّعي انفصالها عن تنظيم القاعدة، ويقدر عددها بحوالي 55 ألف مقاتل، ويعتبر تحالف "الجبهة الوطنية للتحرير" الأكثر قوة بين هذه الميليشيات، حيث يصل عدد أفراده إلى 50 ألف شخص يدّعون أنهم "جماعات إسلامية معتدلة"، وفقًا لزعمهم.