الوقت- بعد ثلاثين عاما من رئاسة البنك المركزي اللبناني بلا منازع، انتهت رئاسة رياض سلامة، كرئيس لمصرف لبنان المركزي، وهذا المنصب سيضاف إلى عدد من المناصب الرفيعة الأخرى غير المحسومة في لبنان هذه الأيام.
إن إبعاد رياض سلامة خبر مهم للبنانيين الذين يتعاملون مع أكثر الأزمات الاقتصادية غير المسبوقة في هذا البلد منذ استقلاله، ويمكن للسياسات النقدية للبنك المركزي أن تؤثر بشكل مباشر على الوضع المعيشي والاقتصادي لغالبية الناس.
في مثل هذه اللحظة الحرجة، فإن انتخاب محافظ البنك المركزي يكاد يكون بنفس أهمية انتخاب رئيس ذلك البلد.
سلامة، الذي يشغل أطول فترة في المنصب بين رؤساء البنوك المركزية في العالم، اعتبره العديد من التيارات السياسية والرأي العام أحد أسباب الظروف الكارثية الحالية للاقتصاد اللبناني، ومن ناحية أخرى، تلاحقه اتهامات تتعلق بالفساد وتخضع أمواله وأموال أقاربه للتحقيق أمام المحاكم المحلية والأجنبية.
مع انتهاء المدة القانونية لرئاسة سلامة، وبسبب عجز الحكومة اللبنانية عن تعيين رئيس جديد، تولى نائبه الأول وسيم منصوري منصب رئيس البنك المركزي، وهي المرة الأولى في تاريخ لبنان التي يُسند فيها هذا المنصب إلى الطائفة الشيعية، لأنه بناء على التركيبة السياسية للحصص في لبنان، فإن منصب رئيس البنك المركزي هو من نصيب المسيحيين الموارنة، ومن بين نواب المنصوري الثلاثة مسلم سني ودرزي وأرمن كاثوليكي، وجميعهم يمثلون حركات سياسية كأعضاء في اللجنة المركزية للبنك المركزي.
تاريخ أداء رياض سلامة في البنك المركزي
59 عاما مرت على إنشاء مصرف لبنان المركزي المعروف باسم بنك دوليبان، ورافق نصف هذه الفترة رئاسة رياض سلامة، التي مددت ولايتها 5 مرات متتالية من قبل حكومات مختلفة منذ عام 1993.
إن وجوده طويل الأمد في منصب رئيس البنك المركزي جعله أحد أكثر الشخصيات نفوذاً مع روابط سياسية واسعة النطاق مع مختلف التيارات المحلية والجهات الفاعلة الأجنبية.
كان سلامة حجر الزاوية في النظام المالي الذي خدم المصالح الراسخة للفصائل الرئيسية في لبنان بعد الحرب الأهلية بين عامي 1990 و1975، ويقول العديد من المراقبين إن هذه الفصائل كانت تخشى عواقب تنحيه عن هذا المنصب.
يحظى بدعم شخصيات متنفذة منها نبيه بري رئيس مجلس النواب ورئيس الوزراء ميقاتي، وقبل ذلك سعد الحريري، لكن في السنوات الأخيرة، مع عدم استقرار الوضع السياسي في لبنان وقضية الفساد ضده، زادت المطالب بعزل سلامة.
ارتبطت رئاسة سلامة ببنك دوليبان بنجاحاته النسبية المبكرة في السيطرة على التضخم في حقبة ما بعد الحرب الأهلية واستقرار سعر الليرة (العملة اللبنانية)، وقد عززت السنوات التي بدأ فيها القطاع المصرفي اللبناني ووصلت احتياطيات النقد الأجنبي اللبنانية 40 مليار دولار في مرحلة ما مرت، بل حتى لبنان شُطب من قائمة مجموعة العمل المالي لمكافحة غسل الأموال عام 2001، وتشكلت لجنة خاصة مستقلة لمكافحة غسل الأموال.
ومع ذلك، في الفترتين الأخيرتين من رئاسة سلامة، ظهرت بوضوح بوادر فشل السياسات النقدية للبنك المركزي وتأثيرها السلبي على الوضع الاقتصادي، بما في ذلك عدم الانضباط النقدي في تمويل عجز الموازنة الحكومية، والإقراض من البنوك وربط الليرة اللبنانية بالدولار الأمريكي حرصا على استقرار قيمتها وزيادة رواتب موظفي الحكومة و ...
فتح قضايا فساد ضد رياض سلامة
في مارس 2022، أعلنت وكالة الاتحاد الأوروبي للتعاون في مجال العدالة الجنائية أنها صادرت حوالي 120 مليون يورو (130 مليون دولار) من الأصول اللبنانية في فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ وموناكو وبلجيكا فيما يتعلق بقضية فساد رفعتها ميونيخ ضد رياض سلامة.
ثم بدأ تحقيق فيما إذا كان سلامة وشقيقه رجاء قد اختلسا أكثر من 300 مليون دولار من مصرف لبنان بين عامي 2002 و2015.
ذهب محققون أوروبيون إلى لبنان ثلاث مرات: المرة الأولى في يناير / كانون الثاني لمقابلة شهود والحصول على أدلة إضافية. الثانية في مارس لاستجواب سلامة، والثالث في مايو لاستجواب شقيقه راجا ومساعده ماريان هوايك.
بعد التحقيق في القضية، أصدرت فرنسا مذكرة توقيف بحق سلامة في 16 مايو من العام الجاري بعد غيابه عن جلسة المحكمة بباريس، وفي الأسبوع نفسه تم إصدار مذكرة إلقاء قبض حمراء من قبل الإنتربول على سلامة.
أدى تحقيق منفصل أجرته القاضية غادة عون، المدعي العام لمنطقة جبل لبنان، إلى توجيه الاتهام إلى سلامة في آذار / مارس 2022 في قضية تتعلق بشراء وتأجير شقة في باريس، لكن سلامة ينفي التهم ويقول إن لهذا الاتهام دوافع سياسية.
لكن النفوذ السياسي لسلامة، وخاصة دعمه من نجيب ميقاتي، رئيس وزراء لبنان، تسبب في عدم اعتقال سلامة حتى الآن. بالطبع، ينفى ميقاتي هذه التقارير.
وسيم المنصوري السجلات والخطط
كما قيل، مع انتهاء رئاسة رياض سلامة، تولى نائبه وسيم منصوري رئاسة مصرف لبنان، وفي 11 حزيران 2020، عُيّن المنصوري نائباً أول لمحافظ بنك لبنان بدعم من رئيس مجلس النواب نبيه بري المرتبط بمنصوري.
منصوري (51 سنة) من مدينة عيتارون الجنوبية وعضو في حركة أمل، حاصل على دكتوراه في القانون العام تخصص بالقانون الدستوري من جامعة مونبليه بفرنسا، ودرجة الماجستير في القانون الشامل من نفس الجامعة.
قبل ذلك كان محامي نبيه باري رئيس مجلس النواب ومستشار علي حسن خليل وزير المالية الأسبق، كما عمل أستاذاً متفرغاً في كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية.
وفي المؤتمر الصحفي الأول بعد توليه منصب رئيس مصرف لبنان، أوضح المنصوري لوسائل الإعلام الخطوط العريضة للسياسة النقدية التي سيتبعها بنك دوليبان خلال فترة عمله.
ومن الأمور التي حاول المنصوري تمييز خططه عن سلامة، إصراره على رفض أي مدفوعات غير قانونية للموازنة الحكومية، ومناقشة تحرير سعر الصرف والانضباط النقدي في المعاملات المالية، والتأكيد على ضرورة التحرير التدريجي لسعر الصرف، وإقامة منصة جديدة ووقف بيع الدولارات للشركات ورجال الأعمال، وقصر بيع الدولارات على موظفي القطاع العام باستثناء استيراد بعض الأدوية.
مشيراً إلى أن أي تمويل للحكومة من الآن فصاعداً يجب أن يكون لفترة معينة ويخضع لإمكانية إعادة الأموال، ووصف سياسة حماية بعض السلع بأنها غير صحيحة وطالب بتنفيذ سلسلة من القوانين الإصلاحية خلال 6 أشهر.
وحذر من أن "أصول البنك محدودة، لذا من الضروري التحرك نحو التوقف التام عن تمويل الحكومة"، مؤكداً أنه لن يوقع على أي مدفوعات لتمويل موارد الحكومة خارج الإطار القانوني، وفي غضون ذلك، يؤكد العديد من الخبراء على صعوبة طريقة المنصوري لإعادة الاستقرار إلى وضع الليرة اللبنانية.