الوقت- نجح الجيش العراقي في تحرير مدينة الرمادي من براثن تنظيم داعش الإرهابي، إلا أن هذه المدينة التي تحرّرت للمرة الثانية على التوالي كلّفت أبناء الشعب العراقي الكثير من الدماء والتضحيات والجهد والوقت، ما يطرح السؤال حول قدرة القوات العراقية على تحرير مدينة الموصل، في ظل الخلافات القائمة مع إقليم كردستان العراق، والحضور الأمريكي في المشهد الحالي.
لا شك في أن المشكلة العراقية لا تكمن في نقص العنصر البشري، فمع دعوة المرجعية الدينية للجهاد ضد التكفيريين إنضوى حوالي الـ2 مليون عراقي تحت هذه الدعوة، ولكن نرى أن تقدّم القوات العراقية يجري ببطء شديد، فلذلك هناك جملة من الأسئلة لا بد من الإجابة عليها: أين هي المشكلة؟ لماذا لا تستطيع الحكومة العراقية الإستفادة من الطاقات العالية المتواجدة لإنهاء الأزمة؟ ما هي الأسباب والعقبات التي تعترض الحكومة العراقية في هذا الصدد هناك؟ للإجابة على هذه الأسئلة لا بد من الإشارة إلى النقاط التالية:
أولاً: اشترت الحكومة العراقية كميات كبيرة من الأسلحة من الحكومة الأمريكية. ولكن رغم دفع العراق لكافّة التكاليف لازالت أمريكا غير مستعدة لتسليم الأسلحة. فعلى سبيل المثال، قد اشترى العراق 60 طائرة F 16 من أمريكا، ولكن بغداد لم تستلم سوى 6 طائرات فقط، كذلك تم شراء 400 دبابة أبرامز، و واشنطن ترفض تسليمها حتى كتابة هذه السطور. اذا الجيش العراقي يعاني من نقص في الأسلحة، ولا يمكنه توفير غطاء جوي كامل للعمليات مما يرفع حجم التكاليف ويؤخر الحسم العسكري. لقد وضعت واشنطن بغداد من خلال تجاهلها بإلتزاماتها أمام صعوبات جمّة على الصعيد الميداني.
ثانياً: إن سياسة أمريكا ضبابية إزاء ما تسمية مكافحة الإرهاب في العراق، حيث لم نشاهد أي حزم أمريكي مع هذا التنظيم الإرهابي، ففي التقرير الأمريكي الذي نشر العام الماضي، نفّذت واشنطن7000 غارة جوية فقط على مواقع التنظيم الإرهابي في العراق(كانت واشنطن تشن في حرب الخليج الثانية يومياً أكثر من 2000 طلعة جوية ، وفي بعض الأيام تتجاوز الطلعات الـ4000) حيث لم تنجح هذه الغارات في تغيير المعادلة. أضاف على ذلك، هناك إتهامات عدّة توجّه لواشنطن بالتورط في دعم التنظيم الإرهابي، فعلى سبيل المثال لا الحصر، إتهمت لجنة الامن والدفاع النيابية بالأمس واشنطن بنقل 69 إرهابي مطلوب للقضاء العراقي مع ملفات و وثائق ومعلومات خطيرة ونقل عشرة من قادة داعش في الانزال الاخير الذي نفّذته القوات الأمريكية في منفد اليعربية في ناحية ربيعة على الحدود العراقية السورية. كذلك إستهدفت الطائرات الأمريكية مؤخراً القوات العراقية مما أدى إلى إستشهاد 30 جندي عراقي، فضلاً عن إستهداف هذه الطائرات لقوات الحشد الشعبي أكثر من مرّة في السابق.
ثالثاً: مشكلة أخرى، هي الإتفاق العسكري الأميركي مع الحكومة العراقية، والذي كبّل أيدي الأخيرة. فلماذا لا يستطيع العراق أن يتصرّف مثل سوريا، لماذا لا يمكن أن تكون الأجواء العراقية مفتوحة أمام المقاتلات الروسية لإستهداف التنظيم الإرهابي.
رابعاً: تسعى العديد من الأطراف الداخلية والخارجية لتكبيل أيادي الحشد الشعبي عبر الأحاديث الفتنوية وغيرها، فبما أن الإتفاق العسكري مع واشنطن لا يختص بقوات الحشد الشعبي، فبإمكان هذه القوات الذي يزيد عددها على الـ200 ألف من مختلف الفصائل التي قاتلت الإحتلال الأمريكي، كـ"فيلق بدر"، "كتائب حزب الله"، "عصائب أهل الحق" وغيرها، أن تقدّم ما هو أكبر للعراق لولا العقبات التي تعترضها، سواء المالية أو السياسية.
خامساً: وجود العديد من أبناء الشعب العراقي في المناطق الذي يسيطر عليه التنظيم الإرهابي، مما يبطئ من سرعة العمليات العسكرية بسبب إستخدام المواطنية كدروع بشرية هناك. لذلك يتصرّف الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي بطريقة متأنية ودقيقة للحد من خسائر المدنيين. كذلك، لا يمكن تجاهل التواطئ الذي يحصل من بعض المواطنين الموالين للتنظيم الإرهابي رغم أقليتهم، فعلى سبيل المثال إعتقلت القوات العراقية بالأمس أبو صفاء الدمشقي وهو سوري الجنسية ويشغل مهمة ما يسمى بوزير المالية في تنظيم داعش" الإرهابي بعد أن كان متخفّياً بين المدنيين.
سادساً: الأزمة المالية التي يعاني منها العراق سواءً بسبب سيطرة التنظيم الإرهابي على بعض المنشآت النفطية، أو بسبب الهبوط الكبير في الأسعار. بعد أن كانت عائدات العراق من النفط تقدّر بحوالي الـ126 مليار دولار سابقاً، يجني العراق حالياً ما يقارب 40 مليار دولا فقط. إن هذا العجز أثر بشكل كبير على مواجهة التحديات سواء الإقتصادية، الإجتماعية، الأمنية أوالعسكرية.
اذاً، لعل هذه الأسباب الـ6 أبرز ما يتربص بالعراق حالياً، ويظهر جلياً أن أمريكا تستحوذ على "حصة الأسد" في الموانع التي تعترض الحكومة العراقية، لذلك اذا قرّر العبادي تحرير الموصل قبل نهاية العام المقبل، لا بد من رفع هذه الموانع على وجه السرعة.