الوقت- أعلنت صحيفة القدس العربي، في تقرير يشير إلى قرارات السعودية الأخيرة في مجال النفط وصادراته، أن بوصلة البلاد اتجهت نحو الصين بدلاً من واشنطن.
وكتبت الصحيفة أن السعودية قررت في الأيام القليلة الماضية السيطرة على أسعار النفط العالمية ومنع سعره من الهبوط. يضاف قرار الرياض إلى سلسلة من القرارات الأخرى التي اتخذتها هذه الدولة والتي تسلط الضوء على ابتعاد الرياض التدريجي عن سياسة واشنطن أو على الأقل تنسيق أقل معها.
وأكدت هذه الصحيفة أن من بين أسرار هذا التحول في سياسات "محمد بن سلمان" ولي العهد السعودي، تخليه عن معظم مستشاريه الغربيين، واعتماد استراتيجية مشابهة لاستراتيجية تركيا قبل عقدين، والتي تسعى للحفاظ على استقلالها وإقامة علاقات متوازنة مع جميع الدول.
واستكمالا لهذا التقرير يذكر أن قرار السعودية خفض إنتاج النفط ليس جديدا على الولايات المتحدة، وهذا القرار بأي حال يؤثر على احتياطيات النفط الأمريكية ويؤدي بالشركات الأمريكية إلى شراء النفط من السوق الدولية، ونتيجة لذلك، يأتي القرار في الوقت الذي تسعى فيه واشنطن للسيطرة على النفط العالمي لاستخدامه كأداة، من بين أدوات أخرى، لمعاقبة وضرب الاقتصاد الروسي بسبب حرب روسيا على أوكرانيا.
منذ بداية عام 2023 اتخذت الرياض قرارات مخالفة لسياسة واشنطن بشأن العلاقات الثنائية وخطط البيت الأبيض للسيطرة على العلاقات الدولية، وقد حدث هذا في وقت حساس للغاية ونحن نشهد التغيير في الخريطة الجيوسياسية.
وحسب تقرير هذه الصحيفة، قررت السعودية أيضا تقليص التعاون في تطبيع العلاقات مع إسرائيل وربطها بظروف صعبة، أهمها ضرورة تشكيل دولة فلسطينية ومن ثم حصول الرياض على تكنولوجيا الطاقة النووية السلمية. تدرك الرياض صعوبة تحقيق هذين الشرطين من جانب واشنطن وإسرائيل، حتى عند أدنى مستوى ممكن، وبالتالي، وبهذا المبرر، فإنها تقلل الضغط الأمريكي بذكاء.
وكتبت القدس العربي كذلك أن المملكة العربية السعودية، التي تتمتع بدعم عسكري أمريكي بناءً على اتفاقيات بين البلدين منذ الأربعينيات، قد وقعت اتفاقية مصالحة مع جمهورية إيران الإسلامية، وهي اتفاقية جاءت بمثابة مفاجأة للغرب. حجم منطقة الشرق الأوسط يفتح آفاقا جديدة للسلام وقد أبرمت هذه الاتفاقية من قبل الصين، وهي دولة تنافس الولايات المتحدة. وهكذا، أعطت المملكة العربية السعودية للصين أكبر فرصة في تاريخها الدبلوماسي كداعمة السلام في منطقة متفجرة.
وأكدت الصحيفة المذكورة أن السعودية أعلنت رغبتها في الانضمام إلى منظمة "البريكس" في إطار سياساتها. تسعى هذه المنظمة بقوة إلى تقليص النفوذ السياسي والاقتصادي للغرب، وخاصة مجموعة "السبع" في الساحة الجيوسياسية للعالم.
واستكمالا لهذا التقرير يذكر أن "فيصل بن فرحان" وزير خارجية المملكة العربية السعودية شارك في اجتماع مجموعة البريكس الذي عقد في جنوب إفريقيا في الأول من يونيو الماضي. في هذا الاجتماع، وصف المملكة العربية السعودية بأنها أكبر شريك تجاري لمجموعة بريكس في الشرق الأوسط ، وأعلن أن العلاقات التجارية مع دول البريكس قد شهدت نموًا كبيرًا، وهو ما يعكس العلاقات المتنامية والمتقدمة مع دول هذه المجموعة، حيث ارتفع إجمالي التجارة الثنائية بين السعودية ودول هذه المجموعة من 81 مليار دولار عام 2017 إلى 128 مليار دولار عام 2021 وتجاوز 160 مليار دولار عام 2022.
وفقًا لهذا التقرير، لا تخفي المملكة العربية السعودية استراتيجيتها المشتركة مع مجموعة البريكس وفي هذا السياق أعلن عيد العيد، المستشار الاقتصادي للمملكة العربية السعودية، أن الغرض من بنك التنمية الجديد لمجموعة بريكس هو مساعدة دول البريكس والدول النامية في مشاريع البنية التحتية الكبيرة لتحل محل المؤسسات التي تعتمد على النظام الغربي الذي يفرض شروطًا تعسفية.
منذ عام بدأت السعودية التفاوض مع الصين للحصول على عقود عسكرية ضخمة، بما في ذلك مدمرات وأنظمة دفاع جوي، بما في ذلك صواريخ باليستية وفرط صوتية، وقد تكون أول دولة تحصل على صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت في تاريخ الصفقات العسكرية. إلى جانب صفقات السلاح، تحاول السعودية إنشاء صناعات عسكرية في بلادها، ولم تتلق هذه الدولة ردًا من الغرب للتصنيع العسكري.
3 علامات على حدوث تغيير كبير في السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية هي كما يلي:
في المقام الأول، تُظهر البيانات التي تم الحصول عليها أن محمد بن سلمان غيّر مجموعة مستشاريه، ومعظمهم من الدول الغربية وأراده أن يكون على اتصال أكثر مع الغرب، والآن معظم مستشاريه سعوديون وليسوا غربيين.
ثانياً، أدركت السعودية أن الشرق الأوسط سيصبح صينياً اقتصادياً، وأن الصين ستكون الزبون الأول للنفط السعودي، ولهذا السبب عززت علاقتها ببكين وأقامت علاقات قوية معها.
ثالثًا، تريد السعودية ألا تفقد مشاركتها في قيادة الشرق الأوسط في الوقت الحاضر والمستقبل، وخاصة بالنظر إلى الدور الذي لعبته تركيا ثم إيران. على الرغم من أن المملكة العربية السعودية لم تعد مهتمة بقيادة العالم العربي؛ بدلاً من ذلك، تريد أن تصبح جهة اتصال رئيسية للقوى الكبرى بشأن قضايا الشرق الأوسط، ولا سيما استيعاب أجندة الصين وروسيا.
وأكدت صحيفة القدس العربي أن هذا التغيير في طريقة تعامل الرياض مع شؤونها الخارجية يظهر كيف تحاول التكيف مع أجندة الدولة التي سيكون لها أكبر ثقل في الشرق الأوسط، أي الصين. كانت الحرب العالمية الثانية باتجاه الولايات المتحدة، والآن البوصلة تتجه شرقاً نحو بكين.
أعلنت المملكة العربية السعودية وإيران والصين في بيان مشترك يوم الجمعة، 10 مارس 2023. ونتيجة للمناقشات، اتفقت جمهورية إيران الإسلامية والمملكة العربية السعودية على استئناف علاقاتهما الدبلوماسية. خلال شهرين على الأكثر والسفارات وإعادة فتح الوكالات.
وفي وقت سابق، ناقشت صحيفة رأي اليوم في تقرير لها السياسة السعودية تجاه الدول الخاضعة للعقوبات الأمريكية، وكتبت أن السعودية تزيل بيضها ببطء من السلة الأمريكية.
محمد بن سلمان رحب برئيس فنزويلا لأن الولايات المتحدة لا تعترف به كرئيس شرعي وفرضت عليه عقوبات بتهم باطلة مثل "الفساد" و "الاتجار بالمخدرات" و "انتهاك حقوق الإنسان" ، هذا بينما يرحب السعوديون برئيس فنزويلا. وهو موضع غضب أمريكا، فأعلنوا إعادة فتح السفارة الإيرانية في السعودية ورحبوا أيضًا بحضور الرئيس السوري بشار الأسد في اجتماع رؤساء الدول العربية في جدة.
قرار خفض إنتاج النفط و الانزعاج الأمريكي
اتفق تحالف أوبك+، الذي يضم أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وآخرين من بينهم روسيا، العام الماضي على خفض هدف الإنتاج بمقدار مليوني برميل يوميا أي نحو اثنين بالمئة من الطلب العالمي، وذلك اعتبارا من نوفمبر تشرين الثاني إلى نهاية 2023 لدعم السوق.
أثار قرار منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" والدول المنتجة للنفط المتحالفة معها "أوبك بلس" خفض الانتاج، حالة غير مسبوقة من الهلع والغضب في واشنطن، نظرا لما له من تداعيات سياسية واقتصادية سلبية على الولايات المتحدة وحلفائها والدول المستهلكة للنفط على حد سواء.
وخلال الأيام السابقة لاجتماع دول المنظمة في فيينا قبل التصويت على القرار أجرت وزارتا الخارجية والطاقة الامريكيتان اتصالات مكثفة مع مسؤولين، في الدول الصديقة لواشنطن الأعضاء في منظمة «أوبك» " ومنهم السعودية" لحثهم على التصويت ضد خفض إنتاج النفط، إلا أن اجتماع فيينا جاء عكس متمنيات حكومة الرئيس الامريكي جو بايدن. وقد اعتبر القرار ازدراء للرئيس جو بايدن، الذي زار المملكة العربية السعودية في يوليو الماضي في محاولة لإقناعها بضخ المزيد من النفط في الأسواق العالمية. وبالفعل وجدت مناشدة بايدن آنذاك تجاوبا من المسؤولين السعوديين، وأعلنت الرياض حينها زيادة الإنتاج وإن كان حجمها أقل بكثير مما طلبته الولايات المتحدة.
زلزال غضب ينصب على السعودية
وبعد الاتفاق مباشرة بدأت أصوات في الكونغرس الأمريكي تدعو لإعادة النظر في العلاقة مع الرياض. فقد جاء إعلان "أوبك بلس" في "توقيت حساس جدا" بالنسبة لإدارة بايدن، وفي ظل محاولات لعزل روسيا، وهي عضو مهم آخر في تحالف مصدري النفط.
وقد طرح النائب الأمريكي الديمقراطي توم مالينوفسكي مشروع قانون في مجلس النواب يطالب إدارة الرئيس بايدن بسحب أنظمة الدفاع ضد الصواريخ و3000 جندي، وهم قوام القوات الامريكية من السعودية والامارات. وقال مالينوفسكي في بيان صادر عنه: "لقد حان الوقت لكي تستأنف الولايات المتحدة دورها كدولة عظمى في علاقتها بزبائنها في الدول الخليجية." فبعد أشهر قليلة من مصافحة "قبضة اليد" الشهيرة بين بايدن وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، يرى الأمريكيون أن الرياض تؤكد، في ما يبدو، على أن "مصالحها الاقتصادية" مقدمة على الرغبات السياسية لحليفتها واشنطن.
«أوبك» وتهمة «الاحتكار»
إن استخدام كلمة ''كارتل'' في الإعلام الغربي ومن قبل السياسيين في الغرب يعكس عداءَ مستفحلاً للنفط ودول النفط، ويسيء إلى النفط وأهله لأن كلمة ''كارتل'' في الدول الغربية تشير إلى ''مصاصي الدماء'' الذين يستغلون حاجات الناس. باختصار، لا يمكن أن تكون ''أوبك'' منظمة احتكارية، ووصفها بالاحتكار يتعارض مع مبادئ العلم والمنطق، ويتناقض مع أدلة كثيرة، كما أنه يتناقض مع المبادئ القومية والوطنية لدول ''أوبك''.
وأكدت هذه الصحيفة أن كل هذه الإجراءات تعني تعزيز العلاقات السعودية مع الدول التي فرضت أمريكا والدول الغربية عليها العقوبات، وأمريكا تعتبر هذه الدول خصوماً لها، بينما عززت السعودية علاقاتها مع روسيا والصين، وهذا يدل على إدراك الرياض لحقيقة أن العالم يتغير.