الوقت - السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس، رئيس هذه المنظمة، الذي قدم خدمات قيّمة للکيان الصهيوني في العقدين الماضيين، تموت الآن کشخص مريض لا يستطيع حتى إدارة الضفة الغربية، وقد أخافت هذه القضية سلطات تل أبيب.
بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، قال مؤخرًا إن هذا الکيان يحتاج إلى منظمة السلطة الفلسطينية، ويجب ألا يسمح لها بالانهيار ويجب أن يقوّيها بأي طريقة ممكنة.
تظهر مثل هذه التصريحات أن فهم الصهاينة لعمل السلطة الفلسطينية وطبيعتها بعيد كل البعد عن توقعات الشعب الفلسطيني، وأن هناك علاقةً معقدةً بين هذه المنظمة الفلسطينية وتل أبيب.
لدراسة أبعاد مخاوف الکيان الصهيوني من تراجع منظمة السلطة الفلسطينية والعلاقات بين الجانبين، أجری "الوقت" حوارًا مع السيد حسين رويوران، الخبير في قضايا غرب آسيا.
مواقف نتنياهو فضيحة لمحمود عباس
تحدث هذا الخبير في شؤون الشرق الأوسط عن مغزى مواقف نتنياهو الأخيرة من ضرورة منع انهيار السلطة الفلسطينية، وقال: تصريحات نتنياهو بأن على الفلسطينيين شطب فكرة إقامة دولة فلسطينية من أذهانهم، هي ضد اتفاقيات "أوسلو" وقواعد القانون الدولي التي تعترف بحق الأمم والشعوب في تقرير مصيرها.
كما أن هذه التصريحات هي هجوم غير مسبوق على معتقدات الشعب الفلسطيني، والمواقف السياسية للغربيين الذين يؤمنون بحل الدولتين. وهذه المواقف القاسية من الصهاينة هي نوع من الفضيحة لمحمود عباس، الذي لا يزال يعتقد أن الحوار والتسوية مع الکيان الإسرائيلي يمكن أن يقودا فلسطين إلى هدفها في إقامة دولة فلسطينية.
عندما يرفض نتنياهو إقامة الدولة الفلسطينية، يختفي الوجود السياسي للسلطة الفلسطينية وعباس بشكل رسمي. لكن نتنياهو يقول إن منظمة السلطة الفلسطينية ضرورية لـ"إسرائيل"، وهذا يدل على أن الدور الوحيد لهذه المنظمة هو خدمة مصالح الکيان الصهيوني، أي إن المنظمة لا تسعى إلى إقامة دولة فلسطينية.
كلام نتنياهو عن عباس كان أسوأ من ألف إهانة، وسبب هجوم رئيس وزراء السلطة الفلسطينية، محمد اشتية، علی نتنياهو بشدة، هو أن كلام رئيس وزراء الكيان الصهيوني، شكك بطريقة ما في هيمنة المنظمة وحركة فتح على فلسطين، وينبغي أن يعتذر قادة المنظمة للشعب الفلسطيني.
كلام نتنياهو مهم لأنه وضع السلطة الفلسطينية على مفترق طرق، فإما أن تواصل مسيرتها للتسوية وتقبل الإذلال من الکيان الصهيوني، أو أن تعلن على الفور أنه بسبب عدم امتثال الحكومة الإسرائيلية لاتفاقات أوسلو، فإنها تنسحب من هذا الاتفاق. لذلك، على الرغم من كل هذه الفضائح، إذا استمر في التعاون مع الکيان الصهيوني، فسيتم الاعتراف به كخائن للشعب الفلسطيني.
المصير المجهول لاتفاقية دايتون
وقال هذا الخبير في الشؤون الفلسطينية: الآن، انتهك الكيان الصهيوني كل الحدود السياسية والأمنية ولا يوجد خط أحمر له، لكن ما حدث في الانتفاضة الثانية عام 2000، هو أنه شاركت بعض القوات المسلحة التابعة للسلطة الفلسطينية في عهد ياسر عرفات في عمليات ضد الصهاينة.
لهذا السبب، قبل حوالي 15 عامًا، جاء "دايتون" الضابط الأمريكي الكبير إلى الأراضي المحتلة وتحدث مع قيادات السلطة الفلسطينية، وتمكن أخيرًا من تغيير المعتقدات الأمنية لقوات عباس حتى لا تتكرر التجارب السابقة.
في رأيي، بعد التصريحات الأخيرة لنتنياهو وبتسلئيل سموتريتش وزير المالية، وإيتمار بن غفير وزير الأمن الداخلي في الكيان الصهيوني، ليس من الواضح أن القوات العسكرية لمنظمة السلطة الفلسطينية ستواصل التمسك بالاتفاق بين دايتون وعباس في المستقبل.
في الوقت الحالي، شارك عدد قليل من قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية في عمليات مناهضة للصهيونية، وستزداد مثل هذه الأعمال في المستقبل. لأن هذه القوات الأمنية تشعر بأنها تدافع الآن عن قضية فلسطين، أما إذا توصلت إلى الاعتقاد بعدم وجود قضية وأنها تخدم عدوها في شكل منظمة السلطة الفلسطينية، فإنها ستعيد النظر في معتقداتها وأفكارها.
ضعف منظمة السلطة الفلسطينية فرصة وتهديد في آن واحد
وفي إشارة إلى ضعف منظمة السلطة الفلسطينية، اعتبر رويروان أنه فرصة لفلسطين وتهديد في نفس الوقت. أولاً، إنه تهديد لأنه إذا تعاون محمود عباس مع الکيان الإسرائيلي بهذه الطريقة، فهذا يعني أنه يساعد الکيان علانيةً.
من ناحية أخرى، إنه فرصة للفلسطينيين، لأنه يوضح للمجتمع الفلسطيني أن العمل في المنظمة يعني خدمة تل أبيب، وهذه القضية، في الوقت الذي زاد فيه هذا الکيان من حجم جرائمه في الضفة الغربية، تدفع الفلسطينيين إلى اتخاذ موقف واضح تجاه هذه المنظمة.
الانقسام في السلطة الفلسطينية
كما تطرق السيد رويروان إلی منظور التطورات في الضفة الغربية خلال تراجع منظمة السلطة الفلسطينية، وقال: على الرغم من أن جميع الفلسطينيين يريدون تشكيل دولة، إلا أن هناك نهجين في هذا المجال.
جزء من الفلسطينيين يؤمن بأنه بالإمكان تشكيل الدولة من خلال المحادثات مع الکيان الإسرائيلي، وهذا الجزء يتبع لمحمود عباس. وتؤكد المجموعة الثانية أن الحوار والمصالحة مع العدو لا جدوى منه، ويجب أن يصلوا إلى هدفهم من خلال المقاومة المسلحة، وهذان الخطابان کانا موجودين دائمًا في فلسطين. وحاليًا، اجتمع معظم الشعب الفلسطيني حول محور المقاومة، وهذا يظهر أن خطاب عباس فقد وظيفته.
ما تقوله المقاومة أكثر تصديقًا، لأن للمقاومة سجلًا حافلًا في إجبار الکيان على التراجع في لبنان وغزة، ولكن يصعب تصديق خطاب السلطة الفلسطينية التي وقعت اتفاقاً منذ ثلاثين عاماً ولكن لم يحدث شيء، والناس لا يتفقون معها.
خطأ تقديرات الکيان بشأن الضفة الغربية سيكون مکلفًا له
في الختام، تناول هذا الخبير في الشؤون الفلسطينية موضوع التهديدات المتكررة هذه الأيام من قبل القادة الصهاينة بالهجوم على الضفة الغربية، وقال: هذه الادعاءات متكررة، والکيان الصهيوني كان موجودًا أيضًا في الضفة الغربية من قبل وکان يقوم بإجراءات أمنية، ولكن بسبب تكبده تكاليف باهظة، اضطر إلى ترك الشؤون الأمنية للفلسطينيين.
الآن، إذا لم تتعاون السلطة الفلسطينية مع الصهاينة وأراد المحتلون تولي الشؤون الأمنية مرةً أخرى ، فإنهم سيواجهون المجتمع الفلسطيني بشكل مباشر، وهذا يزيد من ضعف تل أبيب وتكاليفها ويمكن أن يطيح بالحكومات الصهيونية.
في عام 2000، فاز رئيس وزراء الكيان الصهيوني الأسبق إيهود باراك في الانتخابات النيابية تحت شعار الانسحاب من جنوب لبنان وتقليل خسائر الصهاينة.
بالنسبة للکيان الصهيوني الذي يقوم على أساس "الاستعمار الاستيطاني" والذي ينوي اغتصاب أراضي الآخرين، فإن الانسحاب من أرض ما يعتبر كفراً سياسياً لهذا الکيان، ولكن تم ذلك في لبنان، لأن المقاومة زادت تكاليف هذا الکيان.
والآن، يرتكب الکيان الإسرائيلي نفس الخطأ الذي ارتكبه في لبنان، ويرفع تكاليفه وسيضطر إلى إعادة النظر في سياساته في المستقبل.