الوقت- أحد مكونات السياسة الخارجية للحكومة الأمريكية تجاه إيران هو الازدواجية في السياسات والسلوكيات. ومنذ بداية انتصار الثورة الإسلامية، أرسل مسؤولو البيت الأبيض سرًا رسائل دبلوماسية مكتوبة وشفوية حول اهتمامهم وحماسهم للحوار والتفاوض والإجراءات البناءة، وفي المجال الإعلامي، قاموا بتخويف الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
مثال آخر على السلوك المزدوج لسلطات واشنطن تجاه القضية النووية لجمهورية إيران الإسلامية، في مجال الإعلام والرأي العام، يزعم الأمريكيون أن إيران تحاول صنع قنبلة نووية من أجل تشتيت عقول الناس، بينما اعترفت وكالات الاستخبارات الأمريكية مرارًا وتكرارًا بأنه "لا توجد مؤشرات على تحرك إيران نحو أسلحة نووية". وهنا سوف نذكر بعض هذه الحالات والأمثلة:
1- أعلن "بيتر جنكينز" ممثل بريطانيا السابق في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في فبراير 2013، أن سلطات الجمهورية الإسلامية تصرفت بصدق وأمانة في ملفها النووي. وحول لماذا يعتقد أن إيران لا تبحث عن أسلحة نووية؟ قال: "لقد أقنعتني أجهزة المخابرات الأمريكية، كما أنني وضعت نفسي في مكان قادة إيران وفكرت في ما سأفعله لو كنت مكانهم، وفي هذه الحالة بدا أنهم يريدون فقط امتلاك الإمكانية لبناء أسلحة نووية."
2- وفي مثال آخر كتب الموقع الإلكتروني لصحيفة الجارديان البريطانية في سبتمبر 2016: "يقال إن محللي المخابرات الأمريكية الذين لديهم خبرة في حرب العراق، والتي تم الدخول إليها أثناء رئاسة جورج دبليو بوش بذريعة وهمية ووثائق حول وجود أسلحة دمار شامل في هذا البلد، يحاولون مقاومة ضغوط إدارة ترامب لرفع قضية لإثبات عدم امتثال إيران لخطة الاتفاق النووي".
3- وفي فبراير 2017 ، كتب دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة، على صفحته على تويتر: "يبدو أن أجهزة المخابرات سلبية للغاية وساذجة عندما يتعلق الأمر بمخاطر إيران". ونُشرت هذه التغريدة ردًا على تقرير جينا هاسبل، التي كانت آنذاك رئيسة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) ودان كوتس، مدير منظمة الاستخبارات في هذا البلد آنذاك، إلى أعضاء مجلس الشيوخ في الكونجرس بشأن التزام إيران بخطة الاتفاق النووية. وقالت السيدة هاسبل، رئيسة وكالة المخابرات المركزية في ذلك الوقت، في اجتماع: "في الوقت الحالي، تظهر معلوماتنا أن إيران ملتزمة بالاتفاق النووي". وقال في تقريره للممثلين الأمريكيين إن "إيران الآن من الناحية الفنية ملتزمة بالاتفاق".
كما اعترف "دوني كوتز"، مدير المخابرات الأمريكية في ذلك الوقت، بأنشطة إيران النووية: "تقييمنا هو أن إيران لا تقوم حاليًا بالأنشطة الرئيسية لتطوير أسلحة نووية، وهو أمر ضروري في رأينا فقط لانتاج جهاز نووي".
4- في التقارير اللاحقة للمؤسسات الأمنية الأمريكية، تم تأكيد هذا البيان مرة أخرى، حيث أعلنت المخابرات الأمريكية أيضًا في أبريل 1400 في تقرير "تقييم التهديد السنوي" أن إيران لا تشارك في أنشطة رئيسية للحصول على أسلحة نووية.
5- أعربت المخابرات الأمريكية في تقريرها السنوي الأخير الصادر في آذار (مارس) 2022 عن تخوف واشنطن من تقدم البرنامج النووي الإيراني وتكرار الاتهامات ضد جمهورية إيران الإسلامية بما يتماشى مع سيناريو رهاب إيران، وفي نفس الوقت اعترفت بأن طهران في الوقت الحالي تشارك في أنشطة لإنتاج أسلحة نووية. وفي تقريرها السنوي الذي يقيم التهديدات الأمنية التي تواجه الولايات المتحدة في عام 2023، أقر مجتمع الاستخبارات الأمريكية بأن إيران لا تقوم حاليًا بأنشطة تطوير أسلحة نووية أساسية ضرورية لإنتاج سلاح نووي قابل للاختبار.
وقبل عدة أيام وعلى النقيض، اتهم مسؤول أمريكي إيران "بمواصلة زعزعة استقرار المنطقة من خلال صناعة ونشر الصواريخ والأسلحة الخطرة". وقال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيدانت باتيل، في مؤتمر صحفي، إن بلاده "لديها مخاوف من البرنامج الصاروخي الإيراني منذ مدة طويلة"، مشيرًا ان بلاده على علم بالتجرية الصاروخية الجديدة في إيران، في إشارة إلى صاروخ "فتّاح" الفرط صوتي. وأضاف باتيل إن "إيران تواصل زعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك عن طريق تطوير الأسلحة الخطرة وانتشارها"، متابعا: "الولايات المتحدة ستواصل العمل مع الحلفاء والشركاء، بما في ذلك في المنطقة، لردع ومواجهة سلوك إيران المزعزع للاستقرار".
وأردف: "نحن ملتزمون باستخدام مجموعة من أدوات حظر الانتشار المتاحة للتعامل مع تطوير الصواريخ الإيرانية وانتشارها، مشيرًا إلى العقوبات التي تم الإعلان عنها في وقت سابق يوم الثلاثاء الماضي". وكان المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي إلى إيران، روبرت مالي، قال إن واشنطن لن تسمح لطهران بامتلاك سلاح نووي حتى لو كان ذلك يعني اللجوء إلى الخيار العسكري. وأضاف مالي في مقابلة إذاعية: "سوف نستخدم الردع لنوضح لهم أن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة إذا توصلنا إلى أنهم يتخذون خطوات ترقى إلى مستوى قرار الحصول على قنبلة".
وتابع: "لكننا سنواصل الدبلوماسية لأننا نعتقد أن هذه هي الطريقة الأكثر قابلية للتحقق والاستدامة لمنعهم من الحصول على قنبلة" وكرر مالي التعليقات السابقة للمسؤولين الأمريكيين بأن طهران على بعد "أسبوعين فقط" من الحصول على ما يكفي إذا قرروا تخصيب اليورانيوم بدرجة تصل إلى درجة صنع الأسلحة. وأشار مالي إلى تصريح بايدن السابق بأن الخيار العسكري "سيكون على الطاولة" إذا شرعت إيران في محاولة تطوير قنبلة نووية. لكنه أوضح أن الخيار العسكري بالنسبة لواشنطن ليس هو الخيار المفضل، لكن بايدن سيفعل ما يلزم للتأكد من أن إيران لن تحصل على القنبلة.
والسؤال الآن حسب تفسير المرشد الأعلى للثورة الاسلامية لماذا ينتقد الأمريكيون إيران بهذا القدر رغم هذه التقارير الاستخباراتية؟ ولقد أجاب المرشد الأعلى بالقول: "هل نحن الوحيدون في العالم الذين يبذلون جهودا نووية؟ بالطبع يقولون إنهم يخشون حصولنا]على الأسلحة النووية! إنهم يكذبون ويعرفون أننا لا نبحث عن أسلحة نووية. لقد صرحت أجهزة المخابرات الأمريكية مرارًا وتكرارًا أن إيران لا تبحث عن أسلحة نووية .. لذا فذريعة الأسلحة النووية كذبة. القضية ليست هذه، هناك شيء آخر. إنهم يعرفون أن الحركة في الصناعة النووية هي في الواقع مفتاح التقدم العلمي في أجزاء كثيرة من البلاد. إنهم لا يريدون هذا. إنهم لا يريدوننا أن نحقق تقدمًا مثيرًا للإعجاب ومشجعًا في مختلف القضايا. مهما كان التقدم الذي يحرزه الشعب الإيراني، فإن فكر الشعب الإيراني، وطريقة الشعب الإيراني، وديمقراطية الشعب الإيراني، سوف تؤثر على الدول الأخرى. إنهم لا يريدون هذا، إنهم خائفون من ذلك؛ وهدفهم منع تقدم بلادنا في أحد أهم المجالات العلمية وهو المجال النووي.